أنت هنا
القائمة:
- كلمة راعي الأبرشية
المعنى الإلهي للعائلة المسيحية
العائلة خليقة الله:
"فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ.." (تكوين٢٧:١-٢٨).
إن بداية الحديث عن العائلة، يبدأ بالتكوين. فالعائلة ذكر وأنثى وأساسها إلهيّ، الذكر ليكون أبًا والأنثى لتكون أمّاً. هذا ما يُطالعنا الكتاب المقدّس في سِفر التكوين في إصحاحه الأوّل بالأسس الإلهيّة للعائلة: الله خلق الإنسان وبارك زواجه ونسله. هذا الأمر واضح منذ اللحظة الأولى لجبل الإنسان وإعطائه نسمة الحياة. عندما خلق الله الذكر، وعاد وخلق حواء معينًا ونظيرًا لآدم في الكرامة الإلهيّة نفسها (تك١٨:٢)، باركهما لأن كِلا منهما له دور جوهري لا يمكن للجنس الآخر أن يأخذه.
هذا المعنى الإلهي موجود أيضًا في العهد الجديد، مع رسالة السيد المسيح واعلانه بأن "الإثنين هما جسدًا واحدًا، وما جمعه الله لا يفرّقه إنسان" (مت ٩١:٦). هذا الإعلان واضح في رسالة الزواج في التي يتلوها علينا القديس بولس: "الرجال أحبّوا نساءكم، كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا لِكَيْ يُقَدِّسَهَا". وأيضًا يقول: "أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا للرّبّ، لأن الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ". (أف 5: 22-23)
المحبة هي عنوان العلاقة الحقيقية والصحيحة بين الزوج والزوجة. هي نفسها محبة الله المتمثلة في الإنسان يسوع، "هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به" (يو 3: 16). لذلك لا وجود خضوع اضطراري أو سلطوي أرضي ظالم على الاشخاص، إنّما طاعة في المحبّة القصوى والتضحية وبذل الذات المطلوب مِن الرجل، تجاه زوجته، كما مِن المرأة تجاه زوجها. فكل شيء مبني على محبّة المسيح لنا الذي أكّد عندما خلق المرأة أنّها معينة نظيرةً للرجل ومساوية له في الكرامة الإلهيّة. إلا أن لكل منهما دور لبناء العائلة. وبقدر ما يقترب الزوج والزوجة من الرّبّ يسوع المسيح في حياتهما الزوجيّة واليوميّة، بقدر ما يتحقّق الزواج بينهما، ويصبحان بالرب واحدًا.
العائلة هدف بحد ذاتها:
مع تكوين العائلة في سفر التكوين، أراد الله في هذا المشروع أن يشارك الإنسانية في ذاته، أي في حياته الداخلية كثالوث أقدس في جوهرة واحد غير منقسم، ولكن في نفس الوقت في حركة مستمرة ودائمة من العلاقات والمشاعر والمحبة... فالهدف من تكوين العائلة هو عيش هذا المشروع بكل جوانبه. فالعائلة مشروع قداسة، ومِن رحمها يخرج قدّيسون إذا سكن الله فيها أوّلًا ودائمًا. سير القدّيسين مليئة بعائلات نقلت القداسة لأولادهنّ، "فإن لم يبنِ الرب البيت فباطلًا يتعب البناؤون" (مز 127: 1).
لا أحد يعرف مصلحة الإنسان ويريد خلاصه أكثر من الذي خلقه ودعاه للقداسة والحياة الأبديّة. فالله الآب كان وما زال، وسيبقى صاحب المبادرات الخلاصية، وهذا واضح عبر تاريخ البشرية جمعاء، وأستطيع أن أقول في كل الأديان. ولا أحد يُخلّص الإنسان إلّا الله الذي تجسّد من أجله وصُلِبَ عنه وأقامه معه من بين الأموات ليعيده إلى الملكوت السماويّ. فالله أب حنون أتى إلينا ليعيدنا إليه. هكذا تكون المحبّة: لقاء وتضحية وخلاص. ولذلك فالعائلة هي مشروع قداسة متواصل، لا يبطئ ولا ينتهي، الى أن نصل جميعنا لمشاهدته وجهًا الى وجه، فنكون بذلك قد وصلنا على ملء قامة المسيح. ولأن العائلة هي مشروع قداسة عبر التاريخ، فقد بارك الله كلّ الأجداد والآباء والامّهات الذين ولدوا أولادًا بالجسد أو بالروح، ورحم كلّ من رقد منهم على رجاء القيامة المجيدة.
عائلة اليوم:
لا شك أن عالمنا اليوم، عالم كثُرت فيه الايدولوجيات واختلفت فيه طرق الحياة، وأمور أخرى طبعت وصقلت شخصيات كثيرة فيه. ويشهد عالمنا اليوم تحت عنوان الحريّة والثقافة تغيّرًا في الركائز الأساسيّة لكثير من المفاهيم الاجتماعية والتربويّة، وهذا يؤثّر على أولادنا والأجيال اللاحقة. وأصبحت هذه المفردات مستعملة كأن الرّبّ يسوع المسيح أو الرسل الأطهار أو الآباء القدّيسون، على مر العصور، غفلت عنهم الثقافة والحريّة، علمًا أنهم كانوا السبّاقين لها، وهذا واضح في معظم رسائل الكتاب المقدّس.
لا أحد يعرف مصلحة الإنسان ويريد خلاصه أكثر من الذي خلقه ودعاه للقداسة والحياة الأبديّة. لا أحد يعرف مصلحة الإنسان ويريد خلاصه ويعطيه الحريّة الحقيقيّة التي تبني ولا تهدّم، أكثر من الذي خلقه ودعاه للقداسة والحياة الأبديّة. الله أب حنون أتى إلينا ليعيدنا إليه. أرسل لنا الروح القدّس لنعي كلمة الحياة ونتقدّس بها أفرادًا وعائلات، ونحيا معه إلى الآبد لأن يسوع هو الحياة.