تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي. وفي كلمته إلى المؤمنين والحجاج في ساحة القديس بطرس قبل تلاوة الصلاة انطلق قداسته من قراءة اليوم مذكرا بيسوع في الناصرة وتعليمه في المجمع واندهاش أبناء وطنه، أبناء الناصرة حين تساءلوا من أَين له هذه الحكمة؟ أَليس هذا النجار ابن مريم؟ جيراننا الذين نعرفهم جيدا؟ (راجع مرقس ٦، ١-٦). وواصل البابا أن يسوع وأمام رد الفعل هذا قال لهم تلك الحقيقة التي أصبحت أيضا جزءً من الحكمة الشعبية "لا يُزدرى نبي إلا في وطنه وأَقاربه وبيته" (مرقس ٦، ٤)
وأراد الأب الأقدس التوقف بالتالي للتأمل في تصرف أبناء وطن يسوع مشيرا إلى أن بالإمكان القول إنهم كانوا يعرفون يسوع لكنهم لم يتعرفوا عليه، حيث هناك فرق بين المعرفة والتعرف على. يمكننا أن نعرف أشياء مختلفة عن شخص ما وتكوين فكرة عنه والانطلاق مما يقول عنه الآخرون وربما اللقاء به في بعض الأحيان، إلا أن هذا كله لا يكفي، فهذه معرفة اعتيادية، سطحية، لا تتعرف على تفرد هذا الشخص، قال قداسة البابا. وواصل أن هذا خطر نحن جميعا معرضون له، أن نعتقد أننا نعرف الكثير عن أحد الأشخاص، والأسوأ من هذا أن نصنفه ونحبسه في أحكامنا المسبقة. ثم عاد إلى أبناء الناصرة فقال إنهم يعرفون يسوع منذ ثلاثين سنة ويعتقدون أنهم يعلمون عنه كل شيء، وأضاف أن تساؤلاتهم تأتي من عدم الثقة وأنهم لم يتنبهوا في الواقع إلى مَن هو بالفعل، حيث توقفوا عند الأمور الخارجية ورفضوا جديد يسوع.
شدد البابا فرنسيس بالتالي على أننا وحين نمنح الغلبة لراحة العادات ودكتاتورية الأحكام المسبَّقة فمن الصعب الانفتاح على الجديد والدهشة. وقال البابا إنه غالبا ما يحدث أن نبحث في الحياة و الخبرات بل وحتى في الأشخاص عن تأكيد لأفكارنا وأنماطنا كي لا نُجبَر على تعب التغيير. ويمكن أن يحدث هذا مع الله أيضا وذلك لنا نحن المؤمنين، نحن من نعتقد أننا نعرف يسوع ونعرف الكثير عنه وأنه يكفينا تكرار الأشياء ذاتها، إلا أن هذا لا يكفي مع الله. وواصل قداسة البابا أنه بدون انفتاح على الجديد وفي المقام الأول على مفاجآت الله، بدون دهشة، يتحول الإيمان إلى ابتهال متعَب ينطفئ ببطء، إلى عادة، عادة اجتماعية. وتوقف الأب الأقدس عند أهمية الدهشة عند لقاء الله والتي حدثنا عنها الإنجيل كثيرا، وعلينا السير على هذه الدرب لأن هذه الدهشة هي دليل كونه لقاءً حقيقيا مع الله.
تساءل قداسة البابا فرنسيس بعد ذلك لماذا لم يتعرف أبناء وطن يسوع عليه ولم يؤمنوا به، وتابع أنهم لم يقبلوا حجر عثرة التجسد، لم يعرفوا التعرف على هذا السر، فلا يمكن لعظمة الله أن تظهر في صغر جسدنا، ولا يمكن أن يكون ابن الله هو ابن النجار، أن تختبئ الألوهية في البشرية، أن يسكن الله وجه وكلمات وأفعال شخص بسيط. هذا هو حجر العثرة: تجسُّد الله، كونه ملموسا، يوميا، فقد صار الله ملموسا في بشر، في يسوع الناصري، صار رفيق درب، واحدا منا، ولهذا يفهمنا ويرافقنا ويغفر لنا ويحبنا كثيرا. وأضاف الأب الأقدس أن من المريح بشكل أكبر إلها مجردا وبعيدا لا يختلط بالواقع ويقبل إيمانا بعيدا عن الحياة والمشاكل والمجتمع. قد يعجبنا الإيمان بإله يتمتع بـ "مؤثرات خاصة" يفعل فقط أشياء استثنائية ويمنح دائما مشاعر قوية. إلا أن الله قد تجسَّد، متواضعا وحنونا ومختبئا، صار قريبا منا ساكنا طبيعية حياتنا اليومية. وحذر الأب الأقدس من أنه قد يحدث لنا، ومثلما حدث لأبناء وطن يسوع، ألا نتعرف عليه حين يمر، بل وأن يكون لنا حجر عثرة. وذكَّر في هذا السياق بكلمات القديس أغسطينوس حين قال إنه يخشى الله حين يمر وذلك لخوفه ألا يتعرف عليه.
وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته إلى المؤمنين والحجاج في ساحة القديس بطرس قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي داعيا إلى أن نطلب في الصلاة من العذراء التي استقبلت سر الله في حياة الناصرة اليومية أن تكون لنا أعين وقلوب متحررة من الأحكام المسبَّقة ومنفتحة على الدهشة وعلى مفاجآت الله، على حضوره المتواضع والمختبئ في حياة كل يوم.