أنت هنا
تذكار أبينا البار يوانيكيوس الكبير(+ 846م)
4 / 11
راعياً
ولد القديس يوانيكيوس في قرية اسمها ميرقاتا في مقاطعة بيثينيا في العام 754 للميلاد. كان والده ميرتريك وانسطاسيا من العامة وقد جعلاه ناظراً للخنازير وهو في السابعة من عمره. نشأ على التقوى لكنه أخذ عن والديه عداوتهما للإيقونات في زمن احتد فيه النزاع بين مدافع عنها ومحارب لها. وقد بقي كذلك الى سن السادسة والثلاثين حين التقى شيخاً راهباً أبان له التعليم القويم بشانها وردّه عن ضلاله.
ويبدو ان حبّه للعزلة في تلك المرحلة من حياته تفتّق كبيراً حتى قيل انه كان يرسم اشارة الصليب على قطيعه ليحفظها من الضياع ويستغرق في صلاة عميقة لساعات في هدأة التلال والوهاد.
جندياً
انخرط يوانيكيوس في الجندية وهو في سن التاسعة عشرة فأبدى بسالة منقطعة النظير وأبلى البلاء الحسن في الحرب البلغارية( 795م). وقد لاحظه الامبراطور البيزنطي قسطنطين السادس وأراده في عداد قوّاته الخاصة، لكن نفس يوانيكيوس كانت قد مجّت مناظر الحرب والمذابح وبان لها بطلان الحياة الدنيا، فقام الى الامبراطور مستأذناً، ثم اعتزل الجيش ووجّه طرفه ناحية الجندية الملائكية ورغب في الحرب اللامنظورة.
راهباً
كانت وجهة سير يوانيكيوس جبل الأوليمبوس في بيثينيا، موثل الرهبان الأول في ذلك الزمان. وقد رغب في الحياة النسكية منذ بداية الطريق، لكنه اقتنع، لدى استشارة الآباء، ان يكون أول دخوله الحياة المشتركة. من أجل ذلك التحق بأحد الديورة وخضع لطاعة رؤسائه. وكما اعتاد خوض المعارك في الجيش، خاض في الدير معركة لا هوادة فيها ضد حب الذات والأهواء والتجارب على اختلافها. ثم بعد سنتين عاد شوقه الى الحياة النسكية يتقد من جديد. وقد بقي اسبوعاً كاملاً غارقاً في صلاة حارة الى ربه ان يهديه الى أب روحي يقوده على طريق الكمال. لم يذق خلال ذلك ولا كسرة خبز. وفي اليوم السابع حضره ناسكان أنبآه بالآتي وأعطياه رداء من شعر وصليبا ليكونا له عوناً في معاركه ضد أرواح الظلمة. مذ ذاك انطلق يوانيكيوس الى حياة التوحد والنسك التي طالما اشتهى.
مجاهداً كبيراً
سلك يوانيكيوس في التوحد أربعة عشر عاماً أقام خلالها في المغاور الجبلية النائية. وكان يضطر بين الحين والحين الى هجر منسكه الى غيره لذيوع خبره. ويبدو ان جهاده ضد قوى الظلمة كان ضارياً حتى بات يتحدّى الشياطين.
يروى عنه، بهذا المعنى، انه التقى عذراء كان شيطان الزنى يعذّبها فتحنّن عليها وسألها ان تضع يدها على عاتقه، ثم قال: "لتنقل إليّ، بقوة الرب يسوع المسيح، التجربة التي عليك!"، فانتقلت. وعادت العذراء الى ديرها في سلام و يوانيكيوس الى مغارته وهجمات شيطان الزنى عليه ولا أشد. الى ذلك يذكر ان طعام يوانيكيوس خلال هذه الفترة اقتصر على الخبز والماء وكان بكميات قليلة جداً. كما أمضى سنة كاملة مربوطاً الى سلسلة حديدية ثقيلة.
