أنت هنا

28/11
 

تذكار القديس الشهيد في الابرار

استيفانوس الجديد (+766م)

28/11

أولادكم أمانة لكم

أبصر القديس استيفانوس الجديد النور في مدينة القسطنطينية في العام 713 للميلاد. كان أبواه تقيين، من العامة. أنجبته أمه، حنّه، بعد عقر. ويبدو أنها فعلت نظير حنّه، أم صموئيل النبي، التي نذرته لله قبل ولادته إذا منّ عليها بابن، وقد استجاب الله دعاءها. فلما وضعته أحاطته بعناية خاصة لأنها حسبت نفسها مؤتمنه عليه وأنه لله. وقد عمّده القديس جرمانوس، بطريرك القسطنطينية (12 أيار) وأعطاه اسم الشهيد الأول استيفانوس.

كبر الولد في الفضيلة بنعمة الله وعناية والديه. وقد برع في العلوم وشغف بقراءة الكتب الروحية والأسفار المقدسة.

راهباً

في ذلك الزمان باشر الامبراطور لاون الثالث الأيصوري (717 ــ 741م) حملة لإزالة الأيقونات وإبطال إكرامها. وقد رأى والدا استيفانوس أنه من الحرص الابتعاد عن المدينة، فأخذا ابنهما وأودعاه رهبان جبل القديس افكسنديوس (14 شباط) القريب من مدينة نيقوميذية، المعروفة اليوم بأزميت، في الجزء الشمالي الغربي من تركيا الحالية. عمره كان قد ناهز السادسة عشرة. وقد قبله الرهبان هناك على الفور، واهتم بأمره أب روحي مختبر، حسن البصيرة اسمه يوحنا. والحق أن الرهبان في تلك البقعة كانوا مجموعة من النسّاك بأب روحي واحد. وقد ألبسوه الثوب الملائكي المقدس منذ اليوم الأول لقدومه إليهم.

أبدي استيفانوس كراهب طاعة كاملة وغيرة إزاء كل ما يطلبونه منه. كان قدوة في الجهاد والفضيلة.

ثم ان والده في الجسد رقد فذهب هو الى القسطنطينية لتصفية تركة أبيه. وبعدما وزّع ما جمعه على الفقراء عاد إلى جبله برفقة أمه وأخته اللتين انضمتا إلى دير نسائي في جوار ديره، وترك أختاً ثانية في دير من ديورة القسطنطينية.

ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى رقد أبوه الروحي، رئيس المناسك، فاختاره الجميع رئيساً عليهم رغم صغر سنه. يومها كان قد بلغ الحادية والثلاثين.

قسوته على نفسه

اهتم استيفانوس بتحويل القلالي إلى دير مشترك. وبعدما نجح في تنظيم شؤونه غادره طالباً العزلة والهدوء. وقد استقر في قلاّية ضيقة بلا سقف، عرضة لقسوة الطقس، حراً وبرداً. لم يكن يغطي بدنه غير ثوب رقيق لكل الأوقات. وقد أحاط نفسه بسلاسل حديدية واكتفى من الطعام والشراب بأقله.

هكذا انصرف استيفانوس إلى الهذيذ بالله ليل نهار، يقاوم تجارب إبليس وعناصر الطبيعة.

وشيئاً فشيئاً بدأت رائحة قداسته تفوح في الأرجاء فأخذ التلاميذ والزائرون يتدفقون عليه.

المدافع عن الايقونات

ثم أن الامبراطور لاون الثالث مات في العام 741 للميلاد فخلفه ابنه قسطنطين الخامس المكنى بالزبلي الاسم. هذا استهل عهده كما لو كانت مسألة الأيقونات لا تعنيه. ولكن ما أن استتب له الأمر في الداخل وعلى الحدود، بعد صعوبات سياسية وعسكرية، لا سيما حيال التهديد العربي في المشرق، حتى فتح ملف الأيقونات من جديد، فالتزم خط أبيه على أشرس ما يكون. وقد عمد إلى إتلاف كنائس وتدنيس الأواني المقدسة المزينة بالرسوم، كما طلى بالكلس جدران الكنائس لطمس معالم الأيقونات الحائطية وأحرق الكثير من الأيقونات الخشبية. وكل الذين وقفوا في وجهه عاقبهم بقسوة. أكثر الأساقفة، فيما يبدو، روّعهم أو استمالهم إليه بالهدايا والامتيازات والخدمات حتى جعل ثلاثمئة منهم يوقّعون في مجمع قصر هياريا المزعوم (754م) على قرار بإبطال إكرام الأيقونات. أكثر من قاومه كانوا الرهبان، لذلك اضطهدهم بعنق، فأقفل أديرة وأحرق أخرى وحوّل بعضاً الى ثكنات عسكرية أو إدارات عامة. أما الرهبان فسعى إلى فرض لباس العامة عليهم وإجبارهم على الزواج تحت طائلة المسؤولية، ووضع على تحركّاتهم قيوداً خانقة حتى تفرق شملهم. أما الذين صمدوا وقاوموا فكان نصيبهم قطع الأنف أو اللسان ثم السجن أو النفي.

