أنت هنا

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, مايو 19, 2020 - 12:22

القائمة:

كنيسة القيامة

بقلم د. كميل ساري

المسيح قام، حقا قام

بمناسبة حلول عيد الفصح، أعرض لمحة موجزة عن أعمال الترميم والصيانة التي أجريت لكنيسة القيامة عام 2016 من قبل طاقم مختصين من جامعة أثينا والذي لا زال يتابع نتائج التحاليل حتى يومنا هذا. لمحة تاريخية تعتبر كنيسة القيامة اهم المواقع في العالم للديانة المسيحية وقد عرف المبنى تغييرات على مر الفترات التاريخية، متأثرا بالأحداث والوقائع التاريخية، الطبيعية (الحرائق، هزات أرضية) وغيرها. فيما يلي لمحة موجزة لتاريخ بناء الكنيسة يليها، شرحا لأعمال الصيانة التي أجريت مؤخرا. خلال الفترة الرومانية استعملت منطقة الجلجثة (التي كانت خارج أسوار المدينة آنذاك) كموقع لاستخراج حجارة البناء، ومقبرة شملت القبور المنحوتة في الصخر. أشارت نتائج الحفريات الأثرية على أن وجود قبور في هذه المنطقة ابتدأ من القرن التاسع قبل الميلاد (العصر الحديدي) استمرارا حتى الفترة الرومانية (القرن الأول ميلادي). عام 130 ميلادي، باشر القيصر هدريان ببناء القدس تحت أسمها الجديد "الألياء" (او كما عرفت باللاتينية "أيليا كابيتولينا" - Colonia Aelia Capitolina). خلال اعمال البناء هذه، ضم منطقة الجلجثة الى داخل أسوار المدينة. عام 135، بنى هدريان في الموقع معبد للآلهة أفروديت. عام 326 ميلادي، بعد ان تم التعرف خلال الفترة البيزنطية على موقع صلب المسيح في الجلجثة، تم إزالة معبد أفروديت وبدأت اعمال بناء كنيسة في الموقع. عام 335 ميلادي انتهت اعمال بناء الكنيسة الأولى في الموقع بيد القديسة هيلانة والدة القيصر قسطنطين. عام 614 ميلادي، هُدمت الكنيسة بيد الفرس. بنيت الكنيسة من جديد عام 629 ولكنها هُدمت عام 1009 بأمر الخليفة "الحاكم بأمر الله". لاحقا، قرابة الأعوام 1024-1026 تم ترميم وبناء أجزاء منها. عام 1033 تضررت الكنيسة إثر هزة أرضية، فقام القيصر "قسطنطين التاسع موناماخوس" (Constantine IX Monomachos) ببنائها من جديد عام 1048. لاحقا رممها الصليبيون عام 1099 ومنذ تلك الفترة لا زالت الكنيسة على شكلها الحالي، مع بعض الترميمات التي أجريت خلال فترات معينة (الصليبية والعثمانية). ترميم الكنيسة تضررت الكنيسة عدة مرات إثر هزات أرضية، على سبيل المثال عام 1834 أحدث الزلزال تصدع في مبنى الكنيسة، كما انها تضررت عام 1927 إثر هزة أرضية أخرى. حينها، قام البريطانيون بترميم مبنى الكنيسة وتقوية بعض أجزائها. من بين اعمال الترميم خلال فترة الانتداب البريطاني، كانت إضافة دعمات وحلقات من الحديد حول مبنى القبر، بهدف تقوية الأعمدة والجدران كي لا تنهار. يجدر الذكر ان تلك، كانت آخر اعمال الصيانة التي أجريت للكنيسة حتى أيامنا هذه. عام 2016 أُجريت أعمال تأهيل وصيانة بإدارة جامعة أثينا في اليونان (أدارة وإشراف مهني بروفسور انطونيا ماروبولو - Prof. Antonia Moropoulou) وتمركزت في ترميم مبنى القبر. وقد تم إجراء اعمال الصيانة والترميم، بعد إتمام مرحلتين أساسيتان: أولا، الاتفاق بين ثلاث الطوائف: الأرثوذكسية اليونانية، الأرمن والفرنسيسكان (Custodia Terrae Sanctae) فيما بينهم حول الصيانة والترميم، وثانيا، تم جمع المال المطلوب لعملية الترميم (قرابة 3 مليون يورو). القسم الأكبر