أنت هنا
القائمة:
صمت الله في الضيقات
لماذا لا يتدخل الله
البروفيسور. عماد قسيس
كثيرا ما نقرأ في هذه الأيام وسط الظلمات والضيقات من جميع الإتجاهات صرخات تتراوح بين الإنكار والاستنكار واستقراء الأمور من خلال التبصر في الأحداث الحاليه من ظلم وتعسف وأحداث بعضها صنع يد البشر من تفجير وقتل وقطع رؤوس مرورا بأحداث عفويه مثل سقوط سقف بناء كان معدا ليكون كنيسه فيقتل من يقتل ويجرح من يجرح , بالإضافة للأحداث اليوميه من أمراض وكوارث طبيعيه.
ويمكن أن نلخص الأمر بتساؤلات جوهرها : صمت الله في الضيقات أو أين يد الله من كل هذا, وخصوصا أن الشعور العام هو تزايد مطَّرد في كثافة وقوة هذه الأحداث.
ولا شك ان ردود الفعل لكل حدث تعكس الموقف الإيماني للإنسان. فنجد النقاشات تحتدم ويختلط الحابل بالنابل في رأس كل إنسان ويمتد الإضطراب عبر شبكات التواصل والنقاشات التي لا تنتهي وهو بالأساس أشبه بحوار بين طرشان. تختلف الماده الفكريه بين المؤمن والمتردد واللا مؤمن بشكل لا يترك مجالا للنقاش العقلي أو العقلاني حول حضور الله في الضيقات وصمت الله أمام الشرور الطبيعيه والمكتسبه كلها, فالإيمان لا يرتكز على التفكير والمنطق بل هو حالة " أن تكون بها أو لا تكون".
ومن لا يؤمن بكيان الله فلماذا يسأل أصلا هذا السؤال؟ بدل أن يعقد الأمور يمكنه ببساطه أن يتوجه مباشرة للمؤمن أو لكل إنسان معلنا أنه لا يؤمن أصلا .. والسؤال أين هو إلهُكَ الذي تعتمد عليه هنا هو مجرد سؤال تحريضي موجَّه للمؤمن وكأني به يقول ... شفت.. أفحمتك !!.. أكيد مش رح تلاقي جواب عالسؤال...مش قلتلَّك من الأول...وهنا لا بد من التوضيح أن هذه خلاصة من خلاصات التفكير البشري الذي يرى في أعماقه ان كيانه مهدد فقط لأن هناك واحد مثله يقف قبالته ويفكر تفكيرا مختلفا.. إنه لا يجد الراحة والهدوء إلا إذا فكر كل مَن بالكون مثله.. هذا الشعور بالإنتصار يعطيه بعض الثقه المهتزَّه منذ أن انتصب على قائمتيه الخلفيتين وحظيَ بنعمة التفكير أو على نقمة التفكير بكلام أدق. ولكن أكاد أجزم بالأمر أن هذا الإنسان لن يجد الراحة ولا السلام الداخلي حتى ولو أعلن كل من يمشي على الأرض وما فوقها وما تحتها أنه يفكر مثله تماما , بل على العكس سيبقى فريسة الخوف والقلق والتساؤل والتذبذب بين الإنكار والتصديق ... سيبقى ما في داخله بعبعا مخيفا. هذا البعبع الوجودي كما عبر عنه جحيم سارتر لن يشبع حتى يبتلعه ابتلاعا مطلقا.
ولكن المؤمن يتابع الأحداث من منطلق مغاير بشكل تام.. نعم, ربما يكابر بعض المؤمنين ببساطه مثل المنكرين وجود الله فيُصِرّون ان الله يقف وراء الاحداث مهما حصل فقط ليظهروا مثل غير المؤمن انهم هم وليس غيرهم على حق. هذا لا يمكن أن نُعده تعبيرا إيمانيا بل تعبيرا نفسيا فقط لأن الإنسان يريد ان يصدق انه على حق وموقفه صادق لا شائبة فيه.
