أنت هنا
تذكار القديسة العظيمة في الشهيدات اوفيمية الكلية المديح (+304)
16/9 غربي (29/9 شرقي)
ولدت اوفيمية في مدينة خلقيدونيا - المدينة التي انعقد فيها المجمع المسكوني الرابع في العام 451 - من أبوين ورعين تقيين، أيام الامبراطور ذيزكليسيانوس (284- 305). كان أبوها من الاشراف وأمها من أكثر الناس حبا للفقير.
وما كادت اوفيمية تبلغ العشرين من عمرها حتى اندلعت موجة اضطهاد جديدة على المسيحيين، هي العاشرة من نوعها. فلقد دعا حاكم آسيا الصغرى، بريسكوس، بمناسبة عيد الإله آريس، الى إقامة الاحتفالات وتقديم الذبائح. ولما كانت اوفيمية في عداد مجموعة من المسيحيين تغيّبت عن الاحتفال وتوارت عن الأنظار، فقد أصدر الحاكم أمراً بالبحث عنها وألقى عمّاله القبض. عليها. ولما مثلت المجموعة أمام الحاكم، سألها: " لماذا عصيتم الأوامر الامبراطورية؟" فكان جواب الجميع: " أن أوامر الامبراطور نطيعها، شرط أن لا تكون مخالفة لأوامر إله السماء. أما اذا كانت كذلك فنحن لا نعصاها وحسب، بل نقاومها أيضاً". فاغتاظ بريسكوس جدا وسلّمهم الى المعذّبين. أما اوفيمية، فقد بدا له أنها على رأس المجموعة، ولفته جمال طلعتها وطراوة عودها. فحاول، بإطرائه، خداعها وثنيها عن عزمها، فلم يفلح، فسلّمها هي ايضا الى التعذيب
لكن شيئا غريبا بدأ يحدث. فكلما كان الحاكم يسلّمها الى نوع من أنواع التعذيب، كان ملاك الرب يأتي ويعطّل مفعوله. وضعها بريسكوس، مثلا، على عجلة، فجاء الملاك وكسر العجلة. ألقاها في النار فلم تصبها بأذى. ألقاها في جب ماء فيه كافة أنواع الزواحف السامة، فرسمت إشارة الصليب فوق الماء ونجت. وان اثنين من جلاّديها، فيكتور وسوستنيس، لما رأيا ما حدث، مجّدا إله اوفيمية وآمنا بالرب يسوع، فكان مصيرهما أن أُلقيا الى الوحوش واستشهدا. أخيرا بعدما وضح ان النعمة الإلهية قي أقوى من كل العذابات التي يمكن أن يخترعها خبثاء الأرض، شاء الرب أن ينيّح أمته، فترك دبا، ألقيت اوفيمية اليه يعضها، فأسلمت الروح.
وجاء ذووها فأخذوا الجسد ودفنوه في طرف المدينة.
وفي أيام قسطنطين الملك، شيّد المسيحيون فوق ضريح اوفيمية كنيسة يقال أنها كانت من أعظم كنائس الشرق وأفخمها. في تلك الكنيسة، بالذات، اجتمع آباء المجمع المسكوني الرابع.
من الأخبار التي تناقلها التراث بشأن عجائب اوفيمية، بعد استشهادها، أن قبرها، في عيدها السنوي، كان يفيض دما حيا تفوح منه رائحة سماوية لا نظير لها. وكانوا يدهنون المرضى بهذا الدم فيشفون. والى اوفيمية تنسب تلك الاعجوبة التي حدثت في المجمع المسكوني الرابع ( 451م) والتي كشفت فيها القديسة الشهيدة، بنعمة الرب يسوع، وأمام الجميع، أيا كانت العقيدة القويمة وأيا كانت الهرطقة. تجدر الإشارة الى أن الاعجوبة ثبتت في وجدان الكنيسة لدرجة أنها أفردت لها عيداَ خاصا ما زلنا نقيمه، كل عام، في الحادي عشر من شهر تموز
وقد أتى عدد من الآباء على ذكر اوفيمية بإكبار عبر العصور كما بنيت كثيرة على اسمها. ومن المواعظ المهمة التي قيلت في استشهادها تلك التي نطق بها استاريوس، أحد أساقفة النبطس، في الاول من كانون الثاني من العام 400 للميلاد، وفيها يصف استشهاد اوفيمية كما عاينه في لوحة رسمت لها في ذلك الزمان.
القديس الشهيد في رؤساء الكهنة كبريانوس القرطاجي
ولد القديس كبريانوس في قرطاجة من أبويين وثنيين، بين العامين 200 و210 للميلاد, قد تسنى له أن يتعاطى الدراسة فصار خطيباً. مواهبه وفضائله كانت عديدة. اهتدى الى المسيح واعتمد على يد الكاهن كاسليان. اثر ذلك وزّع أمواله على الفقراء وطلب العزلة ليتفرّغ للصلاة والتأمل في الكتاب المقدس وكتابات المعلمين المسيحيين، أمثال ترتوليانوس الذي حسبه معلما. نودي الشعب اسقفا على قرطاجة في العام 248-249 م. يومها لم يكن قد مر على انضمامه الى الكنيسة غير ثلاث أو أربع سنوات.
