أنت هنا
القائمة:
30 حزيران – محفل مُقدّس إكراماً للرسل الإثنَي عشر
أولاً – مُقدّمة تعريفيّة بالتذكار:
في هذا اليوم، تُقيم الكنيسة تذكاراً جامعاً للرسل الإثنَي عشر، الذين دعاهم الربّ يسوع وأقامهم شهوداً له ولكرازته الملكوتيّة، ثمّ أرسلهم بعد قيامته ليحملوا بُشرى الخلاص إلى الخلق أجمعين. فإنطلقوا بإتجاه "أصقاع الأرض الأربعة"، كارزين بمحبّة الله التي تجلّت عند ملء الأزمنة ب"الحدث المسيحانيّ"، مُقيمين بدورهم رسلاً وتلاميذ يحملون شعلة الكرازة من بعدهم وعبر الأجيال، ومُنشئين الجماعات الكنسيّة المحليّة حيثما حلّوا، وقد تحوّلت بعض محطاتهم الرئيسيّة إلى كراسي رسوليّة وبطريركيّة (أورشليم، أنطاكية، روما، الإسكندريّة)...
وكانت الكنيسة قد أقامت في اليوم السابق (29 حزيران)، تذكاراً خاصاً ب"هامتَي الرسل"، بطرس وبولس، نظراً لمكانتهما بين الرسل، ولدورهما الطليعيّ في إنشاء الجماعات المسيحيّة الأولى (لا سيّما في مدينة أنطاكية، مركز الكرسيّ البطريركيّ لمعظم كنائسنا الشرقيّة)، وفي إنتشار الكرازة في المرحلة الأولى من الدعوة الإنجيليّة.
الجدير ذكره أن الكنيسة دأبت منذ العصور الغابرة، على الإستعداد لهذا التذكار من خلال فترة صوم سُمّيت ب"صوم الرسل"، تيمّناً بالصوم الذي كان الرسل أنفسهم يُمارسونه قبل أيّ إستحقاق مُهمّ في الكرازة (سفر أعمال الرسل)، كما عملاً بقول الربّ يسوع عن "صوم بني العرس حين يُرفَع العريس عنهم" (متى 9: 15)، و(مر 2: 19-20)، و(لو 5: 34-35). وتبدأ الكنيسة الروميّة الأرثوذكسيّة صومها في يوم الإثنين التالي "لأحد جميع القديسين" (لذلك فإن مدّته تختلف بين سنة وأخرى)، فيما حدّدت الكنيسة الروميّة الملكيّة الكاثوليكيّة بداية هذا الصوم في 17 حزيران. وينتهي هذا الصوم (في الحالتَين طبعاً) عشيّة عيد القديسَين بطرس وبولس (29 حزيران).
***********************************************
ثانياً – "الرسل الإثنا عشر" بين أسفار "العهد الجديد" والتقليد الكنسيّ:
حين دعا الربّ يسوع تلاميذه، لم يتوجّه بدعوته تلك إلى علماء في الناموس، أو لفقهاء في العلوم المُختلِفة لذلك العصر، أو لأصحاب مقامات عالية الشأن... بل دعا أناساً بُسطاء من المُجتمع العاديّ (أغلبهم صيّادون)، أناساً "غير متفلسِفين"، لا مراكز إجتماعيّة وسياسيّة يتعلّقون بها، لا أموال ولا مُمتلكات أرضيّة يخافون عليها... وهذا ما يريده يسوع، لأنه هو نفسه من الطبقة الشعبيّة "ليس له موضع يُسنِد إليه رأسه" (متى 8: 20)، ولأن الرسالة السامية التي سوف يُباشِر بها، تتطلّب تخلّياً كبيراً، قد يصل إلى حدّ إخلاء الذات، وهذه كانت مسيرة السيّد له المجد "إذ أخلى ذاته آخذاً صورة العبد..." (فيلبّي 2: 7). كما نذكر أن "الإثنَي عشر" كانوا جزءاً من السبعين تلميذاً الذين كانوا يتبعون يسوع بدايةً، ثم عاد كثيرون فتركوه (يو 6: 66)، فشَكّل الإثنا عشر "الحلقة الضيّقة" حول يسوع، وقد إعتمد الربّ عن قصد عدد ال12، رمزاً لأسباط إسرائيل الإثنَي عشر (أبناء يعقوب وعشائرهم)، فيكونوا نواة "إسرائيل الجديد" ويُدينوا أسباط "إسرائيل القديم" لعدم الإيمان والوفاء للربّ الإله (متى 19: 28).
