أنت هنا
القائمة:
الأب الكسندر شميمان
نقرأ في الأحد الثالث من التهيئة للصوم إنجيل ابن الضال (لوقا 15: 11-32). يكشف لنا هذا الإنجيل مع ترانيم هذا اليوم، التوبة كعودة من المنفى. يخبرنا الإنجيل أن الابن الضال ذهب إلى بلاد بعيدة وهناك أنفق كل ما عنده. بلد بعيد. هذا هو التعريف الفريد الذي ينطبق على الإنسان الذي يرغب أن يقترب إلى الرب. والإنسان الذي لم يعش هذه الخبرة، ولو لفترة قصيرة، ولم يشعر أنه منفي وبعيد عن الله وعن الحياة الحقيقية، لن يفهم مطلقًا ما هي المسيحية. والإنسان الذي يشعر براحة تامة في هذا العالم وملذاته ولم يجرحه الشوق إلى حقيقة أخرى، لن يفهم ما هي التوبة.
كثيرًا ما نفهم التوبة كتعداد باردٍ و"موضوعي" للخطايا والتعديات، أو كإقرار بالجريمة أمام اتهام قضائي. وكثيرًا ما ننظر للاعتراف والحل من منظار قضائي. ولكن هناك شيء أساسي يهمل وبدونه يفقد الاعتراف والحل كل معنى وقوة. هذا الشيء هو بالضبط الشعور بالغربة عن الله، عن فرح الشركة معه والحياة الحقيقية فيه. إنه من السهل بالواقع أن نقرّ أننا لم نصم في الأيام المفروضة أو أهملنا الصلاة أو غضبنا. ولكنه شيء آخر مختلف بالكلية أن أدرك فجأة أنني دنسّت أو أضعت جمال حياتي الروحية، أنني بعيدًا جدًا عن بيتي الحقيقي، عن حياتي الحقيقية، وأن شيئًا ثمينًا وطاهرًا وجميلاً قد فقد في صلب حياتي. هذه هي التوبة، إنها الرغبة العميقة بالعودة، بالرجعة إلى البيت الضائع. لقد أعطاني الله مواهب عظيمة: أولها الحياة والقدرة على التمتع بها وجعلها مليئة بالمعنى والمعرفة والمحبة. وبالتالي أعطاني في المعمودية الحياة الجديدة في المسيح، موهبة الروح القدس، وسلام الملكوت الأبدي وفرحه. لقد أخذت معرفة الله وبه معرفة كل شيء والقدرة على أن أكون ابنًا لله. كل هذا أضعته. وكل هذا أضيعه في كل وقت ليس بخطايا أو تعديات محددة ولكن في خطيئة الخطايا وهي الانحراف عن حبي لله وتفضيلي "للبلد البعيد" على بيت الأب الجميل.
ولكن الكنيسة هنا، لتذكرني بما أهملت وأضعت. وبهذا التذكير أتذكر، كما يقول قنداق أحد الابن الشاطر " لمَّا نفَرتُ من مجدِكَ الأبويّ بغباوة، بذَّرتُ في الشُّرور الثَّروةَ التي أعطيتَنيها. لذلك أصرُخُ إليكَ كالابنِ الشَّاطر: خطئتُ أمامَك، أيُّها الآبُ الرؤوف، فاقبلْني تائباً واجعلْني كأحَدِ أُجَرائِك."
وعندما أتذكر، أجد في نفسي الرغبة للعودة والقدرة عليها... "سأعود إلى الأب الرؤوف صارخًا بدموع: إقبلني كواحد من أجرائك...". وهناك ميزة فريدة لأحد "الابن الضال" علينا أن نذكرها هنا، وهي أننا في السحرية وبعد ترتيل البوليوليون نرتل مزمور الحزن والحنين المزمور 136:
"على أَنْهارِ بابِلَ هُناكَ جَلَسْنا. فَبَكَينا عِنْدَما تَذَكَّرْنا صِهيون.
على الصَّفْصافِ في وَسَطِها. عَلَّقْنا كَنانيرَنا.
هُناكَ سَأَلَنا الذينَ سَبَوْنا نَشَائِد. والذينَ اقْتَادُونا تَرْنيمًا. أنْ: رَنِّموا لنا مِنْ تَرانيمِ صِهيون. كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنيمَ الرَّبِّ في أرضِ غُرْبَة؟
إنْ نَسِيتُكِ يا أُوْرَشَليم. فَلْتَنْسَني يَميني.
لِيَلْتَصِقْ لِساني بِحَلْقي إنْ لمْ أَذْكُرْكِ. إنْ لمْ أَضَعْ أُوْرَشَليمَ في ذُرْوَةِ فَرَحي...."
إنه مزمور المنفى، غنّاه اليهود أيام النفي في بابل عندما تذكروا أورشليم مدينتهم المقدسة. وهكذا أصبح نشيد الإنسان الذي يدرك أنه منفيّ، بعيد عن الله وإذ يدرك ذلك يصبح إنسانًا من جديد. فالإنسان في هذا العالم الساقط لا يمكن لشيء أن يشبعه بالكلية لأنه بطبيعته وبدعوته سائح يطلب المطلق. وهذا المزمور نرنّمه أيضًا مرتين في الأحدين الأخيرين قبل الصوم. وهو يكشف الصوم كسياحة ورحلة، كتوبة وعودة.
اعداد: ناصر شقور