أنت هنا
القائمة:
8 تشرين الثاني – محفل مُقدّس لرئيسَي الملائكة ميخائيل وجبرائيل
في هذا اليوم، تُقيم مُعظم الكنائس الشرقيّة تذكاراً جامعاً لرئيسَي الملائكة ميخائيل وجبرائيل، ولسائر الطغمات السماويّة العادمة الأجساد. أما الكنائس الشرقيّة التي لا تزال تعتمد التقويم اليوليانيّ القديم (ككنيسة أورشليم مثلاً)، فتحتفل به في الحادي والعشرين من تشرين الثاني، أي بفارق ال13 يوماً بين التقويمَين... تجدر الإشارة إلى أن الكنيسة تذكر خاصّةً إسم ثلاثة من رؤساء الملائكة، ألا وهُم ميخائيل (أي "مَن مثلُ الله")، جبرائيل (أي "قوة الله")، وروفائيل (أي "شفاء الله")، لأن ذكرهم وَرَدَ في الكتاب المُقدّس، وإلى أن الإحتفال بهذا العيد يعود إلى القرن الرابع.
يُذكَر أيضاً أن هناك عدّة تذكارات إفراديّة لرؤساء الملائكة في سياق السنة الطقسيّة البيزنطيّة. إذ تحتفل الكنيسة بتذكار "أعجوبة الملاك ميخائيل في كولوسّي" في السادس من أيلول، كما تُقيم محفلاً تكريميّاً للملاك جبرائيل في السادس والعشرين من آذار، للدور الذي قام به في حدث "بشارة مريم بالحبل البتوليّ"، وأيضاً محفلاً آخر له في الثالث عشر من تموز لشفاعته في حماية الكنيسة.
لكن من هُم الملائكة؟ ما هي أوجُه خدمتهم؟ وما هي أبرز مواضع ذكرهم في الكتاب المُقدّس؟
********************************************
أولاً – تعريف الملائكة:
من الناحية اللغويّة، إن كلمة "ملاك" تعني رسول أو مُرسَل أو مبعوث، وهذا المعنى يظهر جليّاً في مواضع كثيرة من الكتاب المُقدّس. ولنا مثال على ذلك في مطلع الإنجيل بحسب مرقس، حيث يقول "هاءنذا أرسِلُ ملاكي..." (مر 1: 2)، كما في فصل "بشارة مريم" عند لوقا البشير، حيث يقول "في الشهر السادس، أرسِلَ الملاك جبرائيل..." (لو 1: 26). أما من ناحية التعريف، فلنا الجواب في "الرسالة إلى العبرانيّين"، حيث أن الملائكة هم "أرواح خادمة، تُرسَل للخدمة من أجل المُزمِعين أن يرثوا الخلاص" (عب 1 : 14). هُم إذاً أرواح صِرفة، مُنزّهة عن الهيولى (المادة)، بما فيها الجسد والأهواء الجسديّة. "لا يزوِّجون ولا يتزوّجون"، كما ورد في كلام الربّ يسوع حين شبّه "أبناء القيامة" بالملائكة، في مسألة الزواج (متى 22: 30). وهُم يظهرون بأشكال بشريّة لكي يتمّ الإتصال بينهم وبين البشر.
تجدر الإشارة إلى أن بولس الرسول يُميّز في رسائله بين الملائكة، فيذكر "الملائكة"، و"رؤساء الملائكة"، و"الرئاسات"، و"السلاطين"، و"العروش"، و"السيادات" و"القوّات". كما يُميّز ذيونيسيوس الأريوباغيّ بينهم، فيذكر "السيرافيم"، و"الشاروبيم"، و"العروش"، و"الأرباب"، و"القوّات"، و"السلطات"، و"الرئاسات"، و"رؤساء الملائكة"، و"الملائكة". وقد إكتفينا بتعدادهم فقط دون الدخول في التفاصيل.
------------------------------------------------
ثانياً – خدمة الملائكة ودورهم:
لتبيان ذلك، ليس أدلّ من العودة إلى كلام كاتب "الرسالة إلى العبرانيّين"، حيث أن الملائكة هي "أرواح خادمة، تُرسَل للخدمة من أجل المُزمِعين أن يرثوا الخلاص" (عب 1 : 14). إن "المُزمِعين أن يرثوا الخلاص" هم نحن البشر، فيكون بالتالي أن الله خلق الملائكة لخدمة إرادته القدّوسة في خلاص بني البشر، أي إن لهم دوراً خاصّاً في التدبير الخلاصيّ.
