لفت الكاهن الإيطالي إلى أن هذا الصرح كان شاهداً منذ نشأته على الكثير من الأحداث التي طبعت العلاقات الإسلامية – المسيحية على مر العصور. وبعد أن تحدث بشكل مسهب عن تاريخ البازيليك قال الأب مونج إن الطابع الكوني الذي يحمله هذا المبنى يتعارض تماما مع النظرة القومية. لذا سبّب قرار إعادة تحويل المتحف إلى مسجد، في الرابع والعشرين من تموز يوليو الماضي، موجة من الانتقادات حتى في الأوساط التركية الداخلية، كما أثارت الانتقاداتِ مداخلةُ المسؤول عن الأوقاف الدينية الإسلامية الذي خاطب المصلين حاملا سيفا بيده اليسرى، مع أن هذا الأمر يرمز إلى "السلام" بحسب التقليد العثماني. هذا ناهيك عن تلاوة سورة الفاتحة والآيات الخمس الأولى من سورة البقرة من قبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وفي رد على سؤال بشأن ردود الأفعال على قرار جعل المتحف مسجداً بعد قرابة التسعين عاماً من تحويله إلى متحف من قبل أتاتورك، قال الكاهن الدومينيكاني الإيطالي إن هذه الخطوة جوبهت بمواقف منددة في العالم العربي والإسلامي، كما في الغرب. وأوضح أن العرب المسلمين بنوع خاص ينظرون بريبة إلى أحلام "العثمانية الجديدة"، ويعتبرون أن هذه المساعي قد تفرض قيودا على الإسلام، فضلا عن سعي تركيا إلى بسط نفوذها على صرح يُعتبر لأهل الكتاب جميعاً.
في سياق حديثه عن تنديد الغرب بهذه الخطوة باعتبار أنها تشكل صفعة للمسيحية، اعتبر مونج أن دور المؤمنين ينبغي ألا يقتصر على حراسة المواقع ودور العبادة، كي يدافعوا عن إرثهم الديني. بل ينبغي أن يتحولوا إلى حجارة حية في صلب هذا التاريخ! وقال إن الرئيس التركي نفسه إردوغان أعلن منذ أشهر قليلة أن المسلمين في اسطنبول لديهم أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة مسجد يصلون فيها. ومن بينها أكبر الصروح الدينية الإسلامية في العالم التي تضاهي بحجمها ورونقها المساجد الموجودة في المدن المقدسة بالنسبة للمسلمين. وتابع الكاهن الإيطالي يقول: مع احترامنا العميق للرفض حيال هذا القرار، لاسيما من قبل العالم الأرثوذكسي، ينبغي ألا ننسى أن المسيحيين لا يحتفلون بطقوسهم الدينية في هذا الصرح منذ أكثر من خمسمائة وستين عاما.
بعدها ذكّر بأن الصروح التي هي تحفٌ فنية وهندسية ليست بالضرورة المكان الأنسب للدخول في أجواء حميمة من الصلاة. مع ذلك لا يمكننا أن نغض الطرف عن الجمال الذي يساعد المؤمن على الدخول في علاقة روحية مع الله ويُشعرنا بوجود قيمة إضافية داخل الأشياء، إنه نافذة مفتوحة على اللامتناهي. هذا ثم استبعد مونج أن يتحول مسجد آيا صوفيا إلى صرح للحوار والتلاقي بين أتباع مختلف الديانات لكن في الوقت نفسه ينبغي أن يساعد الناس على الارتقاء نحو المتسامي وتعلّم الأمور التي توحدهم ولا تفرقهم. وقال إن هذا المكان بجماله الباهر يتحدث عن الله وبالتالي ينبغي أن يبقى رمزا لتنوع الديانات والثقافات.
ختاما رد المسؤول عن مركز الحوار بين الثقافات في اسطنبول على من اعتبروا أن قرار القيادة التركية شكل ضربة للحوار الإسلامي المسيحي وقال إن هذا التوتر يُثبت صحة ما جاء في وثيقة الأخوة الإنسانية أي أن التلاقي الأخوي بين الطرفين لا يمكن أن يحصل بعيدا عن التربية والمعرفة المتبادلة.