أنت هنا

04/02
 

القديس البار إيسيدورس الفرمي (+435م) 

(4/2 شباط)

ولد القديس إيسيدورس الفرمي في مدينة الاسكندرية، فيما يبدو، قرابة العام 360م . وهو نسيب البطريرك ثيوفيلوس وابن أخته القديس كيرللس الاسكندريين. تلقّى تعليما ممتازا في الالهيات والفلسفة وذاع صيته لتقواه ومعرفته العميقة للكتاب المقدّس، نصا وتفسيرا. وصلنا منه عدد كبير من الرسائل يزيد على الألفين يستفاد منها انه خبر الحياة الرهبانية وكان مشهورا في الأوساط النسكية. بعض المعلومات يفيد ان أهل البلاد والأساقفة عزموا على تقدمته بطريركا للكرسي المرقسي في الاسكندرية فهرب ليلا إلى جبل الفرما وترهب في دير هناك ثم انتقل إلى مغارة صغيرة أقام فيها ناسكا بضع سنوات. كذلك قيل انه ارتدى ثوبا من الشعر الخشن واكتفى بالأعشاب قوتا. عُرف بالأنبا إيسيدورس وأورد قوم انه صار رئيسا للرهبان في ناحيته. غير ان آخر الاستطلاعات بشأنه يميل إلى القول بأنه كان راهبا وحسب ولم يرأس ديرا ولا ترأس على جماعة. دعاه القدامى "كاهنا صحيح الايمان، ممتلئا حكمتة إلهية ومعرفة كتابية". واعتبره آخرون "هيكلا للمسيح وإناء لخدمة الكنائس وخزانة للكتاب المقدس".

قيل عن إيسيدورس انه اتخذ القدّيس يوحنا الذهبي نموذجا له. بعض الكتبة ذهب إلى حدّالقول انه كان تلميذا له. ليس في رسائل قديسنا ما يؤكد ذلك، لكنّ الثابت انه كان يكنّ للذهبي الفم تقديرا كبيرا كأسقف وواعظ. هذا بيّن في رسائله ذات الأرقام 1و 152و 156.

عن ر سائله قال القديس فوتيوس القسطنطيني الكبير انه والقديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللآهوتي أبرز من كتب الرسائل في المسيحية. وهو يعتبر إيسيدورس نموذجا لا للحياة الكهنوتية والنسكية وحسب، بل لاسلوبه وصناعة الكتابة. هذا ويتبين من رسائل القديس إيسيدورس انه كان صاحب شخصية فذّة. مصدر رسائله الأول الكتاب المقدس، لكنه عرف الكتبة المسيحيين الأوائل أيضا. بعض المقاطع من رسائله  مأخوذ كلممة فكلمة عن القديس اقليمس الاسكندري. ثقافته العامة واسعة وهو يعتبر ان لكل أصناف العلوم قيمة عظيمة إذا كانت تمجّد الحقيقة الالهية. على المسيحي في نظره ان يكون كالنحلة يستخرج الغذاء حتى من كتابات الفلاسفة الوثنيّين (رسالتان2و3). ديموستينوس وأفلاطون وأرسطو وهوميروس هم المفضلون لديه بين الفلاسفة. استشهاده ببعضهم كديموستينوس كثيف.

بالإضافة إلى علم إيسيجورس الكبير يظهر، لدى الرجل، من خلال رسائله، اهتمام واضح بمسائل تمتّ إلى العالم وإلى الكنيسة، إلى خدّام الكنيسة وعامة المؤمنين، إلى الحكومة المدنية والسلطة الكنسية، إلى المسائل الأخلاقية والعقيدة. في كل هذه الميادين كان إيسيدورس رجل الجرأة والضمير والمحبة. كان لا يتورّع عن توجيه اللوم إلى كبار المسؤولين، حتى للأمبراطور نفسه وكذلك للأساقفة والبطاركة محذّرا ومرشدا وناصحا.

تغطّي رسائل القديس مرحلة تمتد أربعين سنة من عمره، من السنة 393 إلى السنة 433م. لا نعرف عدد رسائله أصلا وإن كان عدد ما وصلنا منها ألفين واثنتي عشرة. بعض القدامى تحدّث عن ثلاثة آلاف والأقباط يذكرون ثمانية عشر ألفا.ميزة رسائله، بعامة، انها مقتضبة، ذات اسلوب سلس، أنيقة، ممتع، ممتلئة نارا إليه. تنفذ إلى العقل والقلب بيسر.

أكثر رسائله يعالج موضوعات كتابية. يتبع القجيس في ذلك أسلوب المدرسة الانطاكية ويرفض الادعاء المبالغ فيه ان صور المسيح هي عبر كل العهد العتيق. هذا في نظره كفيل بحمل الوثنيّين والهراطقة على الشك في المقاطع الكتابية المسيحانية الحقانية. إلى ذلك، بين رائله، عدد من المباحث النسكية والأخلاقية. يتناول أبسط القواعد ألأخلاقية ويمتد إلى أسمى مبادىء الكمال الانجيلي. وكلها تشهد لعمق حكمة الرجل واستقامته. ملكون السماوات عنده قائم على أساس الفقر الطوعي والامساك شرط ان تكون الطاعة للوصايا كاملة وان تكون الفضائل موضع ممارسة. النسك لا يكفي. الروح هو الأساس. لذا قال:"لست ناسكا كاملا اذا كان لك طعام وشراب وسرير يوحنا المعمدان. لتصل إلى الكمال، تيجب ان تكون لك روحه". ترقى العذرية من دون محبة القريب ومن دون تواضع لا قيمة لها. هذه هي المبادىء التي لا يكفّ إيسيدورس عن التذكير بها، لا سيما الرهبان والكهنة والأساقفة الذين ليسوا في مستوى ما دعوا إليه.وجّه قديسنا ثمانية من رسائله (الباقية لدينا) إلى القديس كيرللس الاسكندري. في بعضها يدعوه إلى التمسك بالايمان القويم إلى آخرنقطة. وفي تعضها يأخذ عليه تصرفه في مجمع أفسس. في إحداها قال:"بعض الذين اجتمعوا في أفسس يلومونك لتركيزك على عداوتك الشخصية، لا كمن يحمل في قلبه قضية الرب يسوع المسيح" (الرسالة 310). وعندما بلغه احتدام الموقف بين القديس كيرللس والبطريرك يوحنا الانطاكي إثر مجمع أفسس، بعث إليه برسالة دعاه فيها إلى التنازل والتفاهم والتعاون مع البطريرك الانطاكي. مما قاله:"كأب لك، طالما أحببتَ ان تدعوني كذلك، أو بالأحرىكابن لك، التمس منك ان تضع  حدا لهذا الخلاف حتى لا تخلق انشقاقا أبديا بحجّة التقوى"(الرسالة370).

رقد القديس إيسيدورس في الرب في العام 435م وقيل في العام 449م