استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس 8 تشرين الأول أكتوبر وفدا من اللجنة التابعة للمجلس الأوروبي المعنية بتقييم إجرءات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وعقب ترحيبه بضيوفه توقف الأب الأقدس عند عمل خبراء هذه اللجنة مؤكدا اهتمامه بهذا العمل، وذلك لارتباطه بحماية الحياة والتعايش السلمي للبشر على الأرض ونظام مالي لا يقمع أكثر الأشخاص ضعفا وعوزا. ثم ذكَّر قداسته بما كتب في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" حول ضرورة إعادة النظر في علاقتتا مع المال، حيث يبدو هناك في بعض الحالات قبول بسيادة المال على الإنسان. وتابع أنه ومن أجل بلوغ الثراء يحدث ألا يتم الاكتراث بمصدر هذا الثراء وبالنشاطات التي أنتجته وبمنطق الاستغلال الذي يمكن أن يكمن في هذه النشاطات. ويحدث بالتالي أنه يتم في بعض الأوساط لمس أموال تجعل الأيادي تتسخ بالدماء، دماء الأخوة. قد يحدث أيضا، واصل قداسة البابا، أن تُستخدم موارد مالية للإرهاب وذلك لتأكيد هيمنة مَن هو أكثر قوة، مَن يضحي بحياة الأخ بلا رادع لتأكيد سلطته.
عاد قداسة البابا بعد ذلك إلى الرسالة العامة "ترقي الشعوب" للبابا القديس بولس السادس مذكرا باقتراحه في تلك الوثيقة إنشاء صندوق لمساعدة أكثر الأشخاص عوزا، وذلك من الأموال المستخدمة في التسليح وغيره من نفقات عسكرية. وتابع البابا فرنسيس أنه عاد إلى هذا الاقتراح في الرسالة العامة الجديدة Fratelli tutti مطالبا بأنه وبدلا من الاستثمار في الخوف والتهديد النووي والكيميائي والبيولوجي تُستخدم تلك الموارد من أجل "القضاء على الجوع نهائيًّا وتنمية الدول الفقيرة، حتى لا يلجأ سكّانها إلى حلول عنيفة أو خادعة، ولا يحتاجوا إلى مغادرة بلادهم بحثًا عن حياة كريمة" (262).
ثحدث قداسة البابا فرنسيس بعد ذلك عن العقيدة الاجتماعية للكنيسة والتي تشدد على كون العقيدة النيوليبرالية خاطئة، تلك العقيدة التي تفصل بين النظام الاقتصادي والنظام الأخلاقي ولا يعتمد فيها النظام الأول على الثاني بأي شكل. وتابع البابا أن ما يُحدِّثنا عنه سفر الخروج حول عبادة عجل الذهب قد أخذ اليوم شكل صنمية المال ودكتاتورية اقتصاد ليس له وجه إنساني حقيقي ولا هدف (راجع الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" 55). وواصل قداسته مشددا على أن المضاربات المالية التي تهدف بشكل أساسي إلى الربح السهل ما زالت تواصل مجزرتها (راجع الرسالة العامة Fratelli tutti 168).
وفي حديثه عما تهتم به اللجنة، أي مكافحة تدوير الأموال وتمويل الإرهاب، أكد البابا فرنسيس أنه وسيلة للرقابة على حركة الأموال وتمكين التدخل حيثما تظهر نشاطات غير نظامية أو إجرامية. وذكَّر الأب الأقدس هنا بطرد يسوع الباعة من الهيكل وبأنه قد علمنا أنه لا يمكن العمل لله وللمال. وتابع البابا أنه حين يفقد الاقتصاد وجهه الإنساني لا تتم الاستفادة من المال بل يُخدم المال، وهذا شكل من عبادة الأصنام التي علينا أمامها أن نقترح نظاما يقود إلى الخير العام حيث المال يَخدم ولا يحكم. ثم تحدث البابا فرنسيس عن أنه وانطلاقا من هذه المبادئ فإن الفاتيكان قد اتخذ، وذلك أيضا في الفترة الأخيرة، إجراءات في مجال شفافية إدارة الأموال ومكافحة تدوير الأموال وتمويل الإرهاب. وتابع قداسته مذكرا بالإرادة الرسولية التي أصدرها في 1 حزيران يونيو الماضي من أجل إدارة أكثر فعالية للموارد وتعزيز الشفافية والرقابة والتنافس في الإجراءات الخاصة بالعقود العامة. وذكَّر قداسة البابا أيضا بالأمر الصادر في 19 آب أغسطس من إدارة حاكمية دولة حاضرة الفاتيكان الذي يُلزم المنظمات الطوعية والأطراف القانونية بالإبلاغ عن أية نشاطات مثيرة للشكوك.
وفي ختام حديثه إلى وفد اللجنة التابعة للمجلس الأوروبي المعنية بتقييم إجراءات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب شكر البابا فرنسيس ضيوفه على ما يقومون به من عمل وصفه بخدمة تهدف إلى حمايةِ مالية نظيفة يُحرم فيها الباعة من المضاربة في هيكل البشرية المقدس.