أنت هنا
القائمة:
الاسكيم الرهباني المقدَّس – رموزه وكتابته
ناصر شقور
أقدم هذه المقالة ذكرى للأم جبرية والراهبات اللواتي رقدن في الرب في دير البشارة في الناصرة. وأطلب من الله أن يترأف علينا ويزيد الراهبات اللابسات الاسكيم المقدس.
إن الناسك هو إنسان يترك العالم لكي يحمل العالم، إنه انسان دعاه يسوع ليتبعه، فلبى الدعوة واقتدى بالمعلم الذي"انفصل عن الرسل وجثا على ركبتيه وصلى" ( متى 26 : 30) لَيس لأَجلِهم فَقَط يُصلِّي، بل لأَجل ِالَّذين يُؤْمنونَ به على كَلامِهمِ أَيضًا.( يوحنا 17 : 21). فالناسك يُمات كل يوم متمسِّكًا بصليب المسيح، ويعيش القيامة هنا وفيما بيننا. إنه مصباحٌ ينير طريقنا في هذه الحياة فندخل من "الباب الضيِّق" (متى 7 :13) لنسير في الطريق الروحي، وشاهدٌ على إمكانية تطبيق تعاليم المسيح، أذ إن "نير المسيح هيَّنٌ وحِمْله خَفيفٌ"(متى 11 : 30). مع وصول الراهب لمرحلة إعلان نذوره الدائمة، أي إنه قد قرر أن يضع يده على المحراث ويسير في الطريق دون أن ينظر الى الوراء، يلبس الإسكيم المقدس الذي هو تعبير عن الحياة والمثل التي سيتبعها الناسك كل حياته.
إن كلمة اسكيم مشتقة من اليونانية Αναλαμβάνω التي تعني ليحمل، وذلك للتذكير الدائم لمن يلبسه بقول السيِّد: "مَنْ أَرادَ أَنْ يتبَعَني فَلْيُنكِرْ نَفْسَهُ، ولْيَحمِلْ صليبَهُ كلَّ يَومٍ، ويَتْبَعْني." (لوقا 9 : 23) . الاسكيم هو قطعة قماش سوداء تشبه البطرشيل الذي يلبسه الكاهن ومطرَّز عليها رموز وكتابات.
فيما يلي شرح مبسط للرموز او الأشكال التي على الإسكيم ( انظر مخطط الاسكيم أدناه) :
الديك يُذكِّر "بصياح الديك " (متى 26:74، مرقس 14:68 لوقا 22:60) بعد أن أنكر القديس بطرس ثلاث مرات سيده وربه (يوحنا 38:13)
العمود يمثل العمود الذي ربط بيلاطس عليه المسيح "عندما جلده" (مرقس 15:15) "فسُحِقَ بِسَبَبِ آثامِنا، نَزَلَ بِه العِقابُ مِن أَجلِ سَلامِنا، وبجُرحِه شُفينا " (إشعياء 5:53).
الاكليل المعلق على الصليب : يمثل "إكليل من الشوك" (متى 27 :29، مرقس 15 : 17 ، يوحنا 19 :2) . فقد " ضفر الجند إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه" ، "وهو الله ملكنا قبل الدهور" (مزمور 73 : 13 )، الذي حرَّر الإنسان من عبودية الخطيئة "الشوك والحسك وعرق جبينه" (سفر التكوين 3: 18 -19).
الصليب : هو "صليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 6 : 14)، الذي يقول عنه السيّد بلسان النبي أشعيا، " مدَدْتُ يدي نهارًا وليلاً نحوَ شعبٍ مُتمرِّدٍ عليَّ يسيرونَ وراءَ أهوائِهِم في طريقٍ لا خيرَ فيهِ " (اشعياء 65 : 2) .
المسامير الأربعة في مركز الصليب والمطرقة التي تحت قاعدته: تمثل "المسامير" (يوحنا 20 :25) والمطرقة التي "ثقبوا" (مزمور 21 :16؛ ويوحنا 19 : 37) بها "يديه ورجليه "(لوقا 24 : 40). عندما "ارتفع عن الأرض" (يوحنا 12 : 32) "فمَحا الصَّكَّ المَكتوبَ عَلَينا، الذي كانَ ضِدَّنا بأَحكامِهِ، وأَزَالَهُ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ على الصَّليب." (كولوسي 2 : 14).
