أنت هنا
القائمة:
السّلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمةَ، الرّبّ معكِ، مُباركة أنتِ بين النّساء، ومُياركة ثمرة بطنِكِ يسوع، يا قدّيسة مريم يا والدةَ الله، صلّي لأجلِنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا آمين.
نُعلن في هذه الصّلاة عن ثلاث مُشاركات لنا: المشاركة الإلهيّة العُلويّة مع الملاك، المُشاركة الإعلانيّة مع أليصابات ويوحنّا، والمُشاركة الإيمانيّة "اللاهوتيّة" مع الكنيسة الجامعة - جماعة المؤمنين.
1. المشاركة الإلهيّة العُلويّة مع الملاك:
نرى أنّ الله من خلال ملاكِهِ المُبشّر يفتح لنا - نحن البشر الأرضيّين - باب المشاركة في إلقاء السّلام الإلهيّ على مريم، "السّلام عليكِ يا مريم" سلام مُتجدّد ودائم، نتذكّر فيه أحداث البشارة الأولى التي أنجبت للبشر الخلاص، وها نطلب البشارة كلّ يوم، ونعيشها بتجدّد.
نعم، يفتح الله لنا باب المشاركة معه في إلقاء السّلام الإلهيّ على مريم ليؤكّد لنا هذه الشركة المُقدّسة بين أجسادنا الأرضيّة، وأرواحنا السّماويّة، وأنّنا نُشبه كثيرًا العذراء مريم في بشريّتها، ويريد أن يُذكّرنا بالحضور الإلهيّ في حياتنا من خلال الرّوح القدس الحاضر معنا وفينا مُرشدًا ومُعزّيًا وقائدًا إلى تقديسنا كما هي حال العذراء القدّيسة مريم التي سلّمت لمشيئة الله فأكّدت قداستها، ولا بُدّ من التّشابه في التّسليم للمشيئة الإلهيّة بين مريم ويسوع: ردّت مريم في البشارة: "لتكُن مشيئتُكَ"، وقال يسوع لأبيه في الجسمانيّة: لتكُن "مشيئتُكَ".
إذًا عندما نُصلّي ونقول: السّلام عليك يا مريم نكون قد تشارَكنا مع السّلام الملائكيّ الإلهيّ، وهذا يردّنا إلى طبيعة خلقنا المقدّس ويذكّرنا به، ويحثّنا على السعي والارتقاء إليه، كما يُعلّمُنا هذا السّلام الذي يُحلّه الملاك على مريم أنّه سلام عُلويّ من لدُن الله السماويّ.
أوليس هو ذاته السّلام الذي تركه لنا يسوع حين قال: " سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم، لا كما يُعطيه العالم أعطيكم أنا "، أليس هذا تصريحًا بأنّه يترك لنا سلامًا إلهيًّا صافيًا لا تشوبُه شائبة، وهذا السّلام الإلهيّ الصافي نفسه - من قبل أن يتركه لنا - أحلّه على مَن اختارها الله أمًّا له (لابنه).
إنّه سلامٌ مُباشر حقيقيّ ومُطلَق لا مُراوغة فيه، يُحلّه الله على مختارته مريم التي أعدّها منذ البدء لهذه المهمّة – أن تكونَ أمّ ابن الإنسان وأمّ ابن الله -، - أمّ الإله - فجاء بها مملوءة بالنّعم، "يا ممتلئة نعمة"، نِعم الفضيلة والنّقاء والطّهارة والقداسة والتّواضع والطّاعة، ونعمة الخلاص من الخطيئة الأصليّة، نعمة مريم الّتي حُبِل بها بلا دَنس، لتكونَ مُستودَعًا مُقدّسًا تحتوي في أحشائها مَن لا تحتويه السماوات والأرض!
إذًا مع الملاك الإلهيّ نُلقي هذا السّلام الخاصّ على مريم، واثقين أنّها حملت وستحمل ملك السلام، وكان على الله أن يُعدّ مريم لمهمّة القداسة هذه فملأها بنعمِهِ الخالصة.
"الرّبّ معكِ"، ونقول مع الملاك عبارة "الرّب معَكِ"، لنتذكّر فيما بعد يسوع حين قال: "ها أن معكم كُلّ الأيّام إلى انقضاء الدّهر"، وهنا أيضًا قد سبق فأعلن لمريم أنّ الرّبّ معها، حاضر معها وفيها منذ الأزل، منذ أن أعدّها لهذا المشروع الخلاصيّ، وباقٍ معها في كلّ الأوقات والأزمنة، كما هي في أمومتها حاضرة معنا، تسمعنا ونُصلّي لأمومتها العطوف كي تُصلّي لأجلنا وتتشفّع لنا.
