استهل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عظته مترئسا قداس الأحد قائلا "عندما سمع تلميذا يوحنا، شهادته عن يسوع غداة اعتماده، بوحي من الروح القدس، انه "حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم"، تبعا يسوع. ولما رآهما، أدرك ما في قلبيهما من شوق لمعرفته، فسألهما: ماذا تريدان؟". وكان جوابهما النابع من هذا الشوق: "يا معلم، اين تقيم؟" فأجابهما: "تعاليا وانظرا" (يو 1: 38-39). نصلّي كي يولد في قلوبنا هذا التوق لمعرفة يسوع، وللتتلمذ له. مدرسته هي اولاً واساسًا شخصه، ثم تعليمه. فاذا عرفناه شخصيًا احببناه، واحببنا تعليمه وتشوّقنا لمعرفته، كما يعلمنا اياه في الانجيل وتُعلمه الكنيسة". وأشار البطريرك الراعي في عظته إلى احتفال الكنيسة في السابع عشر من كانون الثاني يناير بعيد القديس انطونيوس الكبير، أبي الرهبان، وقال "نوجّه التهنئة لراهبانياتنا المارونية بالعيد وبتجديد النذور الرهبانية، سائلين لها دوام التقدم والازدهار مع تقديس أعضائها".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته إلى أن لبنان "كما يصفه القديس البابا يوحنا بولس الثاني "قيمة حضارية ثمينة"، و"يشكّل ارثًا للبشرية، كونه مهد ثقافة عريقة واحدى منارات البحر الابيض المتوسط" كما يستهل الارشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان. فعلى ارضه تلاقي الاديان وحوار الحضارات، وعيش المسيحيين والمسلمين معًا بالمساواة، وهو مصدر استقرار لبناء مجتمع اخوّة وسلام (راجع: شرعة العمل السياسي بكركي 5 آذار 2009، ص 27). وتابع غبطته قائلا " لبنان هذه الجوهرة الثمينة بات في حالة تقويض لم نكن ننتظرها في مناسبة الاحتفال بمئويته الاولى: تأليف الحكومة معطّل، القضاء فريسة التدخل السياسي والمذهبي، الاقتصاد مشلول في كل قطاعاته، نصف مدينة بيروت مهدّم، سكانه منكوبون، اهالي الضحايا مهمَلون، نصف الشعب اللبناني في حالة فقر. ان الباب المؤدّي الى طريق الحلّ لكل هذه الامور هو تشكيل حكومة انقاذ مؤلفة من نخب لبنانيّة، شخصيات نَجحَت وتفوقّت في لبنان والعالم، وتَتوقُ إلى خدمةِ الوطن بكل تجرّد، وتحملِ مسؤوليّة الإنقاذ وترشيدِ الحوكمة. فالمطلوب من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف ان يقدّما للشعبِ أفضلَ هذه الشخصيّات، لا من يَتمتّع فقط بالولاءِ للحزبِ أو بالخضوعِ للزعيم. لبنان يزخر بشخصيات تعطي اللبنانيين والعالم صورة وطنهم الحقيقية".
وأضاف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يقول في عظته "من هذا المنطلق، سعيت شخصيًا بحكم المسؤولية الى تحريك تأليف الحكومة من أجل مصلحة لبنان وكل اللبنانيين. فلقي كثيرون في هذه المساعي بارقة أمل. وكون الدستور يُحدّد بوضوح دور كلٍّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، تمنّيت عليهما أن يعقدا لقاء مصالحة شخصية تعيد الثقة بينهما، فيُباشرا الى غربلة الاسماء المطروحة واستكشاف اسماء جديدة وجديرة، واضعين نصب اعينهما فقط المصلحة العامة وخلاص لبنان، ومتجاوزين المصالح الآنية والمستقبلية، الشخصية والفئوية. وفي هذه الحالة نتمنى على فخامة رئيس الجمهورية اخذ المبادرة بدعوة دولة الرئيس المكلّف الى عقد هذا اللقاء. فالوقت لا يرحم، وحالة البلاد والشعب المأساوية لا تبرّر على الاطلاق أي تأخير في تشكيل الحكومة". وتابع غبطته قائلا "الدستور والميثاق الوطني المجدَّد في اتفاق الطائف، ثلاثة توجب على السلطة السياسية التقيّد بنصوصها وبروحها، واستكمال تطبيقها، وتصويب ما اعوج منها في الممارسة، وتعزيز استقلالية القضاء كسلطة رابعة مستقلة، وحماية مؤسسة الجيش في كرامتها وهيبتها وكامل حقوقها. ان كرامة اللبنانيين من كرامة الجيش، والثقة بالقضاء هي الثقة بلبنان. إذا كانت لنا دولة تضع القانون فوق الجميع، وتحافظ على فصل الدين عن الدولة، ولا يستغل فيها السياسيون الطائفة والمذهب لاغراضهم السياسية، وإذا كانت لنا حكومةٌ ولاءُ وزرائها للبنان فقط دون سواه، عندها نستطيع القول: ان فجرًا جديدًا اطلّ على لبنان، ولا حاجة لدعوة الى تغيير النظام، بل للتقيّد به".
وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "بإيمان ورجاء نكل الى عناية الله وطننا وشعبنا، راجين العودة الى العيش في حياة مخلصة مع المسيح الرب، والاستنارة بكلامه الحي، هاتفين مع صاحب المزامير: "كلمتك مصباح لخطايَ ونورٌ لسبيلي" (مز 119).