أنت هنا
تذكار القدّيس العظيم في الشهداء افستاثيوس وزوجته ثيوبيستي وولديهما أغابيوس وثيوبيستس (+117م)
20/9 غربي (3/10 شرقي )
كان بلاسيدس-وهذا كان اسم افستاثيوس قبل تعرفة بالمسيح - ضابطاً كبيراً في الجيش ايام الامبراطورين تيطس وترايان. وكان، نظير كورنيليوس، قائد المئة الذي بشّره الرسول بطرس ( أعمال الرسل 10)، رجلا بارا، كثير الاحسانات، محبا للفقراء. ذهب مرة في رحلة صيد وراء الأيلة والغزلان. وفيما كان جاداً يبحث عن طريدة، اذا بغزال يظهر امامه فجأة، فأخذ قوسه وشدّ سهمه وهمّ بتسديده. ولكن، فجأة، لمع شيء بين قرني الغزال فتريّث، وأمعن النظر جيداً فرأى هيئة صليب يلمع كالشمس وشخص الرب يسوع المسيح مرتسما عليه. واذا بصوت يأتيه قائلاً: " بلاسيدس، بلاسيدس، لماذا تطاردني!؟ أنا هو المسيح الذي أنت تكرمه بأعمالك ولا تدري. لقد جئت الى الأرض وصرت بشراً لأخلّص جنس البشر. لذلك ظهرت لك اليوم لأصطادك بشباك حبي". فوقع بلاسيدس عن حصانه مغشياً عليه. وبقي كذلك بضع ساعات. وما أن استرد وعيه وأخذ يستعد ما جرى له حتى ظهر له الرب يسوع من جديد وتحدّث اليه، فآمن بلاسيدس وقام الى كاهن علّمه الانجيل وعمّد هو وأهل بيته. فصار اسمه، من تلك الساعة، افستاثيوس، واسم زوجته ثيوبيستي وولديه أغابيوس وثيوبيستس.
ووصل الخبر الى ترايان فأمر بمصادرة ممتلكاته. وكان على وشك إلقاء القبض عليه عندما تمكن، بنعمة الله، من التواري.
وشيئا فشيئا، كشف الايام ان شدائد وضيقات عظيمة كانت تنتظر افستاثيوس، كمثل ايوب الصديق في العهد القديم.
ففيما كانت العائلة، التي فرّت في مركب، تهم بمغادرته، اذا بصاحب المركب، الذي كان فظا شرسا، يخطف ثيوبيستي ويحتفظ بها لنفسه. فأخذ افستاثيوس ولديه ومضى حزينا مغلوبا على امره. وفيما كان الثلاثة يجتازون نهرا، اذا بأغابيوس وثيوبيستس يقعان بين الوحوش، وينجو افستاثيوس. وهكذا وجد افستاثيوس نفسه وحيدا وقد خسر كل شيء: مركزه، املاكه، زوجته وولديه. صار كأيوب عاريا من كل شيء، حتى من أعزّ من يحب. وحده الايمان بالرب يسوع حفظه في الرجاء. " الرب اعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا". وعلى مدى سنوات طويلة، استقر افستاثيوس في قرية من قرى مصر أجيرا، لا يدرى بما في العالم ولا يدري العالم به.
وكان يمكن ان تنتهي قصّة افستاثيوس على هذا النحو، لكن للرب الاله احكاما غير احكام البشر. فلقد تحرّك البرابرة، في ذلك الزمان، على الامبراطورية الرومانية، واخذوا يتهدّدون بعضا منها، مما أقلق الامبراطور ترايان قلقا شديدا، فراح يبحث عن قائد من ذوي الحنكة والشجاعة والخبرة في حروب البرابرة، فلم يجد أحدا يسند اليه المهمة. أخيراً تذكر الامبراطور الضابط السابق بلاسيدس وسجل بطولاته الحافل وكم من المعارك خاض ضد البرابرة وانتصر، فأخذ يبحث عنه في طول البلاد وعرضها. وتشاء العناية الإلهية ان يهتدي الى مكانه. فمثل افستاثيوس أمام الامبراطور، وكانت هيئته قد تغيّرت من كثرة ما عانى، فأعاد اليه ألقابه السابقة وممتلكاته وجعله قائدا لحملة جديدة على البرابرة. وقد قبل افستاثيوس كل ذلك صاغرا كما لو كان بتدبير من العلّي.
وبالفعل خرج افستاثيوس على رأس الجيش وتمكن، بنعمة الله، من البرابرة، وعاد مظفرا.
وكم كان شكره لله عظيما عندما رأى زوجته وولديه اصحاء معافين في انتظاره. ولكن، كيف ذلك؟! ذاك البربري الذي خطف زوجته مات ميته شنيعة، وولداه تمكن رعيان من انقاذهما وحفظهما سالمين. وهكذا كانت تعزية الجميع عظيمة وفرحهم لا يتصوّر.
ولكن، هنا أيضاً، لم تكن هذه نهاية قصة هذه العائلة المباركة بل فصل منها وحسب. فما كادت العائلة تفرح باجتماعها من جديد وتشكر الله عليه حتى مات ترايان وحل ادريانوس محله ( 117م). وطبعا كما جرت العادة بعد كل انتصار على اعداء الامبراطورية، اراد ادريانوس ان يقدّم الشكر للآلهة فدعا قادة جيشه الى رفع الذبائح للأوثان. وعندما جاء دور افستاثيوس امتنع وقال للامبراطور: ان هذا الانتصار قد تحقّق بقوة الرب يسوع المسيح الذي أؤمن انا به، لا بقوة هذه الآلهة الحجرية الباطلة. هذا الكلام لم يرق للامبراطور ادريانوس، بل عدّه عصيانا سافرا، فأمر افستاثيوس وأفراد عائلته، بعدما صادر ممتلكاتهم من جديد، فألقوا في قدر كبير فيه زيت يغلي فأسلموا الروح.