من المال تم جمعه من تبرعات من جهات مختلفة: من القطاع الخاص، مؤسسات تعليمية وجامعية (سويسرا، اليونان وغيرها)، الكنيسة المحلية اليونانية، تبرعات من جمعيات أردنية، جمعيات ومؤسسات فلسطينية، صندوق التراث العالمي (وهي جمعية تأسست عام 1965 في الولايات المتحدة وتدعم اليوم قرابة 600 مشروع صيانة في 90 دولة) وغيرها. أعمال الترميم تطلبت أعمال الترميم والصيانة بداية إجراء مسح لمبنى القبر، يهدف الى اعطاء صورة عن مدى الأضرار المتراكمة على مر العصور ومن جهة أخرى، توثق علمي للمبنى ودراسته. بعد تقييم المبنى والمشاكل التي تحتاج الى صيانة، يمكننا طرح الحلول الهندسية والمعمارية الملائمة، التي يجب ان تتوفر فيها بعض الشروط: 1. الحفاظ على الشكل والطابع التاريخي 2. الحفاظ على الوضع القائم (Status Quo) 3. إستعمال مواد تتلائم مع المبنى والحجارة القديمة التي صنع منها 4. الحفاظ على القيم الدينية وجوهر المبنى أشارت نتائج المسح على وجود عدة نقاط بحاجة الى الترميم نذكر منها: 1. انتفاخ في الجدران الذي من شأنه ان يؤد الى انهيارها (على سبيل المثال ما نراه في الصورة رقم 2). أشارت الدراسة الى ان سبب هذا الانتفاخ يعود الى دخول المياه من فتحة كانت في قبة المبنى حتى العام 1870. لاحقا وبعد سد الفتحة، دخلت المياه الى الجدران من قنوات تصريف مياه تحت الأرض بالقرب من مبنى القبر. 2. حبكات من الحديد التي وضعت خلال فترة الانتداب البريطاني قبل أكثر من 70 عاما. تلك الحبكات كان من شأنها ان تمنع انهيار الأعمدة والجدران وقد وضعت آنذاك لعدم وجود حلول هندسية. وقد سببت تلك المعادن من الحديد ضررا للأعمدة ناتجة عن التأكسد (الصدأ) الذي حدث على مر السنين. 3. فراغات بين الحجارة ناتجة عن ذوبان مادة الطين التي لصقت حجارة البناء فيما بينها. الحلول التي أعطيت لبدأ عملية الترميم أخذت بعين الاعتبار احتياجات الكنيسة وعلى كونها مكان هاما، يزوره آلاف الحجاج على مدار السنة. من هنا، كانت الخطوة الأولى وضع الدعمات الجديدة بشكل يمكن عمال الصيانة من إتمام عملهم وفي الوقت ذاته، يمكن الحجاج من دخول القبر وزيارته (كما هو موضح في الصور رقم 4 - 6). بهدف انهاء أعمال الصيانة في وقت قصير، عمل طاقم المرممين من اليونان على مدار النهار والليل في ورديات وتناوب فيما بينهم (كما هو مبين في الصورة رقم 7 – الطاقم اليوناني يعمل ليلا ونهارا). اما من الناحية الهندسية المعمارية فقد تم تثبيت المبنى وتقويته وذلك بإملاء الفراغات بالطين الملائم الذي صنع من الكلس (وليس من الأسمنت). وقد تم ملئ الفراغات على طريقتان: حقن سائل الطين بواسطة حقن خاصة في المواقع التي كانت ثابتة نسبيا، بينما تم تفكيك الحجارة في مناطق أخرى وإعادة بنائها من جديد. هذا الأمر مكن الباحثون من تثبيت المبنى وفي نهاية الترميم، تمت إزالة حبكات الحديد التي وضعت قبل 70 عاما. المرحلة الأخيرة من أعمال الصيانة، شملت تنظيف حجارة البناء والرخام، يليها، صيانة النحوت والرسومات في داخل القبر وإعادة تأهيلها من جديد، مما أعطى المبنى والزخرفات فيه لمعانا ورونقا يجدر ويليق بأهم المبان والمواقع التاريخية في العالم، راجين ان يبعث هذا البريق نور السلام والمحبة للعالم أجمعين. الصور المرفقة: (تصوير وبلطف عن جامعة أثينا – شكر للبروفسور أنطونيا ماروبولو Prof. Antonia Moropoulou)