كما لنا في كلام الربّ يسوع شاهد آخر عن دورهم، حيث يتوجّه إلينا قائلاً: "إياكم أن تحتقروا أحداً من هؤلاء الصغار، أقول لكم إن ملائكتهم في السماوات يُشاهدون أبداً وجه أبي الذي في السماوات" (متى 18: 10). إذاً، لكلٍّ منّا بصورة غير منظورة ملاك حارس من عند الله، عينُه علينا دونما إنقطاع، وهو واقف لدى الله على الدوام. وهذا الملاك الحارس يوحي لنا بالصلاح عبر الضمير، فيُعيننا على إجتناب فخاخ الشيطان ويؤجّج فينا نار التوبة الخلاصيّة.
كذلك، الملائكة هم الذين يرفعون صلواتنا إلى الله، وهم القائمون على خدمة الله في الليتورجيا السماويّة، المُرنِّمون حول عرش الجلال بالتسبيح المُثلّث التقديس (التريصاجيون). ولنا في الفصل السادس من نبوءة أشعيا صورة عن ذلك: "رأيتُ السيّد جالساً على عرش عالٍ رفيع، وأذياله تملأ الهيكل. من فوقه سيرافيم قائمون، ستّة أجنحة لكلّ واحد، بإثنين يستر وجهه، وبإثنين يستر رجلَيه، وبإثنين يطير، وكان هذا ينادي ذاك ويقول: "قدّوسٌ قدّوسٌ قدّوسٌ، ربّ الصباؤوت، الأرض كلّها مملوءة من مجده..." (أشعيا 6: 1-3). وهو الهتاف نفسه الذي نُردّده في الليترجيا الإلهيّة قبل تقديس القرابين.
------------------------------------------------
ثالثاً – الملائكة في أسفار "العهد القديم":
يزخر "العهد القديم" من الكتاب المُقدّس، بذكر الملائكة على إختلاف تسمياتهم ومراتبهم. وهذا يُظهر وجودهم ودورهم في تاريخ الخلاص منذ قديم الأيام. وفي ما يلي بعض المراجع الكتابيّة التي تُساعدنا على تبيان ذلك، والتي نوردها على سبيل المثال لا الحصر، دون الدخول في شرح حيثيّاتها:
* "فطرد الإنسان، وأقام شرقيّ جنّة عدن الكروبيم، ولهيب سيف مُتقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك 3: 24).
* "فوجدها ملاك الربّ على عين الماء في البرّيّة..." (تك 16: 7).
* "فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً، وكان لوط جالساً في باب سدوم" (تك 19: 1).
* "ورأى حلماً، وإذا سلّم منصوبة على الأرض، ورأسها يمسّ السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها" (تك 28: 12).
* "إلهي أرسلَ ملاكه وسدّ أفواه الأسود، فلم تضرّني..." (دا 6: 22).
* "ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدّامه" (دا 7: 10).
* "هوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأوّلين جاء لإعانتي..." (دا 10: 13).
* "ولا أحد يتمسّك معي على هؤلاء إلا ميخائيل رئيسكم" (دا 10: 21).
* "رأيتُ السيّد جالساً على عرش عالٍ رفيعٍ، وأذياله تملأ الهيكل. من فوقه سيرافيم قائمون، ستّة أجنحة لكلّ واحد، بإثنين يستر وجهه، وبإثنين يستر رجلَيه، وبإثنين يطير..." (أش 6: 1-3).
* "فطار إليّ واحد من السيرافيم، وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح" (أش 6: 6).
* "... تُنقِصه قليلاً عن الملائكة، وبمجد وبهاء تُكلّله" (مز 8: 5).
* "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 78: 25).
* "ما أحبّ مساكنكَ، يا ربّ الجنود" (مز 84: 1).
* "يوصي ملائكته بكَ، فيحفظوكَ في جميع طُرقكَ" (مز 91: 11).
* "الربّ قد ملكَ، فلترتعدِ الشعوب. هو جالس على الشيروبيم، فلتتزلزلِ الأرض" (مز 99: 1).
* "باركوا الربّ يا جميع ملائكته المُقتدِرين قوّةً..." (مز 103: 20).
* "الصانع ملائكته أرواحاً وخُدّامه لهيب نار" (مز 104: 4).
* "سبّحوه يا جميع ملائكته، سبّحوه يا جميع جنوده" (مز 148: 2).