يُذكَر أن تعداد أسماء "الإثنَي عشر" قد ورَدَ في الأناجيل "الإزائيّة" (متى 10: 2-4)، (مر 3: 16-19)، (لو 6: 13-16). أما الإنجيل بحسب يوحنا، فلا يُعدّدهم كما أقرانه، بل يذكر أنهم "إثنا عشر" (يو 6: 67-71)، مُسمّياً البعض منهم لإرتباط هذا البعض بحادثة معيّنة (يو 1: 35-42)، و(يو 1: 43-51)، (يو 11: 16)... وفي ما يلي نبذة سريعة عن كلّ منهم، مُعتمِدين ترتيب الأسماء بحسب أهميّة دور الشخص، سواء في زمن الربّ يسوع أو في زمن الكرازة:
* سمعان بن يونا، من بيت صيدا... كان صيّاداً للسمك مع أخيه أندراوس على ضفاف "بحر الجليل"، فدعاه الربّ وأخاه ليتبعاه ويجعل منهما "صيّادَي بشر"، فتركا كلّ شيء وتبعاه (متى 4: 18-20). أما في الإنجيل بحسب يوحنا، فيروي الكاتب الإنجيليّ أن أندراوس هو الذي تعرّف إلى الربّ يسوع أولاً، ثمّ جاء بأخيه سمعان إلى يسوع وقدّمه إليه، فأطلق عليه الربّ حينذاك إسم بطرس، أي "صخرة" (يو 1: 42). وقد أكّد الربّ على هذه التسمية فيما بعد، حين إعترف بطرس بمسيحانيّة يسوع، جاعلاً من إيمانه هذا "صخرةً" يؤسّس عليها كنيسته (متى 16: 18). كانت لبطرس "صولات وجولات" عبر الأناجيل، لن ندخل في تفاصيلها هنا، بل نكتفي بذكر نكرانه لمُعلّمه عشيّة آلامه، الشيء الذي سبّب له عذاباً ضميريّاً بكى على أثره بكاءً مُرّاً... بعد "العنصرة" مُباشرةً، قام يخطب بالجمهور الحاضر في أرض الحدث، وكانت النتيجة إنضمام دفعة أولى من المؤمنين بلغت زُهاء ثلاثة آلاف شخص، شكّلوا الجماعة الكنسيّة الأولى (أع 2: 37-41). كرز في أورشليم وأنحاء فلسطين، بعدها إنطلق شمالاً حتى بلغ في كرازته مدينة أنطاكية التي فيها دُعيَ المؤمنون "مسيحيّين" لأول مرّة (أع 11: 26)، والتي تأسّست فيها جماعة كنسيّة أساسيّة وتحوّلت فيما بعد إلى كرسيّ بطريركيّ أساسيّ... وصولاً إلى قلب الإمبراطوريّة الرومانيّة بالذات، مدينة روما "الخالدة"، التي نشأ فيها ما أصبح يُعرَف ب"كرسيّ بطرس" أو "الكرسيّ الرسوليّ". وقد رافقه يوحنا مرقس (المعروف بمرقس الإنجيليّ) الذي دوّن إنجيل "الكرازة البطرسيّة" الموجّه إلى مؤمني مدينة روما بشكل رئيسيّ، كما أن لنا من بطرس رسالتان "جامعتان". إستشهد في مدينة روما أثناء موجة الإضطهاد العنيفة التي أثارها "نيرون" ضدّ المسيحيّين، فكان أن صُلِبَ بشكل مُعاكس بناءً لطلبه، مُعتبراً نفسه غير مُستحقّ لأن يكون مُساوياً لمُعلّمه، وذلك في سنة 67م على الأرجح... يقع تذكاره في 29 حزيران (مع بولس الرسول).