ولكن المؤمن الذي يرى الله يعرف ان الله ليس ذاك الطفل الذي أختلفت عليه المرأة مع ضرتها وحكم سليمان بقطعه مناصفة.
تعتقد بعض الاديان فعلا أن الله وراء الأحداث فتؤمن بالقضاء والقدر وأن كل شيء مكتوب وكل شيء مقدر ومكتوب على ألواح والإنسان ما هو إلا لعبة في يد القدر / ألله ... أعطوه التسمية التي تريدون. هذه الأديان تفرض على المنتسبين إليها طاعة عمياء وتمنع أي تساؤل أو حوار مع البشر ومع الله. ولذلك تقبل النفس هذه الأحداث ولا تسأل أكثر.. هذه هي الطاعة العمياء التي لا تترك للإنسان فسحة التفكير والحرية المطلوبه لأي حوار. وما يهمني الأن هنا ليس الحوار مع البشر بل الحوار مع الله ...
لا بد لتقييم الاحداث من وجهة النظر الإيمانيه للمسيحي الاعتماد على العلاقة الشخصيه مع يسوع القائم من بين الأموات كما عبرعنها الكتاب المقدس والكنيسة المؤمنة على مر الأجيال. هذا الكتاب الذي يلخص على مدى ألاف السنين مسيرة إيمانيه للكثيرين من المؤمنين والأنبياء والذي يتوج مسيرة الإنسان نحو السماء بما علَّمه المسيح يسوع لتلاميذه وما حملته سفينة الشهداء منذ ميلاد المسيح وقتل أطفال بيت لحم متوجا بصلب المسيح على الجلجله؛ ومن هناك نحو ذاك السيل الجارف الذي بدأ باستيفانوس الذي رجمه شيوخ المجمع ومن ثم الرسل والشهداء على مدى ألفي عام تقريبا..هذا إذا استكفينا بالشهداء الذين عذبوا وماتوا في سبيل إيمانهم. (الرساله إلى العبرانيين) ولكن ايضا وايضا الملايين من الذين لم يكونوا أوفر حظا من الذين ماتوا بسبب الأمراض والكوارث الطبيعيه.. ..وربما الشيخوخه أيضا. في كل مره تختتم مسيرة الاحزان الأرضيه بالموت الذي يرهبه البشر ويكرهه الناس على مدى الزمن, بينما يعلن المسيحي انه انتصار وغلبه وعبور نحو ما هو أفضل.
هذه القافلة من الشهداء التي تتألم فتصبر, تتعذب فتمجد, تبكي وتصلي, تنحني على الأرض رافعة يديها نحو السماء, تواجه الموت فتشرق تقاسيم وجهها بفرح غريب ونور كأنه وجه ملاك ( استافانوس اعمال الرسل), ما يحملها في مسيرة الحياة الصعبه هو اللقاء مع يسوع المسيح القائم من بين الأموات. ومن لا يعرف هذه المسيره وهذا اللقاء لا يمكنه أن يفهم كيف يمكن للمسيحي في القرن الواحد والعشرين الصبر على هذه المآسي والإنطلاق مجددا رافعا يديه إلى السماء حتى يصل هو إلى السماء. كما قال القديس بولس الأفضل لي أن أنطلق من هنا لأعاين الرب ولكن في كل مره أجابه الرب " تكفيك نعمتي"..("فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ." (2 كو 12: 9).