------------------------------------------------
رابعاً – الملائكة في أسفار "العهد الجديد":
كما "العهد القديم"، تحفل أسفار "العهد الجديد" بذكر الملائكة، سواء أكان في سياق سرد ظهوراتهم لإيصال رسالة مُعيّنة، أو في سياق موضوع مُعيّن يتعلّق بدورهم. وفي ما يلي تعداد لظهورات الملائكة، يتبعه تعداد لذكرهم في سياق كلام الربّ يسوع أو كلام وارد في الرسائل، نوردهما أيضاً على سبيل المثال لا الحصر.
1 – ظهورات الملائكة:
* الملاك جبرائيل يظهر أولاً لزكريّا ليُبشّره بولادة يوحنا المعمدان (لو 1: 11-22)، ثم يظهر لمريم ليُبشّرها بالحبل الإلهيّ (لو 1: 26-38).
* الملاك يُكلّم يوسف في الحلم ثلاث مرّات. في الأولى، ليرفع عنّه الشكّ بحبل مريم البتوليّ (متى 1: 20-22). في الثانية، ليطلب إليه الذهاب إلى مصر هرباً من هيرودس (متى 2: 13-14). أما الثالثة، فلكي يطلب إليه العودة من مصر بعد وفاة هيرودس (متى 2: 19-23).
* الملاك يظهر للرعاة ليُبشّرهم بولادة المُخلّص الموعود، وجمهور من الجند السماويّين ينضمّ إليه مُسبّحين الله (لو 2: 8-14).
* الملائكة جاءت تخدم الربّ يسوع، بعد إنتصاره على تجارب "إبليس" في البرّيّة (متى 4: 11).
* الملاك يظهر للربّ يسوع، ليُشدّده في نزاعه في بستان الزيتون (لو 22: 43).
* الملاك ينحدر من السماء، فيُدحرِج الحجر عن القبر ويجلس عليه (متى 28: 1-4).
* ملاكان داخل القبر، عند موضعَي الرأس والقدمَين، يُكلمّان النسوة (يو 20: 12).
* ملاكان (رجلان) يظهران وسط الرسل عند حدث "صعود" الربّ يسوع (أع 1: 10-11).
* الملاك يظهر لبطرس في السجن، ويُطلق سراحه (أع 12: 7).
* الملاك يُكلّم فيلبّس ويُرشده إلى الطريق حيث يلتقي بالرجل الحبشيّ الخصيّ (أع 8: 26).
2 – ذكر الملائكة:
* "من إستحى بي وبكلامي، فإن إبن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" (مر 8: 38).
* "إياكم أن تحتقروا أحداً من هؤلاء الصغار، أقول لكم إن ملائكتهم في السماوات يشاهدون أبداً وجه أبي الذي في السماوات" (متى 18: 10).
* "... لأنهم في القيامة، لا يُزوِّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء" (متى 22: 30).
* "لمن من الملائكة قال قطّ: إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءكَ موطئاً لقدمَيكَ" (عب 1: 13).
* "الصانع ملائكته أرواحاً وخُدّامه لهيب نار" (عب 1: 7).
* "الملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم، بل تركوا مسكنهم..." (يهوذا 1: 6).
* "لأن الربّ نفسه بهتاف، بصوت رئيس الملائكة وبوق الله..." (1تس 4: 16).
كما تجدر الإشارة بأن سفر "الرؤيا" مليء بذكر الملائكة والأدوار التي يقومون بها.
------------------------------------------------
خامساً – صلاة ختاميّة:
أيها الربّ الإله، في يوم تذكار ملائكتكَ القديسين، نشكركَ على إتّضاعكَ الذي لا يوصف، والذي تجلّى بإتّخاذكَ جبلتنا البائسة والمائتة. بذلك، رفعتَها بما يفوق الملائكة قدراً، فألبستَها عدم الفساد وأجلستَها على العرش الإلهيّ. "وما زلتَ تصنع كلّ شيء حتى أصعدتَنا إلى السماء، وأنعمتَ علينا بملككَ الآتي... مع أن ألوفاً من رؤساء الملائكة، وربوات من الملائكة، ماثلون لديكَ...". حصّنّا بملائكتكَ القديسين، ليكونوا لنا حُرّاساً للنفس والجسد، فنكون نحن محفوظين ومُرشَدين... ليلبثوا معنا دوماً نحن الخطأة الضعفاء، ولينقذونا من فخاخ العدوّ المُتنوّعة، وليُرشدونا إلى سبُلكَ التي تُفضي بنا إلى الحياة الأبديّة، التي هي أن يعرفوكَ... لكَ المجد والإكرام والسجود، مع أبيكَ الأزليّ وروحكَ الحيّ القدوس، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.
بقلم الاخ توفيق ناصر (خريستوفيلوس)