* يوحنا بن زبدى، من بيت صيدا... كان يمتهن صيد السمك في "بحر الجليل" مع أخيه يعقوب وأبيهما زبدى، إلى حين دعاه الربّ مع أخيه لإتّباعه، فلبّى الأخوان الدعوة مُتخلّين عن كل شيء (متى 4: 21-22)، وقد لقّبهما السيّد ب"إبنَي الرعد" نظراً لحماسهما المُفرِط. كان يوحنا يحظى بعطف خاص من قبل الربّ يسوع (ربّما لصغر سنّه)، لهذا دُعيَ ب"التلميذ الحبيب"، وقد ورد هذا التعبير في الإنجيل الرابع حصريّاً. وقف مع مريم على أقدام الصليب، فسلّمه الربّ مسؤوليّة أمه العذراء، جاعلاً من البشريّة كلّها أبناء لها من خلال شخص يوحنا. بعد "العنصرة"، إنطلق للكرازة في آسيا الصغرى بشكل رئيسيّ (أفسس وغيرها)، حيث كرز بالمسيح القائم وعانى من إضطهادات شتّى، لكن الربّ نجّاه منها كلّها، إلى أن نُفيَ إلى جزيرة بطمُس، حيث كتب "رؤياه" الشهيرة يُشدّد فيها الكنائس التي كانت قد إشتدّت عليها وطأة الإضطهاد. كما أنه ترك لنا أيضاً إنجيلاً "لاهوتيّاً" بإمتياز، وثلاث رسائل "جامعة"... هو الوحيد بين "الإثنَي عشر" الذي لم يمت إستشهاداً، بل مات مُعمِّراً جداً (90+) في نهاية القرن الأول الميلاديّ... يتميّز عن سائر الرسل بأنه إضافةً إلى تذكاره الأساسيّ في 8 أيار، له تذكار آخر في 26 أيلول، وهو تذكار "إنتقاله".
* أندراوس بن يونا، هو أخو سمعان بطرس، من بيت صيدا... يذكر يوحنا الإنجيليّ أن أندراوس هو أول من دعاه الربّ يسوع، وذلك بعدما أشار عليه يوحنا المعمدان بضرورة إتّباع "حمل الله" من اليوم فصاعداً (يو 1: 35-42). لكن متى مثلاً، يورد في إنجيله أن الربّ يسوع دعاه وأخاه سمعان لإتّباعه، وكانا يُمارسان مهنتهما من خلال"إلقاء الشباك"، فتركا كل شيء وتبعاه (متى 4: 18-20). سار بكرازته على طول ساحل البحر المتوسّط، مروراً في بلاد الإسقيط (حول البحر الأسود)، وصولاً إلى بلاد اليونان ونواحي مضائق بحر مرمرة (في تركيا الحاليّة)، حيث إستشهد مصلوباً بشكل تقاطعيّ (X) حوالي سنة 62م... يقع تذكاره في 30 تشرين الثاني.
* يعقوب بن زبدى، المُلقّب ب"إبن الرعد" على غرار أخيه يوحنا الإنجيليّ، والمُسمّى ب"الكبير". كان يعمل صيّاداً للسمك مع أخيه وأبيهما زبدى، إلى أن دعاهما الربّ يسوع لإتّباعه، فلبّيا الدعوة تاركين الشباك وأباهما وراءهما (متى 4: 21-22). بشّر بالإنجيل في أورشليم ونواحي اليهوديّة، ووصل في كرازته إلى إسبانيا (من هنا تسمية Saint Jacques de Compostelle)، عاد بعدها إلى أورشليم حيث واجه الإستشهاد بقطع الرأس بأمر من الملك هيرودس أغريبّا (أع 12: 1-2)، وذلك في العام 42م أو 44م. وبذلك يكون هو الشهيد الأول بين "الإثنَي عشر"، والوحيد الذي ورَدَ خبر إستشهاده في سفر "أعمال الرسل"... يقع تذكاره في 30 نيسان.
* فيلبّس، من بيت صيدا (مواطن بطرس وأندراوس). هو الذي شهد أمام صديقه نثنائيل، بأنه "قد وجدنا من كتب عنه موسى في الشريعة والأنبياء، وهو يسوع إبن يوسف من الناصرة" (يو 1: 45). وهو الذي طلب إلى الربّ قائلاً "أرنا الآب وكفى" (يو 14: 8). إنطلق للكرازة برفقة صديقه نثنائيل، في بلاد آسيا الصغرى (تركيا حاليّاً) وبلاد اليونان، ولا سيّما في فريجيا. ومات مصلوباً بشكل معكوس (على مثال بطرس)... سنكساره في 14 تشرين الثاني.
* توما، أو "التوأم" كما كان لقبه... إشتهر بشكّه الدائم، كما نرى مثلاً في حادثة موت لعازر، حيث أتت ردّة فعله بقوله "لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه" (يو 11: 16)، وأيضاً وخاصةً بعد قيامة الربّ وظهوره "للعشرة" (أي بغيابه)، إذ لم يُرِد أن يُصدّق ما لم يلمس الربّ لمس اليد (يو 20: 25). إنطلق في كرازته نحو بلاد فارس وصولاً إلى الهند، حيث أسّس الكنائس التي أصبحت تُعرَف ب"المالابار" و"المالانكار"، ومات شهيداً تحت وابل من السهام في حوالي سنة 75م... يقع تذكاره في 6 تشرين الأول.
