أنت هنا

تاريخ النشر: 
الجمعة, أكتوبر 28, 2022 - 14:25

القائمة:

أخي، أختي بالرب يسوع المسيح.

يعي كثير من المؤمنين اليوم بأن الله نفسه لا يجرب الإنسان، معتمدين بقناعتهم هذه على ما جاء في رسالة يعقوب ١/ ١٣: "إذا جُـرّب أحدكم فلا يقل: جرَّبني الله، إنّ الله لا يُجرِّبه شر، ولا يجرِّب أحداً، بل الشهوة تجرب الإنسان...".

إنّ مصدر التجربة ليس الله، وإنما الشيطان كما تُبين آية الصلاة الربيّة: "نجنا من الشرير". هذا الشرير، يطلبنا من الله كما طلب من قبلنا أيوب في العهد القديم، وينبّهنا لهذا يسوع قبل تسليمه على يد يهوذا لمحفل اليهود (السنهدرين) بقوله لبطرس: "سمعان، سمعان، هوذا الشيطان قد طلبكم ليغربلكم كما يغربل القمح.." (لوقا ٢٢/ ٣١).

من النص نفهم أن الله يسمح للشيطان أن يجرّبنا، لكنـّه يسمح بذلك فقط في نطاق قُدرة الإنسان على التحمل كما يشير لذلك بولس الرسول: "لم تصبكم تجربة إلاّ وهي على مقدار وسعكم البشري؛ إنّ الله صادق فلا يكلّفكُم من التجارب غير ما في وسعكم، بل ويؤتيكم مع التجربة وسيلة النجاة منها، وبالصبر عليها" (١قور ١٠/ ١٢-١٣).

المستهدَف الأول من قبل المجرّب هو الكاهن لكونه يسوع آخر مُرسل، لما يحمله من كهنوت يسوع وسلطان لاهوتي يغفر به الخطايا. الشيطان، يعلم ما جاء في الكتاب المقدّس، ولكنّه له رافض. فكما جرب الشرير يسوع في الصحراء، هكذا فهو يُجرِّب الكاهن أيضاً في صحراء حياته، ليبعده عن طريق مُعلّمه، لأنه متى ضُرب الراعي يتبدد القطيع. يحاول الشيطان أن يثير دوما مادته المعهودة في التجربة، والتي جرّب من خلالها أيضاً معلمنا الأوحد يسوع المسيح. ففي الصحراء عرض عليه ثلاثة أمور وفي الجسمانية أمر آدم الأول. في الصحراء عرض عليه السلطة والغنى والسجود له، وفي الجسمانية طلب منه عدم الخضوع الى المشيئة الإلهية كما طلبها من آدم الأول وهذا كان قد استجاب لها وسقط في الخطيئة. لهذا علينا ككهنة ومؤمنين حاملين جميعنا كهنوت المسيح يسوع، كهنوت الخدمة ككهنة وكهنوت العام كمؤمنين، أن نعي بأن المجرّب يضرب "الأنا" الشخصي الضعيف في كل واحد منّا ليوقعنا في مخالبه. فمن خلال عرضه لسلطانه الدنيوي المادي لنشاركه فيه، يُبعد الكاهن أولاً عن السلطان الإلهي الذي وهبه اياه يسوع، بموته على الصليب وقيامته، وبإعطاءه روح التبني روح الحق الباراقليط. وثانيا متى وقعنا في التجربة وشاركنا الشرير في الغنى المادي يُبعدنا هذا بدوره عن الكنز الروحي وعن وحدتنا بكهنوت يسوع السماوي، الذي ورثناه نحن المؤمنين بمعمودية الروح، وأما الكاهن فبإضافة وضع اليد الرسولية أيضاً، ويضرب بذلك عهد الكاهن مع الله، بأن لا يحفظ الأخير الوديعة التي اسلمه اياها يسوع. وثالثاً يكبلنا ويقوقعنا في مشيئتنا الإنسانية والتي لا تطلب أي تضحية، ليبعدنا كبيعة عن مشيئة الله التي تطلب بذل الذات للقريب ولله. إذن على الكاهن أولا والمؤمن ثانيا أن يعيا هذه الأخطاء الثلاث والتي هي اساس لكل خطيئة.

فعلى كل منا أيضا، أن يعي أن التجربة التي نقع في مخالِبها، هي امتحان الذي يسمح به الرب لكي ننمّي من خلالها محبتنا للقريب ولله. فهو بنعمته، وهي الروح القدس الذي وهبنا اياه، يعطينا مخرجاً لنتجاوز هذا الإمتحان. فكل ما علينا قراءته، هي علامته المرسلة لنا في تلك اللحظة، وأن نؤمن أنّه هو قدرتنا على تجاوز المحنة كما آمن بولس وكتب عن لسان الرب: "حسبك نعمتي، ففي الضُّعف تبدو كمال قدرتي" (٢قور ١٢/ ٩).

إذن نتجاوز هذه التجربة فقط إن كنّا نؤمن بالله ونئتمن على حياتنا بين يديه. ولكي ننمي ايماننا هذا ويكون الله لنا دوم الحليف، علينا بمتابعة الصلة مع يسوع من خلال الصلاة، لأنها الطريق الأسمى لإعلان بشارة السلام بجرأة، وبالأخص من خلال مشاركتنا الفعلية في ذبيحة القربان لأنها الطريق الوحيدة لإتحاد كياننا مع كيان يسوع المتجسد الإلهي فنكون فعليا معه واحد كما شاء أن نكون. فبوحدة القربان والمثابرة على الصلاة نتسلّح بقدرة الله العزيزة كما يوضح بولس الرسول الى أهل أفسس في ٦/ ١٠-١٣ ويقول: "وبعد فتقووا في الرب وفي قدرته العزيزة، تسلحوا بسلاح الله لتستطيعوا مقاومة مكايد إبليس، فلسنا نكافح أعداء من لحم ودم بل أصحاب الرئاسة والسلطان وولاة هذا العالم، عالم الظلمات. فتسلحوا بسلاح الله لتستطيعوا المقاومة في يوم الشر". هذا السلاح يتابع بولس هو: الحق وهو ما نشدّ وسطنا به؛ البر وهو درعنا؛ الحمية وهي انتعالنا؛ الإيمان وهو الترس؛ الخلاص وهو الخوذة، وكلام الله، الروح الساكن فينا، وهو السيف. هذا هو سلاحنا، ولكن إذا فشلنا في التجربة ووقعنا، فلا نخف، فلن نكون بتاتا عبيدا للشيطان كما حصل لآدم الأول، لأن الرب يسوع وهو آدم الأخير، قد حرّرنا من هذا السلطان وبرّرنا، وأودع كهنته الذين اصطفاهم بنعمة وضع اليد الرسولية، سلطانه الإلهي ليغفروا به لنا خطايانا، فنكون بنعمة هذا السلطان جديرين دوما أن نتجدد بالروح ومع الروح وفي الروح. فأمينٌ هو الله على عهده. ولنكن نحن أيضاً، أخي وأختي بالمسيح كذلك، أمناء على ما أودعنا الرب من نعمةٍ مجانية، وهو الروح القدس، الإله الأوحد والوحيد الكفيل أن يقود خطانا نحو الرجاء السعيد والغبطة السماوية التي لنا إياها بالمسيح يسوع والتي لا نهاية لها، آمين.

بمحبة الكاهن سعيد هاشم