القاعدة التي يقف عليها الصليب تمثل الجلجلة، "ولمَّا وصَلوا إلى المكانِ الّذي يُقالُ لَه الجُلجُثَةُ، أي "مَوضِعُ الجُمجُمَة" (متى 27:33)، "حيث صلبوه "(يوحنا 19 : 18). وهناك " يجري الخلاص في وسط الأرض "(مزمور 73 :13).
الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين : يُمثلون "الانسان الأول آدم" (1 كورنثوس 15 :45)، الذي بحسب التقليد "رجع إلى الأرض" (سفر التكوين 3 :19). السبب لاختيارهذه البقعة بالذات، هو أن هذا المكان هو مكان تنفيذ حكم الاعدام، " الممتلئ بعظام الموتى"(متى 23 :27 ). أصبح المكان الذي صار فيه " آدمُ الأخيرُ رُوحًا يُحيي"(1 كورنثوس 15 :45).
اللوحة على رأس الصليب: يمثل "العنوان" علة الصلب (يوحنا 19:19-20)، فقد "كَتبوا في عُنوانِ الحُكمِ علَيهِ: "مَلِكُ اليهودِ" (مرقس 15 :26)، الذي هو ،" ملك المجد "(مزمور 23 : 10- 13)، " ولو عَرَفوها لَما صَلَبوا رَبَّ المَجدِ"(1 كورنثوس 2 :8).
القصبة : تمثل الزوفى، إذ " كانَ هُناكَ وِعاءٌ مَملوءٌ بالخَلِّ، فغَمَسوا فيهِ إسفنجَةً ووضَعوها على الزُّوفى ورَفَعوها إلى فَمِه" (يوحنا 19 :29 ). ليتم ما ورد في المزمور، "في عطشي سقوني خلاً "(مزمور 68 :21 )، فقد سقوا خلا من قيل عنه " فشَهِدوا لَه كُلُّهُم، وتَعَجَّبوا مِنْ كلامِ النِّعمَةِ الّذي يَخرُجُ مِنْ فَمِهِ "(لوقا 4:22).
الحربة : تمثل الحربة التي استعملها أحد الجنود في طعن المسيح، "لكِنَّ أحدَ الجُنودِ طَعَنَهُ بِحَربَةٍ في جَنبِهِ"، " فخَرَجَ مِنهُ دَمٌ وماءٌ " (يوحنا 19 :34). أي من الذي "أخذَ إحدى أضلاعِ آدم وسَدَ مكانَها بِلَحْمِ " (سفر التكوين 2:21) وهو الذي "أحَبَّنا وحَرَّرنا بِدَمِهِ مِنْ خطايانا " (رؤيا 1 :5).
اللوحة في أسفل الصليب تمثل مسند رجلي المسيح، "موطئ قدميه" (مزمور 99 :5). اللوحة مائلة ، لأنه وفقا لتقليد، في اللحظة التي بها "صرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح" (مرقس 15 :37)، ونتيجة لتشنج الموت العنيف، أدى ذلك إلى عدم الاستقرار في ساقيه، مما جعل المسند يميل الى أعلى من جهة اليمين، مما يشير إلى أن روح اللص التائب، "واحد على يمينه" قد "حملت إلى السماء" (لوقا 24 :51). في حين أن الطرف الآخر من المسند مائل الى أسفل إشارة إلى أن روح اللص غير النادم "، وآخر عن يساره" (مرقس 15 : 27)، من شأنها " التوجه إلى أسفل إلى الجحيم" (لوقا 10 :15 ). هذا تذكير أن كل واحد منا "الأشرارِ والصَّالحينَ، الأبرارِ والظّالمينَ" (متى 5 : 45 )، سيُقاس بمقياس صليب المسيح.
السلم والكماشة التي تحت قاعدة الصليب: يمثلان الوسائل التي استعملها القديس يوسف الرامي، "رجُلٌ غنيٌّ" (متى 27 :57)، الذي طلب من بيلاطس "جسد يسوع" (متى 27 :58)، وأنزله عن الصليب. في حين أن السيِّد المسيح بروحه " نَزَلَ أوَّلاً إلى أعمَقِ أعماقِ الأرضِ" (أفسس 4:9) ، " فذَهَبَ بِهذا الرُّوح!َ يُبَشِّرُ الأَرواحَ الَّتي في السِّجْنِ أَيضًا" (1 بطرس 3 :19).