بعد انتخابه بمدّة قصيرة، شنّ الامبراطور داكيوس حملة شرسة على المسيحيين (250)، وطالب الوثنيون القرطاجيون، انتقاما، بإلقاء كبريانوس للأسود. لكن الأسقف رأى من المناسب، آنذاك، أن يتوارى عن الأنظار ففرّ بصحبة عدد من المسيحيين، واختبأ في جوار المدينة ما يقرب من سنة كاملة، حافظ خلالها على صلاته بقطيعة. وقد استغل حسّاد كبريانوس الأمر فندّدوا به وشيعّوا انه هرب جبناً غير عابىء برعيته، فنالوا من سمعته وسببوا له متاعب كثيرة.
من جهة أخرى، برزت أثناء الاضطهاد مشكلة جديدة كانت سببا في نزاعات خطيرة تفاقمت بعدما هدأت الأحوال. فلقد عمد العديد من المؤمنين، هربا من التعذيب والاستشهاد، الى تقديم الذبائح للأوثان أو اكتفوا بتوقيع شهادات تؤكد انه سبق لهم أن ضحّوا. ولما هدأت موجة الاضطهاد، جاء هؤلاء " الساقطون" يعترفون بما اقترفوه طالبين المصالحة والعودة الى الكنيسة. وقد أصار وضعهم ردود فعل مختلفة متضاربة هدّدت الكنيسة بالتمزّق. فبعض المعترفين دعا الى قبول " الساقطين" على الفور، فيما اعتبر القدّيس كبريانوس انه يتعيّن فرض توبة صارمة عليهم، دون حرمانهم الرجاء، وان تكون فترة التوبة طويلة الأمد،تمتد، في بعض الحالات، مدى الحياة، لا سيما لمن ارتضوا أن يقرّبوا الذبائح طوعا ولم يكونوا مكرهين على ذلك. على ان القديس كبريانوس أخذ في الاعتبار انه في حال اندلعت موجة الاضطهاد من جديد، فإنه يمكن اقتبال هؤلاء في حضن الكنيسة بواسطة سر الشكر، حتى يتعزّوا في مواجهة المعارك الجديدة. وهكذا بدأت مؤلمة من الصراع بين كبريانوس ومناهضية. فبرزت، على الساحة، ثلاثة أحزاب، أولها الحزب الذي ناصر القدّيس كبريانوس، والثاني بزعامة فيليسيسيسموس، قال بالمصالحة الفورية للساقطين واختار الكهنة المنضمون اليه واحد منهم ــ فورتوناتوس ــ فأقاموه أسقفا. وسارت الأمور الى المزيد من التعقيد بعدما انشق الكرسي الرسولي في رومية على نفسه وبرز فيه فريقان كان لكل منهما اسقفه: نوفاسيان وكورنيليوس. ولما كان كورنيليوس قد ناصر كبريانوس فقد هب نوفاتيوس، وهو الذي قاد الحزب الثاني في قرطاجة، ووقف بجانب نوفاسيان، رغم ان هذا الاخير قال بعدم جواز التنازلات للساقطين. أما الحزب الثالث فرفض كل مصالحة للساقطين مع الكنيسة، وكان بزعامة مكسيموس المونتاني الذي أعلن نفسه، هو الآخر، اسقفا على قرطاجة.
واستمر حال قرطاجة ممزّقة، بثلاثة اساقفة وصراعات لا قرار لها، ردحا من الزمن الى أن جاء الطاعون بين العامين 253 و 254 م، فوضع للانشقاق حدا. ولكن، ثارت على الكنيسة موجة اضطهاد جديدة. فكان لكبريانوس، هذه المرة، غير موقف اذ انصبّ اهتمامه على المرضى وتعزية من فقدوا أحبّاء بالطاعون وتشديد المؤمنين ليثبتوا ويواجهوا بصبر وشجاعة ورجاء الحملة الجديدة ضدّهم.
وما لبث السلام أن عاد فدعا كبريانوس الى ثلاثة مجامع في قرطاجة بين العامين 255 و 256م ليضع حدا للمشكلات الداخلية في كنيسته، لا سيما مسألة مصالحة الهراطقة. هنا دخل كبريانوس في صراع مع البابا استفانوس. ففيما كان موقف رومية ان الهراطقة يقبلون في حضن الكنيسة، بعد التوبة، بوضع اليدي، أصرّ كبريانوس على إعادة معموديتهم، تبعا للتقليد المتبع في كنيسة افريقيا وكنائس الشرق، لاسيما تقليد القديس فيرميليانوس القيصري. على أن كبريانوس، بخلاف أسقف رومية، فرض هذا التدبير على الهراطقة الذين ينتمون الى تقليد كنيسة افريقيا. ورغم مساعي المصالحة التي بذلها الاسقف ديونيسيوس الاسكندري لتقريب وجهات النظر بين الفريقين، فإن العلاقات الكنيسة بين روما وكنيسة افريقيا انقطعت، وظلّت كذلك الى وفاة البابا استفانوس.