* برثلماوس، وهو نفسه نثنائيل "القانويّ" (من قانا) صديق فيلبّس، الذي إمتدحه الربّ يسوع واصفاً إياه ب"الإسرائيليّ الحقّ الذي لا غشّ فيه" (يو 1: 47). يبدو أنه وصديقه فيلبّس ذهبا إلى الكرازة معاً، أقله لفترة مُعيّنة. فوصل برثلماوس إلى آسيا الصغرى ثمّ بلاد فارس والهند، وربّما نواحي أرمينيا، حيث إستشهد مصلوباً على مثال المُعلّم الإلهيّ في حوالي العام 71... سنكساره في 11 حزيران.
* متى، أو "لاوي بن حلفى" كما يُعرّف عنه مرقس الإنجيليّ (مر 2: 14). كان عشاراً قبل أن يدعوه الربّ يسوع. بعد "العنصرة"، إنطلق في كرازته ضمن أراضي فلسطين، حيث كتب "إنجيله" ووجّهه إلى مؤمنيها، وهم يهود قد إعتنقوا الإيمان بالربّ يسوع، مُبيّناً أن يسوع الناصريّ هو المسيح الذي وعد الله به شعبه... كما توجّه إلى بلاد المشرق (في إشارة إلى المجوس الذين ذكرهم في إنجيله)، ويذكر التقليد أيضاً أنه يمّم شطر بلاد الحبشة، حيث بشّر وعاش طويلاً ومات شهيداً، في حوالي العام 90م... يقع تذكاره في 16 تشرين الثاني.
* يعقوب بن حلفى، المُلقّب ب"الصغير". يميل مُعظم علماء الكتاب المقدس والمؤرّخين إلى القول بأن يعقوب هذا، ليس سوى يعقوب "أخي الربّ"، الذي أضحى أول أسقف لأورشليم، وكانت له مُداخلة حاسمة في "مجمع أورشليم" (عام 49م)، حيث عالج الرسل مسألة قبول الوثنيّين في الجماعة الكنسيّة. ولنا منه رسالة "جامعة" من ضمن أسفار "العهد الجديد". نال إكليل الشهادة، بعد أن ألقى به اليهود من أعلى جناح الهيكل، راجمين إياه ومُحطّمين رأسه بالهراوة (عام 62م)... يقع تذكاره مبدئيّاً في 9 تشرين الأول، لكن إن صحّ أن يعقوب بن حلفى هو نفسه "أخو الربّ"، يكون له تذكار آخر في 23 تشرين الأول.
* سمعان "القانويّ" (من قانا)، والمُلقّب ب"الغيور" (Zealot) لإنضمامه إلى جماعة "الغيورين" الرافضة للإحتلال الرومانيّ، قبل أن يدعوه الربّ يسوع. لم يُذكَر إسمه إلا في تعداد الرسل الإثنَي عشر. كرز في سائر بلاد الساحل الأفريقيّ الشماليّ (مصر، ليبيا...)، ونال إكليل الشهادة عن طريق الموت صلباً (على الأرجح عام 64م)... سنكساره في 10 أيار.
* يهوذا، المدعوّ أيضاً "تدّاوس" و"لبّاوس". يُعرّف عنه لوقا البشير بأنه أخو يعقوب بن حلفى (لو 6: 16) و(أع 1: 13)، وبهذا يُكوّن مع أخيه ثُنائيّاً آخر من الإخوة (على غرار بطرس وأندراوس، يعقوب ويوحنا)... وصلتنا منه رسالة وحيدة، هي الأخيرة في تسلسل الرسائل المُسمّاة ب"الجامعة". إنطلق في كرازته بدءاً من اليهوديّة، فبلاد سورية وما بين النهرَين، وصولاً إلى الرها وأرمينيا، فبلاد فارس حيث إستشهد رشقاً بالسهام عام 70م على الأرجح... يقع تذكاره في 19 حزيران.