الكتابة المكتوبة على الاسكيم:
إن ما هو مكتوب على الاسكيم ليس بكلمات كاملة، إنما حروف لبداية كلمات باليونانية. سنستعرض الحروف، والكلمات المشتقة منها هذه الحروف، ومعنى هذه الكلمات او الجمل. سنبدأ من الأعلى الى الأسفل:
- ΟΒΤΔ - اختصار ل - Ό Βασιλεύς της Δόξης وترجمتها، " ملك المجد"
- ΙC XC NIKΑ - اختصار ل - Ιησούς Χριστός νικά أي " يسوع المسيح المنتصر"
- ΤΤΔΦ اختصار للكلمات - Τετιμημένον τρόπαιον δαιμόνων φρίκη أي "الكأس المكرَّمة، رهبة للشياطين"
- ΡΡΔΡ – اختصار للكلمات - Ρητορικοτέρα ρητόρων δακρύων ροή وترجمتها "تدفق الدموع أكثر بلاغة من الخطباء". هذه الجملة تذكِّر بسر عطية الدموع.
- ΧΧΧΧ – اختصار للكلمات - Χριστός Χριστιανοίς Χαρίζει Χάριν التي ترجمتها "المسيح يمنح النعمة للمسيحيين" . هذه الجملة تذكر بقول الرب "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" ، وذلك عندما تضرَّع بولس الرسول ثلاث مرات أن تفارقه شوكة في جسده ( 2 كورنثس 11 : 7-9).
- ΞΓΘΗ –هي اختصار للكلمات Ξύλου γεύσις θάνατον ηγαγεν التي تعني " التذوق من الشجرة يؤدي إلى الموت".
- CΞΖΕ – هي اختصار للكلمات Σταυρού Ξύλω ζωήν εύρομεν التي ترجمتها " بشجرة الصليب وجدنا الحياة".
- ΕΕΕΕ –هي اختصار للكلمات Ελένης εύρημα εύρηκεν Εδέν التي ترجمتها
" اكتشاف هيلانة أظهر عدن". وهي تذكير لاكتشاف القديسة هيلاتة لصليب المسيح المحيي. - ΦΧΦΠ – هي اختصار للكلمات Φως Χριστού φαίνοι πάσι التي ترجمتها " نور المسيح يضيء للجميع". تستعمل هذه الجملة في رتبة الأقداس السابق تقديسها في فترة الصيام، عند تلاوة قراءات من العهد القديم.
- ΘΘΘΘ – هي اختصار للكلمات - Θεού Θέα Θείον Θαύμα التي ترجمتها " رؤية الله، أعجوبة إلهية".
- ΤCΔΦ – هي اختصار للكلمات Τύπον Σταυρού δαίμονες φρίττουσιν التي ترجمتها " تفزع الشياطين من علامة الصليب" .
- ΑΔΑΜ هذه الأحرف ليست اختصارًا. إنما كلمة " آدم". الأحرف موجودة من جهتي الجمجمة. أي أن الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين هم للأب الأول آدم.
- ΤΚΠΓ هي اختصار للكلمات - Τόπος Κρανίου Παράδεισος γέγονε التي ترجمتها " مكان الجمجمة أصبح فردوساً" .
- ΞΖ هي اختصار للكلمات Ξύλον Ζωής التي ترجمتها "شجرة الحياة".
هذه الرموز والمختصرات تُظهِر أن هذا الثوب المقدس " الاسكيم" يُعلن بصمت " التبشير بصليب المسيح " (1 كورنثوس 1:18) من خلال رمزيته الصوفية. كأني بلسان حال الناسك المرتدي الاسكيم يُعلن، "أَمَّا أَنا، فَمَعاذَ اللهِ أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، الذي بِهِ صُلِبَ العالَمُ لي وأَنا صُلِبْتُ للعالَم "(غلاطية 14:6).
عند رقاد الناسك في الرب، يُلبَس الاسكيم المقدس. لأنه بعد عيش الرموز والكلمات التي على الاسكيم، فإن صليب المسيح أصبح للناسك شجرة الحياة، التي فيها قد تم تجسيد قول السيِّد: " أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا : وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً" (يوحنا : 11-26 ).