أنت هنا

تذكار انتقال القديس الرسول الإنجيلي يوحنا الثيولوغس أي المتكلم باللاهوت
26/9 غربي(9/10 شرقي )
هو يوحنا بن زبدي أخو يعقوب، من بيت صيدا في الجليل. دعاه الرب يسوع واخيه يعقوب فيما كانا في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان الشباك، فتركا السفينة للوقت وأباهما وتبعاه ( متى 4: 21 ـ 22). كان أكثر تلاميذ الرب يسوع تعلقا بالبتولية والنسك، حتى إن الكنيسة وصفته بالرسول " البتول المعادل الملائكة". كما أن محبته للمسيح كانت عظيمة وسيرته ممتازة فعرف بالتلميذ "الحبيب". يوحنا كان الأقرب الى قلب المسيح. كتبنا الليتورجية تسميّه صديق المسيح وتقوم عنه انه ساكن المسيح منذ الطفولية، ربما دلال على صلة القربى التي يظن انها كانت بينهما من خلال أم يوحنّا المدعوّة سالومي والتي قيل إنها كانت احدى بنا يوسف البار، رجل مريم، من زواجه الأول.
كان يوحنا واحد من التلاميذ الثلاثة الذين اصطحبهم الرب يسوع عندما صعد الى قمة ثابور حيث تجلّى بنوره الإلهي وظهر موسى وايليا يتحدّثان اليه عن خروجه العتيد (متى 17). ويوحنا هو الذي جلس بجانب السيّد في العشاء الأخير واتكأ على صدر يسوع ( يوحنا 13: 25). ويوحنا أيضا هو الذي طلب من السيّد ان يجلس عن يمينه في ملكوته مبديا استعداده لشرب الكأس التي قال يسوع انه سوف يشربها ( متى 20: 20-28). وعندما ألقى اليهود أيديهم على المعلم، كان يوحنا من تبعه حتى الى دار رئيس الكهنة ( يوحنا 18: 15). ولما حانت ساعة الظلمة، وحده يوحنا، من بين التلاميذ، وقف عند صليب الرب بجانب والدة الإله. في تلك الساعة بالذات قال يسوع لأمه مشيرا الى يوحنا " يا امرأة هوذا ابنك"، ثم قال للتلميذ" هو ذا أمك". ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته.
ثم انه بعد قيامة الرب يسوع من بين الاموات وبعدما حملت مريم المجلية الخبر عن القبر المفتوح، كان يوحنا- الذي سمّى نفسه في الإنجيل التلميذ الآخر- هو الذي ركض مع بطرس الى القبر، لكنه سبقه وجاء أولاً وانحنى فنظر الأكفان موضوعة وحدها. ويوحنا أيضا رأى الرب يسوع بعد قيامته، وتلقى مع التلاميذ الآخرين الكلمة أن يبشروا بالانجيل الى أقصى الأرض. ثم انه عاين السيد صاعداً الى السموات وأخذ الروح القدس يوم العنصرة. ويغلب الظن انه آخر من بقي من التلاميذ في أورشليم لأنه اعتنى بوالدة الإله الى يوم رقادها.
ثم انه ورد في التقليد أنه بشّر في آسيا الصغرى حيث كانت الوثنية عميقة الجذور وحيث انتشرت الأفكار والتيارات، على اختلاف توجّهاتها، بكثافة وعلى نطاق واسع. ويبدو أن يوحنا تردّد، أول أمره، في الذهاب الى هناك، لذلك تركه الله وتلميذ برخوروس يصارعان العواصف وأمواج البحر والشدائد والضيقات أربعين يوماً قبل أن يصلا الى آسيا الصغرى سالمين. فكان ذلك تدريباً له على احتمال المحن والاتكال على الله القادر على كل شيء.