ولد المسيح بعد أن لم يجد يوسف بيتا يأويه ومريم في مذود محاطا بالقش والبقر والحمار والظلام. وفي وسط هذا الظلام والظلم يركض الرعاة ويسجد المجوس ويسطع النجم وتسبح الملائكه ويأتي صوت الرجاء الاول بالبشرى الساره " المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسره" كل هذا يحدث ولم تجف بعد دماء أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودوس. ويسوع يقول في تعليمه للتلاميذ بعد آلام المخاض يأتي فرح الولاده.. بعد أن ولد يهرب به يوسف ومريم إلى مصر ليعود فيجد أسوأ وريث لهيرودس فيهرب للجليل ويعيش مهجرا لسنين طويله. حتى أن الانتماء العرقي لسبط يهوذا يكاد يكون منسيا لولا بقاء مريم في الصورة من وراء الكواليس... ومن خلال حياته الأرضيه يعاني يسوع من تفاهة الأفكار وقسوة الفريسيين والكتبه وتهكم الصدوقيين ولا يجد تعزية إلا بين الصيادين والرعاة والعشارين والخطأة الذين استأنسوا به واستعادوا عافيتهم وصحتهم أحيانا ولكن الأهم من كل ذالك أنهم استعادوا ثقتهم بالله واستعادوا ثقتهم بذاتهم. رغم أن فهمهم للأمور كل سطحيا ورؤيتهم للحق محجوبة بستار بشريتهم المتضعضعه.
كان الشعب يعتقد بالقدر كما يعتقد بعض المنتمين للأديان المعروفه؛ فالخير بركه من الله والمرض لعنه. ولا يزال البعض يحمل هذه الفكرة حتى اليوم .. ألا نقول عن الغني الذي يربح الملايين " ألله منعم عليه"؟ وعندمت تحدث كارثة أو جريمة قتل يقولون " هيك ألله بدّو!"
لقد واجه يسوع هذه الأفكار عندما سأله البعض عن الأعمى هل لأنه هو أخطأ أو لأن والديه تحت ربقة الخطيئه فأجابهم قائلا " لا هذا ولا ذاك" ولكن ليظهر مجد الله . هذه جمله محوريه وهامه جدا. ومن خلال تلك المواجهه بين يسوع والمرائين الذين أعطوا تفسيرا مخالفا للأحداث قدم يسوع الشفاء التام للمسكين ليظهر مجد الله.
في حوار آخر يسجل لنا لوقا البشير في الفصل 13 ما يلي " وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. 2 فقال يسوع لهم: «اتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟ 3 كلا أقول لكم. بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. 4 او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم اتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم؟ 5 كلا اقول لكم! بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون». ومن هنا فإن هاجس المسيحي وهذا ما يظهره الأبرار حتى على فراش الموت من القديسين هو مهلة صغيره للتوبه وهي تعني في جوهرها ليس فقط الندم على الخطايا بل العوده إلى الله.
لا يعطي يسوع تفسيرا واضحا لماذا وقعت الكارثه على هؤلاء ووفرت الآخرين بل يحذر السامعين أن عدم التوبه والعوده إلى الله سيؤول بهم إلى وضع أسوأ. نبقى هنا إذا مع فكره غير واضحه ولكن ينطلق منها يسوع إلى ضرورة التوبه والعوده إلى الله.