"مباركة أنتِ بين النّساء"، هذا الإعلان يُثبت بأنّ الله اصطفى مريم عن كلّ نساء الأرض، لتكون الباب الذي يدخل منه المخلّص ويخرج منه الخلاص.
إنّها حوّاء الجديدة الّتي بها تمّت مشيئة الله في خلاص البشر، مريم بإعلانها الموافقة الّتي هي تدبير إلهيّ تفتح حقبة تاريخيّة جديدة من الخليقة، وتخطّ تاريخ الخلاص للبشريّة.
كيف لا وهي المُنعَم عليها؟ بالنّعم ملأها الله وأعدّ هيكلها المقدّس.
2. المُشاركة الإعلانيّة مع أليصابات ويوحنّا:
ثمّ نتشارك مع أليصابات أم يوحنّا المعمدان الذي جاء لِيُعدّ الطريق للرّبّ، والتي استقبلت مريم بحُبّ وحفاوة، وقد ارتكض الجنين في بطنها عندما التقت بمريم حُبلى من الرّوح بيسوع، وامتلأت هي كذلك من الرّوح القدس، وقد ردّدت بذات العبارة الّتي قالها الملاك جبرائيل لمريم: "مباركة أنتِ بين النّساء" (1)، وهذا يؤكّد على حضور الرّوح القدس المعلّم نفسه الذي حلّ في العذراء مع البشارة، وقد بلّغَ مريم بلسان الملاك: مباركة أنتِ بينَ النّساء، يعودُ ليبلّغَ ثانيةً على لسان أليصابات العبارة ذاتها: مباركة أنتِ بين النّساء.
كما ويؤكّد على أنّ كلّ مَن في السّماوات – طغمات الملائكة والقدّيسين - ممثّلًا عنهم الملاك جبرائيل، وكلّ مَن في الأرض مُمثّلة عنهم أليصابات يعلنون بفم واحد قدسيّة مريم ويطوّبونها. "سوف تُطّوبني كلّ الأجيال".
ونحن في هذه الطلبة نُريد أن نتشارك مع أليصابات ويوحنّا، في وضع ثقتنا بالله كما فعلت كلّ من أليصابات ومريم، وأن نكون شهداء أحياء لكلمة الله يسوع المسيح، نُمهّد لحضوره ونكرز باسمه بمحبّة وغيرة خلاصيّة، ممتلئين بالرّوح القدس مثلهما أيضًا.
نُريد مع أليصابات ويوحنّا - اليوم وكلّ يوم - أن نُعِدّ طريق الرّب لحضور دائم ونعدّ الطريق لمجيئه الثّاني.
نُريد أن نُعيد ونُكرّر إعلان أليصابات لمريم بأنّها فائقة القداسة والمباركة والمُنعَمة من بين جميع النّساء، ومُكرّمة لدى جميع الأجيال.
"مُباركة أنتِ بين النّساء (2)، ومباركة ثمرة بطنِكِ يسوع "، مريم المُباركة التي تحمل ثمرة مُباركة "يسوع"، نُريد أن نُعلنَ إيماننا بيسوع من خلال مريم، نُعلن ثقتنا بهذه الثمرة، بهذا الغصن المُثمر، الذي نضج بالمحبّة والألم والموت حتّى القيامة، تمامًا كالثمر الذي ينضج ثمّ "يموت" ثمّ يحيا.
لا لعُلوّ شأن مريم على يسوع، باركتها أليصابات أوّلًا، ثمّ باركت ثمرة بطنها، بل لندركَ قُدسيّة مريم ونؤمن بها، ونوقنُ أهميّة الدّور الإلهيّ الذي أشركها الله به في مشروعه الخلاصيّ بابنه يسوع.
لنثق بمريم باب الخلاص التي ولدت المُخلّص، ومن خلالها نعودُ إلى السّماء مُخلّصين، ولنثق بدورها الخلاصيّ كأمّ المُخلّص وأمّ البشر في خلاص نفوسنا.
نعم، إنّنا نتشارك مع أليصابات والملاك ونُعلن أنّ مريم مُباركة ومُقدّسة، وأنّ في أحشائها ثمرة الحياة الأبديّة "يسوع".
ولذك سلام الله معها، ولذلك هي ممتلئة نعمًا، ولذلك الرّبّ معها على الدّوام، ولذلك هي مُباركة.
