أنت هنا

Photo Courtesy of Mario Enzler
تاريخ النشر: 
الأربعاء, مايو 13, 2020 - 10:12

القائمة:

 

حارس سويسري سابق يروي ذكرياته مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني

 
اليتيا

نحتفل في ٢٨ أيار/مايو بعيد ميلاد يوحنا بولس الثاني المئة. يستذكر ماريو إينزل البابا – الذي امتدت حبريته بين العامَين ١٩٧٨ و٢٠٠٥، الأطول في تاريخ الكنيسة – بطريقة خاصة جداً.

إينزل حارس سويسري سابق خدم في الفاتيكان بين العامَين ١٩٨٩ و١٩٩٣. يروي إينزل في كتابه الجديد “خدمت قديساً: تأملات حارس سويسري تكريماً للذكرى المئويّة لولادة القديس يوحنا بولس الثاني” ذكرى لقائه بالبابا وملخصاً عن الدروس المُستقاة من البابا البولوني.

لم يكن إينزل حارس سويسري عادي خاصةً انه ولد في بيرغامو، في شمال إيطاليا، لا في سويسرا. عمل بعد خدمته كحارس مستشار مالي في الفاتيكان. استقر منذ فترة هو وزوجته في الولايات المتحدة الأمريكيّة حيث بدأ يُدرّس في الجامعة الأمريكيّة الكاثوليكيّة واستحدث ماجيستر في إدارة الكنائس.

 

تحدث إينزل مع أليتيا عن لقاءاته في الفاتيكان مع البابا القديس يوحنا بولس الثاني.

كيف أصبحت حارساً سويسرياً وخدمت البابا يوحنا بولس الثاني؟

 

ولدت وترعرعت في بيرغامو في شمال إيطاليا. عندما انهيت دراستي الثانويّة، لم أكن أعرف ما أريد القيام به. قال لي والدي انني بحاجة الى هيكليّة معينة لحياتي وانه عليّ الانخراط في الجيش. أحمل جنسيّة ايطاليّة لأنني وُلدت في إيطاليا لكنني سويسري أيضاً كون والدي سويسري. بعد التفكير، اعتبرت ان التجربة السويسريّة أفضل.

وخلال خدمتي في الجيش، قال لي أحدهم: “يبحثون عن جنود للذهاب الى روما وأعتقد أنك تستوفي الشروط.” كنت أعرف تماماً عما يتحدث لكنني لم أتخيّل نفسي في لباس يُشبه لباس المهرج واقفاً لساعات دون الكلام مع أحد. قال لي أن ذلك جزء بسيط من مهام الحارس السويسري فالحارس يحمل لقب “المدافع عن حريّة الكنيسة”. أردت أن أعرف سبب هذا اللقب ومن يريد أن يسلب الكنيسة حريتها.

ما غيّر رأي وقلبي كان لقائي الأوّل بيوحنا بولس الثاني. كنت في القصر الرسولي وقالوا لي انه سيمرّ من هنا وانه عليّ بالتالي احترام البروتوكول لحماية المكان واغلاق الباب. عندما مرّ الى جانبي، كنت في كامل تركيزي. توقف، نظر إليّ ومدّ يده وكأنه يريد مصافحتي ففعل وقال: “أنت جديد هنا” أجبته. “نعم، قداستك” وعرّفته عن نفسي. بعدها وضع يده اليسرى أيضاً على يدي ليغمرها بيدَيه وقال: “شكراً لأنك اخترت خدمة أولئك الذين يخدمون.” وغادر.

فكرت يومها: “ما يحصل أكبر مما اعتقدت سيكون. هذا الرجل مختلف عن كلّ اللذين التقيتهم. فما الذي قصده؟ ربما يقرأ ما في قلبي. عرف تحديداً ما يقوله لكي أسمع أنا صوته.”

أخبرنا أكثر عن تجربتك كحارس سويسري الى جانب البابا…

تختلف مهام الحارس السويسري حسب ساعات النهار. يمضي الكثير من وقته وحده، على الأبواب مثلاً للسماح للناس بالدخول والخروج كما ويمضي ساعات طويلة في القصر الرسولي لضمان أمن المكان. يكون جزء من البروتوكول في احداث كثيرة تُنظم. لا يتفاعل مع قداسته. يراه. دائماً ما يجد البابا طريقة للاقتراب منه وشكره على خداماته أو تبادل بعض الكلمات معه. لم أجلس يوماً مع يوحنا بولس الثاني وأناقش معه اللاهوت، تبادلنا فقط الحديث حول مواضيع عامة مثل الحياة والطقس والرياضة والطعام وغيرها من الأمور البسيطة. وكنت أتأثر كثيراً في كلّ مرّة أراه.