يوانيكيوس وخلاص النفوس
أخيراً، عرّفه الله في رؤيا انه قد آن له الأوان ليعمل لخلاص النفوس. فقام الى أحد الديورة القريبة من الناس واتخذ لنفسه فيها مقراً. وقد ظهرت لديه مواهب جمّة كالتبصر والنبوءة ومعرفة مكنونات القلوب والتعاطي مع الحيوانات على منوال آدم في الفردوس، ويروّض المفترس منها، وله سلطان على الأفاعي. يمشي على المياه، ويظهر ويختفي ساعة يشاء. في كل ذلك كان يوانيكيوس في منتهى التواضع والوداعة. وكان في القامة عملاقاً.
أخذ يوانيكيوس يستقبل زائرية فيعزّي النفوس القلقة ويصلح الخطأة ويقوّم الهراطقة ويبرىء المرضى. كان الكل للكل دون أن يفقد هدوء النفس وحالة اللا هوى التي منّ بها الله عليه مجازاة له على أعماله.
أسس يوانيكيوس في حياته ثلاثة أديار استقطبت العشرات، لا بل المئات من الرهبان.
دخل أحد تلاميذه مرة قلايته خلسة فألفاه معلقاً في الهواء، على علو ذراعين عن الأرض وكانت نفسه في الغبطة.
جاءه مرة بعض الزوّار المشككين بما سمعوه عن عجائب الله فيه فاستقبلهم وقدّم لهم طعاماً. واثناء المائدة ظهر دب فجأة فأثار الرعب في نفوس الحاضرين فدعاه القدّيس بصوت لطيف فجاء اليه وسجد أمامه. فأمره ان يسجد أمام المدعوين، ثم التفت اليهم قائلاً:
"لما خلق الله الحيوانات كانت توقّر الانسان لأنه على صورة خالقه. ولكن لمّا تعدّى الشريعة صار يخافها. فإن نحن احببنا الرب يسوع وحفظنا وصاياه فلا يقدر حيوان أن يؤذينا".
مدافعاً عن إكرام ايقونات
إلى ذلك لعب القدّيس يوانيكيوس دوراً مهماً في الدفاع عن الإيمان القويم لا سيما ما يختص بإكرام الايقونات، وكانت تربطه بالبطريرك مثوديوس القسطنطيني صداقة عميقة.
قيل ان الامبراطور ثيوفيلوس، وهو أكثر الأباطرة المضطهدين للإيقونات تشدداً، بدأ يشك في سنواته الأخيرة في صلاح قناعاته. فقام وأوفد الى يوانيكيوس بعثة يستشيره فكان جواب القدّيس واضحاً صريحاً لا مساومة فيه: "من لا يكرم ايقونات الرب يسوع المسيح ووالدة الاله والقدّيسين لا يدخل ملكوت السموات حتى ولو كانت حياته على الارض منزّهة عن كل شائبة. فكما يعاقب من يحتقرون صورتك، أيها الامبراطور، بقسوة، كذلك يلقى من يسخرون من ايقونة المسيح في النار الأبدّية". ومرت سنة على مشورة القدّيس يوانيكيوس للامبراطور (842) واذا بهذا الأخير ينطرح على سرير المرض وتأتي ساعته، فيؤتى له بناء لطلبه بإيقونه السيد فيقبلها ويضمها دامعاً نادماً ويلفظ أنفاسه. وبوفاة الامبراطور ثيوفيلوس انتهت حرب الايقونات. وقد كانت نصيحة القدّيس يوانيكيوس لما استشير ان يُعامَل محاربو الايقونات بروية واعتدال ويُبتَعد عن القسوة.
رقاده
رقد القدّيس يوانيكيوس بسلام في الرب في الرابع من تشرين الثاني من العام 846 للميلاد بعدما أسرّ اليه الله بيوم وفاته. وقد عاين رهبان جبل الاوليمبوس عامودا يرتفع من الأرض الى السماء يوم وفاته. والى رفاته تنسب عجائب كثيرة واليه تعزى الصلاة المعروفة:" الآب رجائي والابن ملجائي والروح القدس وقائي أيها الثالوث القدّوس المجد لك".



