ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان رفع خلاله الصلاة على نيّة الأشخاص الذين يعملون في خدمة دفن الموتى وقال نصلّي اليوم من أجل الأشخاص الذين يهتمّون بدفن الموتى في هذا الوباء. إن دفن الموتى هو أحد أعمال الرحمة وليس أبدًا أمرًا جميلاً. لنصلِّ من أجلهم هم الذين يخاطرون بحياتهم وبنيل العدوى.
استهل الأب الاقدس عظته انطلاقًا من الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجية اليوم من القديس يوحنا الذي يقول فيه يسوع لتلاميذه: "إِذا أبغَضَكُمُ العالَم فَاعلَموا أَنَّه أَبغَضَني قَبلَ أَن يُبغِضَكم. لو كُنتُم مِنَ العالَم لأَحَبَّ العالَمُ ما كانَ لَه. ولكِن، لأَنَّكم لَستُم مِنَ العالَم إِذ إِنِّي اختَرتُكم مِن بَينِ العالَم فلِذلِكَ يُبغِضُكُمُ العالَم"، قال البابا فرنسيس إن يسوع يتحدّث مرارًا عن العالم، وعن بغض العالم له ولتلاميذه ويصلّي إلى الآب ألا ينزعهم من العالم وإنما أن يحفظهم من روح العالم. وتساءل البابا في هذا السياق: "ما هو روح العالم؟ ما هي هذه الدنيوية القادرة على البغض وعلى تدمير يسوع وتلاميذه لا بل على إفسادهم وإفساد الكنيسة؟"، إنها اقتراح حياة، إنها ثقافة، ثقافة الزائل وثقافة الظهور وقيمها سطحيّة. إنها ثقافة لا تعرف الأمانة لأنها تتغيّر بحسب الأوضاع وتساوم على كل شيء. إنها ثقافة الدنيوية، ويسوع يصلّي لكي يحفظنا الآب من من ثقافة الدنيوية هذه. إنها ثقافة الأمور التي "يمكن التخلّص منها" بحسب مصالحنا وما يناسبنا. إنها ثقافة بدون أمانة وأسلوب حياة العديد من الأشخاص الذين يقولون إنهم مسيحيون. إنهم مسيحيون ولكنّهم دنيويّين.
أضاف الأب الاقدس يقول يسوع في مثل الزرع الذي يقع على الأرض أن هموم العالم، أي الدنيوية، تخنق كلمة الله ولا تسمح لها بأن تنمو؛ وذكر البابا في هذا السياق كتاب الأب "De Lubac" الذي يتحدّث فيه عن الدنيوية الروحيّة ويقول إنها الشر الأسوأ الذي يمكن أن تتعرّض له الكنيسة. إن الدنيوية الروحية هي أسلوب حياة، حتى بالنسبة لبعض المسيحيين. ولكي تعيش إزاء البشارة في الإنجيل هذه الدنيوية الروحية تبغض وتقتل. وأشار البابا في هذا السياق إلى الشهداء الذين قُتلوا بسبب إيمانهم والذين قتلتهم الدنيوية التي تبغض الإيمان.
تابع الحبر الأعظم يقول الدنيوية ليست سطحية أبدًا بل هي تملك جذورًا عميقة وهي تتغيّر بحسب الأوضاع والظروف ولكنّ جوهرها هو نفسه: إنه اقتراح حياة يدخل في كلِّ مكان حتى في الكنيسة. وذكر البابا فرنسيس في هذا السياق بخطاب القديس بولس في الأريوباغس عندما لفت انتباه سامعيه بتحدّثه عن الإله المجهول وبدأ يبشّرهم بالإنجيل ولكن عندما وصل إلى الصليب والقيامة أصبح حديثه بالنسبة لهم حجر عثرة فتركوه وذهبوا. هناك أمر لا يسمح به روح العالم وهو عثرة الصليب. لأنّ الدواء الوحيد ضدّ روح العالم هو المسيح الذي مات وقام من أجلنا. يقول القديس يوحنا الرسول إن الغلبة ضدّ العالم هو إيماننا. الانتصار الوحيد هو الغيمان بيسوع المسيح المائت والقائم من الموت، وهذا الأمر لا يعني أن نصبح متطرّفين ونتوقّف عن الحوار مع جميع الأشخاص وإنما أن نعرف أنَّ الغلبة ضدّ روح العالم هو إيماننا، عثرة الصليب.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لنطلب من الروح القدس في هذه الأيام الأخيرة من زمن الفصح نعمة أن نميّز ما هي الدنيوية وما هو روح العالم وألا نسمح لأحد بأن يخدعنا لأنّ العالم يبغضنا، والعالم قد أبغض يسوع ويسوع قد صلّى إلى الآب لكي يحمينا ويحفظنا من روح العالم.
وفي ختام الذبيحة الإلهية وبعد أن منح البركة بالقربان المقدّس دعا البابا فرنسيس المؤمنين ليقوموا بالمناولة الروحية رافعًا هذه الصلاة: يا يسوعي أنا أؤمن بأنّك حاضر حقًّا في سرّ القربان المقدس. أحبُّك فوق كلِّ شيء وأرغب في أن تسكن في نفسي. وإذ لا يمكنني أن أتناولك بشكل أسراري تعال إلى قلبي بشكل روحي؛ ومتى أتيت سأعانقك وأتّحد بك بكلِّيَتي، فلا تسمح أبدًا لشيء بأن يفصلني عنك.