أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول تتمحور بشارة القديس بولس حول يسوع وسره الفصحي. في الواقع، يقدم الرسول نفسه كمبشر للمسيح والمسيح المصلوب. وبالتالي يذكّر أهل غلاطية، الذين تعرّضوا لتجربة أن يؤسسوا تديُّنهم على الحفاظ على الشرائع والتقاليد، بمحور الخلاص والإيمان: موت الرب وقيامته. ويقوم بذلك إذ يضع أمامهم حقيقة صليب يسوع، ويكتب: "مَنِ الَّذي فَتَنَكُم، أَنتُمُ الَّذينَ عُرِضَت أَمامَ أَعيُنِهِم صُورةُ يَسوعَ المسيحِ المَصْلوب؟".
تابع الأب الأقدس يقول اليوم أيضًا، يبحث الكثيرون عن ضمانات دينيّة بدلاً من الإله الحي والحقيقي، ويركزون على الطقوس والشرائع بدلاً من أن يعانقوا إله المحبة بكامل كيانهم. لهذا يطلب بولس من أهل غلاطية أن يعودوا إلى الجوهري، إلى الله الذي يعطينا الحياة في المسيح المصلوب. وهو يشهد على ذلك بضمير المتكلم: "لقد صُلِبتُ مع المسيح. فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ". وفي نهاية الرسالة يؤكد: "أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!".
أضاف الحبر الأعظم يقول إذا فقدنا خيط الحياة الروحية، وإذا أثقلتنا آلاف المشاكل والأفكار، فإننا نتبنّى نصيحة بولس: لنضع أنفسنا أمام المسيح المصلوب، ولننطلق من مجدّدًا. لنمسك الصليب بين أيدينا، ولنضمّه على قلوبنا. أو لنتوقف في العبادة أمام القربان المقدس، حيث يقيم يسوع الخبز الذي كُسِر من أجلنا، المصلوب القائم من الموت، قوة الله الذي يسكب محبته في قلوبنا.
تابع البابا فرنسيس يقول والآن، إذ يقودنا القديس بولس، لنقم بخطوة إضافيّة. لنسأل أنفسنا: ماذا يحدث عندما نلتقي بيسوع المصلوب في الصلاة؟ يحدث ما يحدث تحت الصليب: يسوع يسلم الروح، أي يعطي حياته. والروح القدس الذي ينبعث من فصح يسوع هو مبدأ الحياة الروحية. هو الذي يغير القلب: لا أعمالنا، وإنما عمل الروح القدس فينا! هو الذي يقود الكنيسة ونحن مدعوون لكي نطيع عمله الذي يمتدُّ حيث يريد وكما يريد. من ناحية أخرى، كانت الملاحظة بالتحديد بأن الروح القدس نزل على الجميع وأن نعمته عملت بدون أي استثناء وأقنعت حتى أكثر الرسل ترددًا أن إنجيل يسوع موجّه للجميع وليس لقلة مميزة. وهكذا تتجدد حياة الجماعة في الروح القدس؛ وبفضله على الدوام نغذي حياتنا المسيحية ونواصل جهادنا الروحي.
أضاف الأب الأقدس يقول يُشكّل الجهاد الروحي أيضًا تعليمًا آخرًا عظيمًا للرسالة إلى أهل غلاطية. يقدم الرسول وجهين متعارضين: من ناحية "أعمال الجسد"، ومن ناحية أخرى "ثمر الروح القدس". ما هي أعمال الجسد؟ إنها تصرفات مخالفة لروح الله، ويسميها بولس الرسول أعمال الجسد ليس لأن هناك شيئًا خاطئًا أو سيئًا في جسدنا البشري؛ لا، وقد رأينا كيف يصر على واقعية الجسد البشري الذي حمله المسيح على الصليب! إن كلمة الجسد هي كلمة تشير إلى الإنسان فقط في بعده الأرضي، المنغلق على نفسه، في حياة أفقية، يتبع فيها الغرائز الدنيوية ويغلق الباب أمام الروح القدس، الذي يرفعنا ويفتحنا على الله والآخرين. لكن الجسد يذكِّرنا أيضًا أن كل هذا يشيخ ويعبر، ويفسد، بينما يعطي الروح القدس الحياة. لذلك يعدد القديس بولس لائحة أعمال الجسد، التي تشير إلى الاستخدام الأناني للجنس، والممارسات السحرية التي هي عبادة للأصنام وإلى ما يقوض العلاقات بين الأشخاص، مثل الخِصامُ والحَسَدُ والسُّخطُ والمُنازَعاتُ والشِّقاقُ والتَّشيُّع...
تابع الحبر الأعظم يقول أَمَّا ثَمَرُ الرُّوح فهو "المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف"؛ والمسيحيون الذي قد لبسوا المسيح في المعمودية مدعوون لكي يعيشوا بهذه الطريقة. قد تُشكّل ممارسة روحيّة جيّدة أن نقرأ قائمة القديس بولس وننظر إلى سلوكنا، لنعرف ما إذا كان يتوافق معها، وما إذا كنا نحيا حقًّا بحسب الروح القدس، وإذا كانت حياتنا تحمل هذه الثمار. على سبيل المثال، القوائم الثلاثة الأولى هي المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام: من هنا يمكننا أن نعرف الشخص الذي يسكنه روح الله.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول يشكل تعليم بولس الرسول هذا أيضًا تحديًا كبيرًا لجماعاتنا. في بعض الأحيان، يشعر الذين يقتربون من الكنيسة بأنهم يواجهون كتلة كثيفة من الوصايا والشرائع. ولكن، في الواقع، لا يمكن للمرء أن يدرك جمال الإيمان بيسوع المسيح انطلاقًا من العديد من الوصايا ومن رؤية أخلاقية يمكنها، إذ تنمو وتتطوّر في تيارات عديدة، أن تجعلنا ننسى الخصوبة الأصلية للحب الذي تغذيه الصلاة التي تمنح السلام والشهادة الفرحة. كذلك فإن حياة الروح التي يتمُّ التعبير عنها في الأسرار لا يمكن أن تخنقها بيروقراطية تمنع الحصول على نعمة الروح القدس، صانع ارتداد القلب. لذلك تقع على عاتقنا المسؤولية الكبرى لكي نعلن المسيح المصلوب والقائم من الأموات يُحرّكنا روح المحبة. لأن هذه المحبة وحدها هي التي تملك القوة لكي تجذب قلب الإنسان وتغيره.