أنت هنا
تذكار القديس توما الرسول المجيد
"6/10 غربي (19/10 شرقي )"
شخصية توما في الأناجيل
هو أحد تلاميذ الرب يسوع المسيح الاثني عشر المقال له التوأم. يعرف في إنجيل يوحنا، بصورة خاصة، من خلال ثلاثة مواقف: الأول، بعدما جاء رسول وأخبر السيد بأن لعازر مريض، أراد السيد ان يذهب الى اليهودية فاعترضه تلاميذه قائلين: "يا معلم، الآن كان اليهود يطلبون ان يرجموك وتذهب أيضاً إلى هناك" فقال لهم يسوع "لعازر حبيبنا... مات، وأنا أفرح لأجلكم أني لم أكن هناك لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه". إذ ذاك انبرى تومادون سائر التلاميذ ليقول للباقين: لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه". يشير هذا الموقف، فيما يشير، الى ثلاثة أمور: حمية الرسول في أتباع المسيح أنى تكن المجازفة، واشتياقه الى معاينة عمل الله، كونه إنسان قلب لا يرى الأمور بعين العقل بقدر ما يراها بعين الحس والعاطفة. من هنا جوابه العفوي الحماسي هذا.
أما الموقف الثاني فنستقرئه مما ورد في الإصحاح 14 من إنجيل يوحنا حيث قال الرب لتلاميذه:" .. في بيت أبي منازل كثيرة .. أنا أمضى لأعدّكم مكاناً... وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق". هنا أيضاً انبرى توما ليقول بكل بساطة " يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق" قال له يسوع "أنا هو الطريق والحق والحياة". لهذا الموقف أكثر من ميزة. فتوما الرسول، أولا، إنسان واقعي حسي تعني الأمور لديه ما تشير إليه، أما التأويل في الكلام، أن تقول شيئاً وتريد به شيئاً آخر فلا قبل له به، ولعل توما في هذا الأمر عبراني لا غش فيه. ثم انه يطلب الفهم ولا يشاء ان يمر كلام السيد غامضاً، مرور الكرام. لذلك يسأل ويستوضح ولا يستحي. توما، من هذه الزاوية، إنسان من دون عقد. يقاطع المتكلم، وربما يزعج السامعين. لعله يظهر دون الآخرين فهما، ولعلهم يأخذون عليه بطأه في إدراك الأمور، ولكن، لا بأس. غيره قد لا يكون فاهما ويخاف ان يسأل، أما هو فلا يبالي. المهم ان يفهم.
أما الموقف الثالث فيتمثل في إصرار الرسول على وضع يده في جنب السيد. ففي الإصحاح 20 من إنجيل يوحنا ان توما كان غائباً حين جاء يسوع الناهض من بين الأموات الى حيث كان التلاميذ مجتمعين خوفا من اليهود وأراهم يديه وجنبه وأعطاهم سلامه ونفخ فيهم روحه القدوس. فلما جاء توما وعلم بما جرى اعترض وقال:" ان لم أبصر في يده أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن". وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ مجتمعين وتوما معهم، فجاء يسوع ووقف في الوسط وقال:" سلام لكم. ثم قال لتوما هات إصبعك الى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا. أجاب توما وقال له ربي وإلهي. قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا". الرسول، هنا يتصرف وكأنه عاتب على السيد انه جاء في غيابه. والسيد فعل ذلك عن قصد، أولا لأنه كان يعرف شخصية توما التي سبق لنا ان رسمنا بعض ملامحها، وثانياً لأنه أراد ان يبين انه إذا ما جاء الى التلاميذ وأراهم يديه وجنبه فهو إياه بلحمه وعظمه وليس خيالا. المسيح هنا يعفي التلاميذ ويعفينا من تجربة المجرب انه خيال. ثم ان السيد بمحبته الفائقة يخاطب كل واحد بالطريقة التي يفهمها، وطريقة توما ان يعاين القديسان امبروسيوس وكيرللس والمغبوط اوغسطينوس يقولون في هذا المقام ان الموضوع هو رغبة توما في معاينة السيد أكثر مما هو موضوع شك أو قلة أمانة.
