أنت هنا
تذكار القديس نسطر الشهيد (+303)
27/10 غربي (10/11 شرقي)
يرتبط اسم القديس الشهيد نسطر باسم القديس العظيم في الشهداء ديمتريوس، فقد جرى استشهادهما في وقت واحد ومدينة واحدة.
كان نسطر شاباً مسيحياً من مدينة تسالونيكي بالذات، وكان يألم لما كان يفعله الولاة بالمسيحيين ويستنح الفرصة ليشهد للمسيح.
فلما عرض أن كان الإمبراطور مكسيميانوس عابرا بتسالونيكي بعدما انتصر على القبائل السكيثية البربرية، شاء أن يحيي ظفره بسلسلة من الاحتفالات العامة، على عادة ملوك ذلك الزمان. وكان من هذه الاحتفالات العاب المصارعة. فلما كان الإمبراطور قد استقدم مصارعاً ضخماً ذا قوة خارقة فقد أنزله إلى الحلبة فخوراً به. وكان اسم المصارع لهاوش.
هذا لم يتمكن أحد من المصارعين من التغلب عليه. وكان لهاوش كلما قوي على خصم صرعه. ولما لم يعد هناك من يجرؤ على منازلة هذا العملاق، أمر الإمبراطور أن يؤتى ببعض المسيحيين المعتقلين ويرغموا على مصارعة لهاوش. فكان لهاوش يصرعهم الواحد تلو الآخر وسط هتاف الجماهير وتصفيقهم.
فلما رأى نسطر الشاب ما كان يحدث لهؤلاء المسيحيين الذين كانوا يساقون إلى الذبح كالخراف، احتدت روحه فيه فأيقن أنها الساعة. فأسرع إلى السجن حيث كان القديس ديمتريوس وسأله الصلاة من أجله ليتمكن من مواجهة لهاوش. فدعا ديمتريوس له قائلاً: "اذهب يا أخي وليكن الرب يوع المسيح معك. سوف تفلح بإذن الله لكنك ستتألم من أجل اسمه!". فعاد نسطر متشدداً واثقاً أنه سينتصر.
دخل نسطر الحلبة وتقدم من المنصة المكية، ثم ألقى بردائه أرضاً وهتف: "يا إله ديمتريوس أعني!".
وتواجه نسطر ولهاوش فيما ضجت الجموع تسخر من هذا الشاب الطري العود. وبنعمة الله تمكن نسطر من التغلب على لهاوش والقضاء عليه. وإذا بسخرية الجماهير تتحوّل إلى دهش وتعظيم، ولا يصدق أحد عينيه.
أما الإمبراطور فأصيب بصدمة. وبدل أن يذعن للواقع اهتاج وأمر بنسطر فألقى الجند عليه الأيدي وأخذوه وقطعوا هامته.
هكذا انضم نسطر إلى عدد الأبكار المكتوبين في السماء شاهداً بدمه، وبطريقة خاصة جداً، قد لا تكون مألوفة في التراث الكنسي، أن الرب يسوع المسيح هو السيد ولا سيد آخر سواه.
يفيد بعض المصادر أن استشهاد القديس ديمتريوس تبع استشهاد القديس نسطر، إذ أن الإمبراطور، بعدما خسر مصارعه لهاوش واستبد به الغيظ أراد أن ينتقم من ديمتريوس ظناً منه انه كان وراء ذلك، فأرسل جنوده إلى ديمتريوس في السجن وهناك ضربوه بالحراب وقتلوه.
القديسة نونة المعادلة الرسل هادية بلاد الكرج
نستمد سيرة القديسة نونة رسولة الأكراج أو الجيورجيين، بصورة أولية، من المؤرخ الراهب روفينوس (345-410م) الذي كتبها باللاتينية، ثم ترجمت، فيما بعد، إلى اليونانية. أما النصوص الجيورجية للسيرة فمتأخرة، من القرن العاشر أو الحادي عشر للميلاد. يذكر أن روفينوس تحدث عن هداية الجيورجيين دون أن يعطي القديسة نونة أية تسمية. فقط قال عنها "ثمة امرأة مسبية". أما الاسم فاطلق عليها ابتداء من القرن العاشر، وله صيغة أخرى "نينو"، ولعله مستعار من اللاتينية ومعناه "راهبة".