* متّيّا، الذي كان في عداد السبعين تلميذاً، أي شاهد عيان للربّ يسوع (أع 1: 21-22)، والذي وقع عليه الإختيار بالقرعة، ليحلّ مكان يهوذا الإسخريوطيّ الذي باع مُعلّمه (أع 1: 24-26)... تقول بعض المراجع أنه بشّر إنطلاقاً من اليهوديّة، مُتّجهاً شرقاً إلى بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس، حيث إستشهد رجماً في سنة 60م. بينما تذكر مراجع أخرى كرازته في اليهوديّة، فالحبشة ثم بلاد اليونان، ليعود فيقضي شهيداً في اليهوديّة، رجماً وقطعاً للرأس... يُعيّد لتذكاره في 9 آب.
************************************************
ثالثاً – الخُلاصة الروحيّة:
إن الرسل المذكورين أعلاه، هم الشهود المُباشِرون "للكلمة المتجسّد"، وقد عاينوا مجده "مجداً كما لوحيد من الآب، مملوء نعمةً وحقاً" (يو 1: 14). لقد سمعوا منه كلاماً لم يسمعه بشرٌ من قبل، إذ "ما تكلّم إنسان مثل هذا الإنسان" (يو 7: 46). لقد شاهدوا الآيات التي صنعها، وهي علامات حلول "ملكوت السماوات" بين البشر، بدءاً من آية تحويل الماء إلى خمر في "عرس قانا الجليل"، "فآمن به تلاميذه" (يو 2: 11). رأوه يأمر العاصفة بالهدوء، فتساءلوا فيما بينهم "من هو" (لو 8: 22-25). فجاءهم الجواب حين رأوه ماشياً على سطح الماء وخافوا، لكنه طمأنهم بقوله "أنا هو" (متى 14: 25-27). عاينوه يُبرىء البرص، ويردّ البصر للعميان، ويشفي المُخلّعين ويابسي الأطراف، ويُحيي الموتى، ويُخرج الشياطين، والأهمّ يغفر الخطايا (الغفران سلطان إلهيّ)... كلّها علامات واضحة لحضور الله الرحوم بين بني البشر، "فطوبى للعيون التي رأت ما رأوا هم" (لو 10: 23). وهذه الآيات هي نفسها التي أولاهم سلطاناً على صنعها في "الإرسال الأول" لهم (متى 9: 36 إلى 10: 8)، إلى بني إسرائيل في مرحلة أولى. وهي الآيات نفسها التي سوف يتابعون صنعها بإسمه، بدءاً من "الإرسال الثاني" (أي بعد "العنصرة"، وإلى كل الأمم هذه المرّة). رغم ذلك، عندما حلّت "محنة الصليب"، خاف الجميع وتوارَوا عن الأنظار، ومنهم من أنكر معرفته به وبكى بكاء مرّاً (متى 26: 75)، ومنهم من "سلّمهُ إلى أيدي الخطأة"، وعاد فندم على فعلته، لكنه ذهب وشنق نفسه (متى 27: 3-5). لكنهم بعد قيامته من بين الأموات، وخصوصاً بعد فيض الروح القدس، الذي هو الحضور الدائم للسيّد في كنيسته، تحوّلوا إلى رسل أشداء، لا يهابون الموت في سبيل السيّد القائم والحيّ إلى الأبد، أو الموت على مثاله، وفي سبيل إيصال "البُشرى الحسنة" إلى الخلق أجمعين، لإكمال مسيرة إحلال "ملكوت السماوات" بين البشر وفيهم، إذ قال يوماً "ها إن ملكوت الله في داخلكم" (لو 17: 21).
ختاماً، لا بدّ من ملاحظة هامة، تتعلّق بتذكار اليوم وبالإيقونة الخاصة به. إن إنجيل هذا اليوم يُعدِّد لنا الرسل الإثنَي عشر الذين إختارهم يسوع، وكان يهوذا الإسخريوطيّ في عدادهم "ألستُ أنا قد إخترتكم؟ فإن واحداً منكم شيطان" (يو 6: 70). لكن الوضع قد تبدّل بعدما شنق هذا الأخير نفسه، فأصبح عدد الرسل أحد عشر، إلى أن إنتُخِبَ متيّا خلفاً له، فعاد العدد إثنَي عشر رسولاً... لذلك، فإن تذكار اليوم يشمل الإثنَي عشر، من ضمنهم متيّا.
أما بالنسبة للرسل الإثنَي عشر الواردين في الإيقونة أدناه، فالقصة مختلِفة ونُفرِد لها مقالةً خاصة.
بقلم الاخ توفيق ناصر (خريستوفيلوس)