وطريقة توما أيضاً ان يلمس الى أن يمن عليه الرب بنور روحه القدوس. وهذا ما مّن به على أحبته أخيراً داعيا إياهم الى معاينة تفوق معاينة اللحم والدم: " طوبى للذين آمنوا ولم يروا". توما الذي أبدى عنادا يكاد يكون صبيانيا هو إياه من انكسر الى آخر حدود الانكسار عندما عاين مجد الله وهو أيضاً أول من سجد وخاطب يسوع بالفم الملآن هكذا: " ربي والهي"
بشارة توما
هذا بالنسبة لشخصية توما الرسول، أما بالنسبة لبشارته بعد العنصرة، فالتقليد الكنسي يقول انه أول من بشر بلاد الهند، والنص الليتورجي يقول انه اصطاد بصنارة الروح الإلهي أذهان الهنود المظلمة. أما تفاصيل خدمته في الهند فليست بثابتة. جل ما نعرفه انه هدى الكثيرين الى النور الإلهي، وبين هؤلاء الأغنياء ونساء أميرات. ويقال ان الأمير المدعو مسداوس أراد أن ينتقم منه لأنه عمّد زوجته تاريتانا، فأرسل جنده وطعنوه فمات. النص الليتورجي يقول انه اقتدى بالمسيح في الآلام فطعن جنبه هو أيضاً. كان رقاده في الرب وفق بعض المخطوطات القديمة يوم الرابع عشر من أيار. تجدر الإشارة الى أن للرسول توما ذكرا مميزا لدى الأحباش وقيل انه بشر الفرس وبلغ الصين. حتى الألمان يقولون انه نقل لهم الإيمان.
رواية عنه
يحكى أن ملكا هنديا اسمه غوندافور قرر ان يبني لنفسه قصرا عظيما لا مثيل له على الأرض، فانطلق رسوله هافان يبحث عن عمال ماهرين قادرين على ذلك. وبتدبير إلهي جاء هافان الى الرسول توما فقال له الرسول انه مستعد ان يبني للملك مثل هذا القصر شرط ان يتركه يعمل كما يريد. فاتفق الاثنان وسافر توما الى بلاد الهند. هناك حصل الرسول على كمية كبيرة من الذهب من الملك ليباشر ببناء القصر. وما ان غادر توما حضرة الملك حتى وزع كل الذهب الذي لديه لفقراء الهند، وراح يبشر بالإنجيل. ومرت سنتان، فأوفد الملك عبيده الى الرسول يسأله ما إذا كان انتهى من بناء القصر أم لا، لأن القصر كان بعيداً عن عاصمة الملك، فأجاب توما: " كل شيء بات جاهزاً إلا السقف"، وطلب مزيدا من المال فأعطاه الملك ما أراد. ومن جديد أعطى الرسول كل ما لديه للفقراء وتابع تجواله مبشراً بالإنجيل. وبطريقة ما بلغ الملك خبر ان توما لم يبدأ بعد ببناء القصر فقبض عليه وزجه في السجن. في تلك الليلة بالذات مات أخ الملك فحزن عليه الملك حزناً شديداً. وان ملاكا حمل روح الميت الى الفردوس وأراه قصرا عجيبا لا يقدر عقل الإنسان ان يتصور مثله. وإذ أراد أخ الملك ان يدخل الى هذا القصر العجيب، منعه الملاك قائلاً:" هذا القصر يخص أخاك الملك، وهو القصر الذي شيده له الرسول توما بالحسنات التي أعطاه إياها". ثم ان ملاك الرب أعاد روح الرجل الى بدنه. فعندما عاد أخو الملك الى نفسه، أسرع الى أخيه وقال له: " أقسم لي بأنك ستعطيني كل ما أطلبه منك"، فأقسم له، فقال:" أعطني القصر الذي لك في السماء، الذي بناه لك توما". فلم يصدق الملك الى أن شرح له أخوه كل ما جرى له. إذ ذاك أرسل الملك فأطلق تومامن السجن واستقدمه إليه وسمع منه كلام الخلاص والحياة الأبدية ثم اعتمد وأعطاه مزيدا من المال لتوسيع القصر الذي بناه له في السماء. وهكذا ازدادت أعمال الرحمة وزاد الشكر لله واتسع نطاق البشارة بكلمة الحياة.