ولدت القديسة نونة في مكان ما من بلاد الكبادوك لأب اسمه زبولون كان قائداً عسكرياً في زمن الإمبراطور قسطنطين الكبير. ترعرعت منذ نعومة أظفارها على محبة الله وحفظ الوصايا. وقعت أسيرة في أيدي الايبريين أي الأكراج واقتيدت إلى بلادهم. الشعب الكرجي يومها كان غارقا في دياجير الوثنية وعبادة النار. حافظت نونة على إيمانها ومارست النسك وبشرت بالإنجيل دونما خوف. يقول عنها مترجمها أن سيرتها كانت فاضلة وكانت لا تكف عن الصلاة ليل نهار. وقد أثار سلوكها دهشة البرابرة واستغرابهم فسألوها عن الأمر فقالت أنها تعبد المسيح إلهها. ويبدو أن نونة حركت فضولية النساء بصورة أخص، إلى أن جرت سلسلة أحداث غيرت، لا مجرى حياة بعضهن وحسب بل بلاد الكرج برمتها، ذلك أنه كانت ثمة عادة بين النساء هناك أنه إن مرض طفل لإحدى النساء وعجزت عن معالجته دارت به على جيرانها، بيتاً بيتاً، تسأل إن كان أحد عارفاً بدواء يمكن أن ينفع الطفل المريض. وان امرأة وقع طفلها مريضا فحاولت كل علاج خطر ببالها فلم تستفد شيئاً. فأخذته إلى جيرانها فلم يقدر أحد أن يعينها. أخيرا أخذته إلى نونة وسألتها العون إن كان بوسعها فأجابت إنها لا تعرف علاجا بشرياً، لكنها أكدت أن المسيح الذي تعبد هو وحده القادر على إبراء وليدها. ولما قالت ذلك أخذت الطفل بين يديها ووضعته على غطائها الشعري الذي اعتادت أن تتمدد فوقه ورفعت يديها إلى السماء وتضرعت إلى الرب الإله فعاد الطفل صحيحاً فسلمته إلى أمه.
وسرى خبر الأعجوبة بين الناس كالنار في الهشيم إلى أن انتهى إلى الملكة التي كانت تعاني من مرض خطير وآلام مبرحة ويأس مطبق. فأمرت بإحضار المرأة الأسير فتمنعت لطبيعة حياتها فحمل الجنود الملكة القعيد فجعلتها نونة على الغطاء الشعري، ثم دعت باسم الرب فقامت الملكة صحيحة معافاة.
وكانت حادثة الشفاء هذه إيذاناً ببدء زمن جديد في حياة الشعب الكرجي أشرق فيه نور المسيح فياضاً.
فبعدما لمس الملك الكرجي مريام قوة اسم الرب يسوع بنفسه وتأكد له أن المسيح هو الإله الحق دون سائر الآلهة التي كان يعرفها، بعث بسفارة إلى الإمبراطور قسطنطين الكبير سأله من خلالها أن يعمد إلى إرسال من يبشر الشعب الكرجي بكلمة الخلاص. ويقول البطريرك مكاريوس الزعيم في مؤلفه "قديسون من بلادنا" أن الملك أرسل إليهم القديس افسطاتيوس أسقف أنطاكية لأجل أنهم من أبرشيته، "فذهب إليهم وأنارهم بالمعمودية كلهم ورسم لهم رؤساء كهنة وكهنة وكرس لهم كنائس، وأقبلوا بأسرهم إلى معرفة الله . . ." . من ذلك الوقت صارت العادة أن يسام رئيس الأساقفة على بلاد الكرج بيد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق. وقد استمر العرف على هذا النحو إلى القرن الثامن حين انقطع. بدأ بالكاثوليكوس يوحنا الثالث (744-760).
أما القديسة نونة فقد تحولت، من ثم، إلى هداية الجماعات البربرية في الجبال، ثم انصرفت إلى حياة السكينة إلى أن رقدت بسلام في الرب.
تعيد لها الكنيسة في الرابع عشر من شهر كانون الثاني. أما عيدها اليوم فاستقيناه من مؤلف البطريرك مكاريوس الزعيم، ولعله اليوم الذي كانت تذكرها فيه الكنيسة الأنطاكية قديماً .



