أنت هنا
القائمة:
"حسبنا أنّك أمّ لنا.
ونحن في بدايات هذا الشّهر المكرّس للعذراء مريم، نحتفل بالذّبيحة الإلهيّة من مقام العذراء مريم، مقام سيّدة زحلة والبقاع، لا يسعني إلّا أن أتوقّف قليلاً معكم، في تأمّل حول العذراء كأمّ للكنيسة، وكأمّ لكلّ واحد من المؤمنين...هذه الأمومة الرّوحيّة الّتي أعلنها يسوع من أعالي الصّليب قائلاً لها: "أيّتها المرأة، هوذا ابنك"، في إشارة إلى يوحنّا الحبيب... وليوحنّا: "هذه أمّك"، مشيرًا للعذراء مريم...
فالّتي أصبحت أمّ المسيح يوم البشارة، أصبحت عند الصّليب أمًّا لجميع أعضاء جسد المسيح السّرّيّ، الّذي يتكلّم عنه بولس الرّسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنتوس (13/12-30).
وكونها أمّ، فهي قدوة للكنيسة، لكي تكون هذه بدورها أمًّا بتولاً تلد لحياة جديدة خالدة...
وفي الوقت عينه، جعلها المسيح قدوة للمسيحيّين، تحثّهم على أن يتقرّبوا أكثر وأكثر من الّذي قال: "لقد جعلتُ لكم من نفسي قدوة" (يو 13/15).
وفي هذا الحديث الّذي أتوجّه به إلى كلّ مؤمنة ومؤمن في الكنيسة، وبالأخصّ إلى بناتنا وأبنائنا في الشّبيبة الطّالبة المسيحيّة، والشّبيبة العاملة المسيحيّة، والشّبيبة في الصّليب الأحمر، وكاريتاس، وفي كلّ قطاعات عمل الشّبيبة في وطننا الحبيب، ونحن الآن نقيم هذه الذّبيحة الإلهيّة على نواياهم ليقدّسهم الرّبّ بشفاعة العذراء مريم... إنّني إذن أتوجّه إلى المؤمنين، لإبراز بعض الفضائل الكثيرة الّتي تميّزَت بها أمّنا مريم، وكانت قدوة لنا ومثالاً نتشبه به في مسيرتنا الإيمانية...
1- مريم هي مثال لنا في الإيمان بالله والثّقة فيه والاعتماد عليه، منذ أن بشّرها الملاك ولغاية قيامة ابنها من بين الأموات... إختبرت صدق الله وأمانته، فوثقت بكلامه وبمواعيده.
في الظّروف الصّعبة الّتي نعيشها ويعيشها العالم اليوم، كم نحن بأمسّ الحاجة لأن نتشبّه بمريم ونثق بالله أبينا ثقة مطلقة لا تردّدَ فيها، ونثق بمحبّته لنا وبعنايته بنا؟؟ وكم نحن بحاجة لأن نتذكّر دومًا بأنه معنا وفينا...
2- مريم هي مثال لنا في الصّلاة... فهي ولا شكّ كانت تعتبر الصّلاة فخرًا لها وشرفًا كبيرًا... تصلّي بتقوى، وتعيش بعمقٍ حضور الله في حياتها، منذ أن تذوّقته وهي في الهيكل...
وكم نحن اليوم بأمّس الحاجة إلى التّشبّه بمريم، ونتعلّم أنّ أعظم شرف لنا هو التّحدّث إلى الله بصلاة خاشعة ومركّزة، وألّا نفصل بين حياتنا وصلاتنا... فلا نسمح، على مثالها، للساننا الّذي يحمد الله ويمجّدُه في الصّلاة، بأن يجرح القريب ويغتابه وينمّ عليه في الحياة...
3- مريم هي مثال لنا في التّواضع، الّذي هو الفضيلة الأساس في الحياة المسيحيّة... وقد عاشت هذه الفضيلة بعمقها على الرّغم من أنّ الرّبّ قد فضّلها على جميع نساء الأرض، واختارها لأسمى مهمّة... فقالت للملاك: "ها أنا أمّة الرّبّ".
وكم نحن اليوم بحاجة أن نتشبّه بهذه الأمّ العظيمة في تواضعها، فنسعى إلى مقارنة أنفسنا بالصّدّيقين والأبرار وأولياء الله، لنتواضع ونخجل من بُخلنا مع الله وقلّة فضيلتنا وتقوانا، بدل أن نقارن أنفسنا بمن هم أسوأ منّا وشرٌّ منّا، لنتكبّر عليهم ونتباهى بالخير القليل الّذي فينا؟؟
4- مريم هي مثال لنا في الوداعة ومحبّة القريب، وفي المحبّة العمليّة، في القوّة وفي فضائل كثيرة عاشتها بأمانة في حياتها... ونحن مدعوّون لأن نعيشها، لنكون كاملين وقدّيسين كما أنّ أبانا الّذي في السّموات هو "كامل وقدّوس".
أيّها الإخوة، نحن العرب نقول في أمثالنا: "الابن سرّ أبيه، والابنة سرّ أمّها"... ونقول في مثلنا العامّيّ: "طبّ الجرّة ع تمّا، بتطلع البنت لأمّها".
كلّنا نعرف أنّنا أبناء مريم وبنات مريم... فيا ليتنا "نِطْلَع" لأمّنا مريم!! يا ليتنا نتشبّه بأمّنا مريم... وهي لا شيء يفرّح قلبها مثلَ أن نتشبّه بها... يا ليتنا نتذكّر دومًا أنّنا أبناء مريم، فنعمل حريصين على رضاها، ومضحّين في سبيل إكرامها وطاعتها، وراغبين خصوصًا في أن نفرّح قلبها، وألّا نعمل شيئًا لا يليق بها، فنستحقّ أن نكون إخوة يسوع...
فعلى أمل أن يكون هذا الشّهر المبارك، محطّةَ تغذيةٍ لنا، منها نستمدّ قوّةً وأملاً ورجاءً بغد أفضل لنا ولوطننا بشفاعة أمّنا مريم البتول الطّاهرة، الّتي لا تخيّب لأحدٍ منّا أملاً، أتوجّه إليها بهذا الدّعاء:
يا أمّ المسيح وأمّ المسيحيّين، أنت البتول الطّاهرة، وأنت فخر النّساء والأمّهات... أنت شريكة الفادي في فداء البشريّة... أنت شفيعةٌ ومحامية عن البشريّة على الأرض وفي السّماء... أنت حاملة راية النّصر مع ابنك النّاهض من بين الأموات، المنتصر على الموت وعلى الشّرّ... يا ممتلئةً من الرّوح القدس، ويا شفيعة حارّة، يا برج داود ويا كرسيّ الحكمة... نحن أبناؤك نتضرّع إليك بحرارة: فأميلي إلينا نظرَك، ولا تكلينا إلى نصرة بشريّة، بل أنت أبعدي عنّا وعن مدننا وقرانا وعن بيوتنا ومدارسنا وعن عائلاتنا وشابّاتنا وشباننا... كلّ جحافل الشّرّ والرّذيلة الّتي تحاصرنا من كلّ جهة... وإحمنا من كلّ وباء متفشٍّ... وإبقي دومًا لنا وسيطة وشفيعة... فحسبنا أنك أمّ لنا... آمين!".