لقد كان الملك داوود مؤمنا وعاملا حسب إيمانه بالله ويعتمد عليه في كل شيء. ولكن المزامير تمتليء بصرخات التساؤل في أوقات الحرج والضيق فيسأل من عمق الجُب والألم والحزن , لماذا تركتني يا ألله, أين أنت يا الله , حتى متى تهملني. فصرخة الألم والتساؤل هي صرخة طبيعية والحوار بين الإنسان والله هو تعبير عن مأساة الإنسان ووحدتة في الضيقات ولكن عندما نعاين المزامير نجد أنه بعد هذه الصرخة يعي داوود استجابة الله فيسبح ويهلل ويفرح بالله وحضوره في حياته رغم ان آلامه لم تنتهي. هذه الصرخة ليست حكرا على غير المؤمن بل هي من صلب الطبيعه البشريه والمؤمن والقديس في عين الرب يصرخ ويتساءل في وقت الضيقات. ولكن من يؤمن بالقدريه يصدق أن الله يسير كل شيء لذلك يلقي على كتف الله كل المساوئ والمآسي والشرور التي تحصل له. وهنا تنعدم حرية الإراده والمسؤولية البشرية عن قراراتها ولكن الأهم من ذلك, وهنا نقطة هامه إن هذا الفكر يلقي على الله مسؤولية كل الشرور كلها أيضا وليس فقط الخير بل إن الشرور التي يفعلها هو نحو نفسه ونحو العالم تصبح ملقاة على كتفي الله , فالله هو المسؤول والله هو الذي يقف من وراء كل شيء. ليس هذا سوى وسيلة للتنصل من كل مسؤوليه نحو أي عمل, الله هيك بدُّو.. وليس غريبا أن نسمع هذا الأمر في مواجهة كثير من الشرور التي هي صنع يد الإنسان. ولكن واحدة من أسس العقيده الفكريه للمسيح هي حرية التفكير والاختيار. لم يجبر يسوع أي واحد أصلا على اتباعه بل في كل موقف يستعمل كلمة " من أراد" فليتبعني. ووسط عمله البشري ينطلق في بداية كرازته أولا إلى البريه ليجربه الشيطان في ثلاث من ركائز المواقف التي تقف وراءها غالبية الشرور البشريه إن لم يكن كلها من طمع بالمال والجاه والسلطان والخوف على الطعام والغنى. ولم ينتصر يسوع باستعماله قوى خارقه أو طبيعته الإلهية, بل واجه الشرير بكلمة الله كما يمكن أن يفعل كل قاريء للكتاب. وبينما حرَّف الشرير آيات من الكتاب المقدس مستغلا إياها للحوار مع يسوع, قام يسوع بتصحيح الفكره أمام فكر الشر وأعاد المعنى الحقيقي لكلمة الله. هذه الكلمه عندما تفهم من خلال فكر المسيح تنتصر على كل إغراء العالم وشروره المفتعله. إلا يشوه البشر اليوم كلمة الله لتبرير أفعالهم ومصالحهم ومطامعهم إن يكن عن وعي وشطارة أو عن غباء.
يحمل لنا الكتاب المقدس الكثير من المواقف التي تساعدنا على الفهم بمدى معين لموقف الإيمان. سأسجل منها بعض النقاط فقط. في العهد القديم نرى يوسف الشاب المحظوظ يتعرض للخيانة من إخوته فيلقوه في البئر ولولا مرور القافله وتفكير الإخوة ببيعه لكان مات.. ولكن مع وصوله لمصر عبدا ذليلا يباع؛ وتبدأ مسيرة من الغربه والألم والسجن والشقاء. لا يسجل لنا الكتاب تذمرا واحدا ليوسف بل ثقة بذاته وثقة بالله وهو في كل الظروف لم يستغل حالته ليخالف الوصايا ويتخلّى عن إيمانه حتى ولو كانت تعرضه للقتل. مرت سنين طويله في السجن بدأت بعدها تنفرج الأمور. وفي ختام اللقاء مع إخوته هدأ روعهم قائلا هكذا شاء الله لينقذكم من الهلاك. هكذا هي حال المؤمن ينتظر بصبر ولا يلقي التهم وربما يأخذ منه الأمر مسيرة عمر ليفهم مشيئة الله في حياته وكيف يتدخل الله في حياته. هذا أمر لا يمكن أن يفهمه الإنسان ما لم يصعد إلى السماء حيث يمر شريط حياته أمامه بشكل أوضح. والقديس بولس يردد جملة تختصر فكر الإيمان " كل شيء يؤول للخير للذين يحبون الله".
والقديس بولس ذاته يخبرنا عن قافلة من الشهداء الذين نُشروا , ذبحوا, ساحوا في جلود المعز وصبروا بإيمانهم. وهو يسجل لنا قافلة كبيره من الذين أختاروا الطريق الصعب بالإيمان لينتصروا في ختام مسيرتهم من إبراهيم وحتى أخر الشهداء. ويكرر بالإيمان ... بالإيمان... بالإيمان....