كنت أخاف في كلّ مرّة أتحدث معه. كنت أعرف انه مختلف. وفي كلّ مرّة كان ينطر فيها الي بعينيِه الزرقاوين، كنت أعرف انه ينظر الى داخلي. أمضيت وقتاً طويلاً معه ومع الأم تيريزا والمُشترك بينهما هو انهما عندما كانا يتحدثان معي كانا يركزان عليّ وعليّ فقط. هذه سمة من سمات القديسين. فكم من مرّة نتحدث فيها مع الآخر ونحن نفكر بألف أمر آخر أو يتشتت انتباهنا بما حولنا.

لطالما كان تواجدي في حضرته مؤثراً وفرصة. في بعض الأحيان، كنت أراقبه يتفاعل مع الناس وأركز على ما يقوله وحركاته. كنت انتبه الى حركات يدَيه وصوته وكيف يركز على بعض المفاهيم. كان متحدث موهوب. كنت أراقبه في القداديس حيث كنت أشعر انه انتقل الى مكان آخر وأراقبه بدهشة وهو يصلي بعمق كبير.

 

  ما الذي تعلمته من هذه المشاهدات؟

تعلمت ان الصلاة مهمة جداً وانه عندما نصلي علينا أن نركز على ما نفعل عوض مجرد الصلاة كوننا مجبرين. إن الصلاة حوار مفتوح. علينا ان ننتظر ونُصغي. يهمس اللّه، أقله حسب تجربتي، وعلينا بالتالي الصمت. علينا الانتباه للإشارات الصغيرة والكلمات والصور الصغيرة التي يضعها اللّه في قلبنا وعقلنا. تعلمت نسيان كلّ شيء عند الصلاة وعدم السماح للهاتف بإلهائي بل التركيز فقط على الصلاة.

–       هل شعرت انه تعرف اليك حقاً؟ ها شعرت أنه قادر على النظر الى ما في قلبك؟ 

لا شك في ذلك. ما يمّز قداسته هو أنه كان يتوقف عندما يلقاك وينظر اليك ولا يقول شيء لعشرة أو خمسة عشر ثانيّة قبل أن يتفوه بكلمة. يقف أمامك وينظر اليك وهو أمر مزعج قليلاً للحراس لأنك لا تستطيع التخلي عن تركيزك. لا يمكنك القيام بذلك إلا إن كلمك.

عندما كان ينظر إليّ بعينَيه الزرقاوَين – زرقاوين لدرجة لم أراها عند أحد – كنت أهتز فوراً “إنه يراني” وإن كنت قد قمت بشيء ليست فخور به كثيراً في الأمس، سرعان ما أشعر انه يعرف ويستطيع أن يرى ما يحصل في داخلي.”

 هل تعلمت شيء عنك من خلال التفاعل معه؟

بالطبع، أبرز ما تعلمته هو أن التضحيّة تُعوّض. هذا ما تعلمته بالتحديد من خلال مراقبتي له وقراءة كتاباته والتواجد الى جانبه. كان يتألم كثيراً وكان الألم في قلبه انجيلاً سامياً ولذلك أقول ان التضحيّة تعوّض لأنه عندما نضحي لغاية ساميّة ولخدمة الآخرين، نُكافئ. هذا ما تعلمته وحوّلته الى شعاري. أعطي دوماً كلّ ما عندي. لا أخاف من المعاناة ولا أخاف من التضحيّة وهكذا أربي اليوم أولادي الخمسة وأعيش زواجي منذ ٢٧ عاماً. لا أخاف القول انني طلبت من اللّه نعمة الشجاعة وعدم الخوف من المعاناة.

–       كانت أحداث العالم كثيرة خلال الفترة التي خدمت فيها مع سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي. 

بالفعل! كنت في القصر الرسولي عندما زاره ميخائيل غورباتشوف والقائد البولوني ليش واليسا الذي زار القصر أكثر من مرّة متخفياً.

كان يوحنا بولس الثاني فكراً سياسياً ذكي للغاية لكنه لطالما ركز على الإفخارستيا ولا أعتقد انه قاد يوماً مستنداً الي مشاعره بل دائماً حسب ما يقتديه فكره.

دائماً ما كان يستقبل البابا مدعوين الى الغداء، كان اللقاء الأخير الذي يعقده في نهاره… رأيت الكثير من الشخصيات التي زارته والتي لم تعني لي الكثير حينها.

 

 

      هل من زوار معيّنين لا تزال تذكرهم حتى اليوم؟

كان للبابا صديقة عزيزة على قلبه اسمها واندا بولتاوسكا كانت محتجزة في معسكر اعتقال نازي: حاول الألمان بشتى الطرق قتلها. كانت قريبة جداً من البابا. كانت تمضي مع زوجها وأولادها وأحفادها – في بعض المرات –الصيف في كاستيل غوندولفو. كنت محظوظاً لأنني شهدت على هذه العلاقة المميّزة بين أخ واخته. كانا يحبان ويحترمان بعضهما البعض من خلال المسيح.