3. المُشاركة الإيمانيّة "اللاهوتيّة" مع الكنيسة الجامعة - جماعة المؤمنين:
"يا قدّيسة مريم، يا والدة الله"، والآن نتشارك بالإعلان الإيمانيّ مع الكنيسة الجامعة المؤمنة الّتي أعلنت قداسة مريم، ونتّحد بالإيمان لنقول مُعترفين بفمٍ واحدٍ وقلبٍ واحدٍ: إنّ العذراء مريم أمّ الله، مُعلنين بهذا أنّ يسوع هو الله الابن الذي تجسّد ليُشبهنا ويرفعنا من الخطيئة، ويعيد تأهيلنا للحياة الأبديّة، نُعلن في هذا إيمانًا صارخًا وصريحًا إذ نقول: إنّ العذراء القدّيسة هي والدة الله، فهذا يعني أنّ يسوع هو الله...
وهنا ننفتح على باب الوالديّة والأمومة المريميّة الخاصّة لتتعدّى أمومة يسوع إلى أمومة عامّة للبشريّة جمعاء، فإذا كان يسوع هو الله والله هو الخالق، والعذراء حملت يسوع الابن الأقنوم، ويسوع الابن هو الله، فهذا يشهد أنّ العذراء هي أمّ الخليقة والبشر، ولذلك لا نعجب ليسوع حين سلّم - وهو على الصّليب - تِلميذَهُ يوحنّا الحبيب أمَّهُ مريم، إذ قالَ لكليهما: هذه أمّكَ، وهذا ابُنكِ، لتتحوّل الوالديّة الإلهيّة إلى أمومة بشريّة كاملة وعامّة، هكذا وبإيمان واثق نُصلّي بإلحاح لعطف أمّنا مريم، لتشملنا بحنان أمومتها العامّة قائلين: "صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا"، وفي هذه الطلبة نضع أمام أمّنا مريم كلّ أحمال خطايانا، مُعترفين بضعفِنا البشريّ ولاجئين إلى حمايتها الأموميّة التي لا تردّ ولا تخيب، ونطلب صلاتها وشفاعتها أمام ابنها في العرش السّماوي، فإنّه واسع الرّحمة، وطلبة الأمّ الحنون لا تُرَدّ، واثقين بأنّها ترفع باسمنا لابنها يسوع كلّ طلباتنا، فهي الأمّ التي لا تغفل عن احتياجات أبنائها، كما نُصرّح بضعفنا أمام ارتكاب الخطايا حتّى في اللحظة ذاتها التي نطلب فيها أن تُصلّي لأجلنا - نحن الخطأة الآن...،
نعم في كلّ لحظة نقترف الخطايا عمدًا أو سهوًا، عن جهل أو عن معرفة، ولذلك علينا أن نكون مُنسحقين في طلباتنا أمام الرّبّ، لأنّ بشريّتنا الضعيفة مُعرّضة للخطيئة في كلّ لحظة، ولذلك وبوعي تامّ نطلب من مريم أمّنا أن تساعدنا في الصّلاة لأجلنا نحن الخطأة في كلّ وقت، الآن وكلّ آوان وفي ساعة موتنا آمين، وهذا دليل على حضور مريم الدّائم مع أولادها في الأرض وفي مماتهم، وإنّنا نوقن أنّ أمّنا العذراء مريم، أُعدّت منذ البدء لتحمل المخلّص، وتعيش آلامه، ثمّ لتشفع بنا أمام عرشه في ساعة موتنا، تمامًا كما شفعت لأهل العُرس في قانا، وإنّنا نشهد ونؤمن أنّها ستكون حاضرة وقت انتقالنا من هذا العالم لتحتوي أرواحنا ببهاء بتوليّتها، وبتضرّعات صلواتها، فلا نخيب، بل ننتقل بها ومعها إلى الحياة الأبديّة وإلى الأمجاد السّماويّة لنعاين وجه الرّبّ.
وللختام فجمال هذه الصّلاة في دائريّتها، فنحن في المشاركات الثلاث عبّرنا عن الحضور العموديّ الإلهيّ فينا كبشر، الحضور الذي يُفهمنا أنّنا من جبلة سماويّة مُقدّسة، لننتقل بعدها إلى المشاركة الأفقيّة المقدّسة بحضور أليصابات ويوحنّا، إذ نُشكّل استمراريّة لحضور الله وروحه القدّوس، ونشهد له في الأرض، ثمّ لا نلبث فنعترف بضعفنا البشريّ ونزعتنا الدّائمة إلى الخطيئة، فنرفع عُيون قلوبِنا إلى باب الخلاص مريم التي منها جاء المخلّص، لنصلي ونطلب معونتها وشفاعتها في خلاص نُفوسنا لحظة موتنا وانتقالنا، عائدين بها ومعها ومرتفعين بوساطتها الأموميّة إلى حضن الآب السّماويّ.