في هذا الجو القاتم بدا استيفانوس أبرز وجوه المقاومة والصمود، فأوفد الامبراطور إليه أحد كبار رجال بلاطه مزوداً بهدايا نفسية وسأله أن يوقّع على الوثيقة الصادرة عن المجمع المزعوم، فكان جواب استيفانوس أن ردّ الرسول والهدايا قائلاً: " ليس الإيمان سلعة تباع وتشرى! لقد علّمت الكنيسة في كل العصور أن إكرام الإيقونات شيء حسن مقدس وهو ما ينبغي أن نتبعه ونقدسه". وفي قولة غيورة أعلن بعدما مدّ يده صوب الرسول: " حتى ولو بقي فيّ قبضة واحدة من الدم لبذلتها من أجل أيقونة المسيح!"

وسائل ضغط

وثار سخط الامبراطور على استيفانوس فعمد إلى وسائل ضغط مختلفة. حاول أن يشيع بشأنه فضيحة مؤداها أنه على علاقة مشينة براهبة اسمها حنّه كان قديسنا قد أثر في نفسها، وقي الفتاة الغنية، بنت القسطنطينية، فعافت الدنيا ووزعت غناها على الفقراء ثم ذهبت فانضمت إلى دير للعذارى. وعندما جيء بحنّة لاستجوابها تبيّن أن التهمة اختلاق محض. وعبثاً حاولت السلطة ارغامها على تبني قولة الكذب فأبت بشدة، فجلدوها بعنف حتى سالت دماؤها فلم يُجدهم ضربها نفعاً. وقد أحصتها الكنيسة في عداد قديسيها.

ولما باءت محاولة الامبراطور بالفشل، عمد إلى اتهام القديس بالفعل الشنيع مع بعض الأحداث، ولكن هنا أيضاً بان بطلان التهمة سريعاً.

أخيراً أرسل فأحرق الدير وبدّد رهبانه ونفى استيفانوس إلى إحدى الجزر في بحر مرمرة فتهافت الرهبان والزوار عليه وجرت على يده عجائب كثيرة. ثم بعد ثلاث سنوات نقله الامبراطور إلى القسطنطينية وأقفه أمامه. خلال استجوابه له، أخذ استيفانوس قطعة نقدية وسأل لمن هذه الصورة والكتابة فقيل له للامبراطور، فأخذ وداسها بقدمه فاغتاظ الامبراطور، فقال له استيفانوس: إذا كنت أنت تشعر بالمهانة وتغضب إذا ما داس أحد صورتك، أفما تظن أنك تهين الله والله غاضب عليك لأنك تدوس أيقوناته وتحقرها؟! فسكت الامبراطور لكنه لم يرعو.

بعد ذلك ألقوا استيفانوس في سجن من سجون القسطنطينية. وفي السجن اكتشف وجود عدد كبير من الرهبان المعترفين، ثلاثمئة واثنين وأربعين، كان قسطنطين الملك قد نكّل بهم وقطع لبعضهم أذنه ولبعضهم أنفه ولبعضهم لسانه. ولم يمض وقت طويل حتى تحوّل السجن إلى شبه دير كان استيفانوس فيه أباً للجميع ومرشداً ومعزياً.

استشهاده

أخيراً، بعد أحد عشر شهراً من ذلك، عيل صبر السلطة فأخرجته من سجنه وعرّضته للهزء والسخرية في الساحات العامة. ولما أهاجت الرعاع رجموه كما فعلوا بسميّه استيفانوس، أول الشهداء. ثم عمد أحدهم إلى ضربه بعصى غليظة على رأسه حطّمت جمجمته وأدّت إلى استشهاده. كان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام 766 للميلاد. وكان القديس قد بلغ من العمر الثالثة والخمسين.