ولكن من بين كل الخبرات اللتي يكتسبها المسيحي الذي يعرف المسيح تقوده حتما وخصوصا في الضيقات إلى مسيرة الصليب؟ يقول أشعيا (53).. "كشاة سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه". قبض اليهود على يسوع في الليل كأنه لص ومتهرب وهم يعرفونه كل يوم في الهيكل.. يُحال محاكمة ليلية قراراتها معروفه مسبقا. حمل صليبه ولُطِم وضُرِب وسيق إلى الذبح كالشاة التي تكلم عنها اشعيا قبل المسيح بألف عام. وعلى الصليب صرخ به العوام كما يصرخون الآن .. إن كنت ابن الله إنزل عن الصليب. خلَّص كثيرين ولم يخلص نفسه.. وبين الهزء والسخريه كانت في قلب يسوع كلمة واحدة نحو الآب السماوي ... يا أبت أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون.. هذا هو المسيح الذي يتأمل به كل مسيحي. ولكن لو توقف الأمر عند الصليب والقبر لانتهى كل شيء إلى الحزن. تلاميذ يسوع اختبروا المسيح المنتصر على الموت والناهض من القبر ولذالك فهم أبناء القيامة يدعون. وهم على يقين بان الله لن يتركهم في الضيقات بل أن خير ما يطلبه المسيحي هو أن ينتقل لمعاينة الرب وجها لوجه كما تمنى بولس الذي كان يعاني ولكنه استمر بالمسيرة التي لا تزال مستمرة إلى اليوم وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.. هذا هو الإيمان الواثق الذي لا يتخذ الضيقات ذريعة للتخلي عن الله بل التمسك به بثقة وإيمان . هكذا حصل مع الرسل .. عند أول لقاء بين الشهيد استفانوس ورؤساء المجمع قاموا برجمه فاستشهد. لا يسجل لنا كتاب أعمال الرسل رود فعل عاطفيه للرسل. لم يظهر عليهم الخوف ولا نثر الرماد على الرأس ولا اللطم على الخدَّين . لم يهددوا ولم يقاوموا بل استمروا بالتبشير باسم يسوع القائم من بين الأموات. وضع رؤساء الكهنة يدهم على بطرس ويعقوب ووضعوهما في السجن فقام ملاك الرب بكسر القيود وتحريرهم وفي اليوم التالي أُلقِيَ القبض عليهم فضُربوا بعد أن أجابوا الرؤساء أنهم لا يمكنهم إلا أن يحدثوا باسم الرب. ولا بد ان المتشكك يسأل لماذا جاء ملاك الرب لينقذهم ثم تركهم ليجلدوا . أين ذهب الملاك. لم يسجل لنا الإنجيل أنهم دخلوا في متاهات الشك والسؤال بل يقول لنا الكتاب أنهم عادوا فرحين لأنهم عذبوا لأجل إسم المسيح. قُتِل يعقوب بالسيف وبقي بطرس ينظر صليبه لسنين طويله ليصلب بعد مسيرة عظيمه, بينما بقي يوحنا حتى تمم كتابة إنجيله محلقا في سماء اللاهوت لينتقل شيخا جليلا إلى السماء ولم يتمكن القياصره من قتله. هل تساءل التلاميذ لماذا ؟ لا يسجل لنا تاريخ الكنيسه لا الإنجيل ولا التقليد ولا ما تبقى من الوثائق أي تذمر بل كل ما تركه لنا الأباء هو التراتيل ( أيها النور البهي) والترانيم التي تعبر عن الفرح والثقه والرجاء والصبر والإيمان . سبحوا الله في كل حين.