أفسس هي المدينة البارزة في آسيا الصغرى التي تركّز فيها عمل الرسول يوحنا الكرازي. وقد لاقى هناك مقاومة شديدة وواجه الموت أكثر من مرّة لأن عبادة الإلهة ارتميس وتعلّق أهل المدينة بها آثار عليه سخط جماعات كثيرة، كما تحرّك السحرة بكل قواهم وأعاجيبهم ضدّه، لكنه بنعمة الله وقوة الكلمة وآيات كثيرة حفظ سالماً وهدى كثيرين وعمدّهم
ووصل صيت يوحنا الى الامبراطور دوميتيانوس (81- 96) فاستحضره، كما ذكر المعلم ترتوليانوس ( 16- 225م). وبعدما أخضعه للتحقيق، أبقاه في قدر مملوء زيتاً مغلياً، فخرج من القدر سالماً، فنفاه الى جزيرة بطمس. وفي جزيرة بطمس شفى ابن مقدّم الجزيرة من مرض اعتراه فساعد ذلك على الإتيان بكثيرين إلى الإيمان بالرب يسوع. وفي بطمس أيضاً، كتب، كما ينقل لنا التراث، انجيله وسفر الرؤيا. عندما توفي الامبراطور دوميتيانوس وخلفه نرفا عاد يوحنا الى أفسس لمتابعة عمله. ويذكر التراث انه في طريقه الى أفسس عرّج على مدينة اسمها اغرويكا هدى فيها إلى الإيمان شاباً رأى فيه بالروح إناء ينتبه اليه ويرعاه. لكن، يبدو ان الأسقف أهمل الشاب وكانت النتيجة ان شرد وأضحى رئيس عصابة يسرق ويقتل ويروّع الناس. فلما عاد يوحنا الى الأسقف سأله عن الأمانة، فتنهد الأسقف وقال له: ان هذا الشاب قد مات لأنه ترك الإيمان وتحوّل الى سارق ولص. فللحال طلب يوحنا حصاناً، رغم تقدّم سنه، وصعد الى حيث قيل له إن ذاك الشاب معتصم. وهناك أخذ يبحث عنه الى أن وقع بين أيدي بعض أفراد العصابة فاقتادوه اليه. ولما رأى رئيس العصابة يوحنا حاول الهرب من وجهه، فلحق به الرسول متوسلاً، فتاب الشاب وعاد برفقة يوحنا وعاش بعد ذلك في القداسة. هذه واحدة من الروايات التي تنقل عنه للدلالة على حرصه على خراف المسيح ورأفته بالضالين.
وبقي يوحنا في افسس الى أن رقد أو ربما انتقل. كان قد بلغ من العمر ما يربو على المئة سنة وخمس. وهناك أكثر من رواية في هذا الشأن. فمن الروايات ما يذكر انه لم يمت بل انتقل الى الرب انتقالا. وفي الرواية صدى لما ورد في انجيل يوحنا، الاصحاح الحادي والعشرين، ان الرب يسوع فيما كان سائرا وبطرس الرسول، تبعهما يوحنا، " فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبّه يتبعه وهو أيضا الذي اتكا على صدره وقت العشاء وقال يا سيد من هو الذي يسلمك. فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع يا رب وهذا ما له. قال له يسوع ان كنت أشاء انه يبقى حتى أجيء فماذا لك، اتبعني أنت. فذاع هذا القول بين الإخوة ان ذلك التلميذ لا يموت. ولكن لم يقل يسوع أنه لا يموت، بل إن كنت أشاء انه يبقى حتى أجيء فماذا لك" ( يوحنا 21: 20 ــ 23). وهناك رواية أخرى تقول انه رقد بالرب وان تراباً عطراً كان يخرج من قبره كل عام ويشفي المرضى. والكنيسة تعيّد لذلك سنوياً في الثامن من أيار.
هذا هو التلميذ الذي كان يسوع يحبّه، الذي يعود اليه الإنجيل المسمى باسمه وسفر الرؤيا وثلاث من الرسائل الجامعة والذي تقول عنه الخدمة الليتورجية، في هذا اليوم، الكثير. تقول انه " إمام المتكلمين باللاهوت" ولذلك دعي باللاهوتي، وانه " حوى في نفسه اللاهوت بغير تناه"، وانه " كان مملوءاً من المحبة فأصبح مملوءاً من التكلم باللاهوت أيضاً " وانه" عذوبة الثالوث" وانه صار" صفيا حبيبا نظير اشعياء الجهير الصوت وموسى الكليم معاين الله" وان لسانه" قلم كاتب للروح القدس" وانه اقتنى " عقلا متألهاً وجسماً متبتلاً" وانه قد صار كله نورا لاقترابه من عنصر النور.