وعودة لحياة المسيح مع التلاميذ نراه يشجعهم ورغم أنه لا يعدهم بحياة مليئه بالرغد بل "سيكون لكم ضيق في العالم" و"من صبر إلى المنتهى هو الذي يخلص" و"سيؤول حزنكم إلى فرح". هنا نجد صلب الإيمان المسيحي المتعلق بالرجاء. هذا الرجاء الذي ينبع من الثقه المطلقه بالمسيح. لم يكن للتلاميذ أن يثبتوا في هذا الإيمان أمام الضيقات سوى إثرَ اللقاء بالمسيح القائم من بين الأموات. هذا المسيح الذي قال للتلاميذ ثقوا لقد غلبت العالم. ومن خلال هذا اللقاء يثبت تلاميذ المسيح وهم في مسيرتهم نحو السماء منذ ألفي عام وسيثبتون, لا جميعهم, ولكن من يصبر هو الذي يخلص. فالحياة مع المسيح تشمل الثقه والسلام والفرح وقوة الصبر والاحتمال ولا يوجد بها ما يحرض على القتل والتدمير والانتقام والتخريب باسم المسيح أو باسم الله.
لذلك يمكن أن نلخص بعص الأمور. لم يعِد الرب يسوع تلاميذه بالعيش الرغيد ولكنه ذكرهم أن من يصبر ينال الخلاص ويحيى للأبد..وعدهم بأن يرسل المعزي الذي يدافع عنهم ويشجعهم ويعزيهم في الضيقات.. لم يعدهم بالحور الحسان والخيرات الأرضيه بل بالنور الأزلي المتمثل في معرفة الحق والتسبيح مع الملائكة والشهداء. لم يكن يسوع فيلسوفا أو فقيها ليعطي تحليلات أنِيَّة عن فكر الله وتدخلاته من منظور بشري بل لم يوضح لماذا يسمح بحدوث الشر أحيانا والضيقات, بل أخبرهم أن آلام المخاض تنتهي بالفرح والصبر يعطي الخلاص وهذا هو رجاء الإيمان. إن حكمة الله في هذا هي فوق وأبعد من فهم الإنسان المنطقي والتحليلي ولذالك لا يوجد مجال للمحاججات البشريه والإقناع والاقتناع وتكرار السؤال.. ببساطه لا يمكن للإنسان ما دام على الأرض أن يعرف ذلك خصوصا أننا لم نسمع ذلك بوضوح من "الكلمة "الذي حمل حكمة الله ولكن المؤمن يمكنه أن يشهد على حضور الله ومشاركته في حياته بإيمانه فقط.
لا يمكن للمسيحي ان يسأل لماذا ومتى بل يقول كما علمه يسوع "لتكن مشيئتك". لا يحاجج المؤمن الله على مشيئته ولكنه يثق بالله لأن المسيح دعاه أبا , ويعي أن الله يحبه ويرعاه وهو أمين على وعوده . ونحن نقول في الصلاة "أبانا" وهذه المناجاة بين الابناء والآب السماوي هي صلاة لا تنقطع وثقة كامله تنبع فقط من الحب المتبادل بين الإبن واللآب وبين الله وأبنائه على الأرض. هذا الحب هو ثالث الثلاثه الإيمان والرجاء والمحبه. وهناك فقط ساعة اللقاء بالانتقال إلى السماء نعرف الحق معاينة..لا حاجة بعد للإيمان حينذاك لأننا نعاين الله معاينة ولا حاجة للرجاء لأن وعود الله تحققت وكل ما يبقى هو حب ونور وسلام وتسبيح أبدي. وطوبى للذين آمنوا دون أن يروا.
يترك لنا سفر الرؤيا صوره غامضه رؤيويه عن الأحداث التي ستشتد صعوبة وتتكاثر الآلام ومن ينتظر الخلاص فلا بد أنه يترقب يوم الرب العظيم يوم يأتي الرب على غمام السحاب ذالك هو اليوم الذي ينتظره الرسل ومن بعدهم بصبر وثبات إلى المنتهى. عندها فقط تنتهي تلك الآلام : رؤيا 21
3 وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا، والله نفسه يكون معهم الها لهم. 4 وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لان الامور الاولى قد مضت». ولا ينتهي الكتاب إلا بالوعد الذي ينتظره قلب المؤمن: رؤيا : 22 20 يقول الشاهد بهذا:«نعم! انا اتي سريعا». امين. تعال ايها الرب يسوع. 21نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم. امين.