أجرى مدير صحيفة الأوسيرفاتوريه رومانو أندريا موندا، مقابلة مع محمد يونس، مبتكر الائتمان الصغير، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام ٢٠٠٦، تحدّث فيها حول الأزمة التي يسببها فيروس الكورونا على صعيد عالمي والعالم في مرحلة ما بعد الوباء. قال محمد يونس يسعدني أن أرى أن البابا فرنسيس يفكر مثلي تمامًا. إن العودة إلى العالم القديم سيكون عملاً مجنونًا، لأن العالم الذي نأتي منه هو عالم غير مضياف جدًا، عالم مرعب، عالم يقتل نفسه بالاحترار العالمي، وتركيز الثروة، والذكاء الاصطناعي الذي يسلب الكائنات البشريّة عملها. وبالتالي تفصلنا سنوات قليلة قبل انهيار العالم كله. من وجهة نظر الاحترار العالمي، لم يتبق سوى القليل من الوقت قبل أن يصبح العالم غير صالح للسكن. وينطبق الشيء نفسه على تركيز الثروة، الذي يشكّل قنبلة موقوتة يمكنها أن تنفجر سياسياً واجتماعياً، وكذلك الذكاء الاصطناعي، الذي بسببه لن يكون هناك عمل أو وظيفة للأشخاص. إنه ليس العالم الذي نريد العودة إليه. وهذا هو المقصد. وقد قدم لنا فيروس الكورونا خدمة عظيمة على الرغم من أنه خلق وضعا مخيفًا للأرض، لأنه أوقف القطار في سباقه نحو الموت. وبالتالي نحن اليوم، أقلّه، لا نركض إلى أي مكان، لقد توقف القطار. ويمكننا ببساطة أن نلقي نظرة من حولنا، ويمكننا أن ننزل من القطار الذي أخذنا إلى نهاية أكيدة ونقرر إلى أين نريد الذهاب لكي نجد اليقين والأمان. نحن بالتأكيد لا نريد العودة: وعدم العودة إلى الوراء يعني أنّه لدينا الفرصة للذهاب إلى مكان آخر.
تابع محمد يونس يقول لكن إن أراد الناس الذهاب إلى مكان آخر، فلن يبقى خيارات كثيرة للذين يتخذون القرارات. لأنه في النهاية، يقرر الأشخاص بأنفسهم إلى أين يريدون الذهاب. هذه هي الديمقراطية. إذا أصبح الرأي العام قوياً، فلا أعتقد أنه بإمكاننا تجاهله. ولذلك أحاول تشجيع الشباب على النظر في الموقف قبل اتخاذ القرارات. إنَّ المراهقين هم الذين يسيرون في الشوارع خلف لافتات "أيام الجمعة من أجل المستقبل". وهم الذين يقولون للعالم أننا نسير في المسار الخاطئ. يتهمون والديهم بأنهم غير مسؤولين وبأنّهم يدفعونهم نحو عالم لا مستقبل لهم فيه. أقول لهم: هذه هي فرصتكم. يمكنكم بناء العالم الذي تريدونه. لذا اتحدوا وافعلوا ذلك. وبالتالي يتعلق الأمر بإقناع الناس بشكل عام والشباب بشكل خاص. إنها مسألة تواصل. وإن أخذ البابا فرنسيس زمام المبادرة، تصبح الرسالة قوية على الفور. لأنَّ الناس يحترمون تفكيره على صعيد عالمي، بغض النظر عن انتمائهم الديني. نتذكر في هذا السياق الأثر الذي تركته آراؤه على مفاوضات باريس للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن الأزمة البيئية العالمية. لقد ساعد نداءه للعالم على التوصل إلى اتفاق باريس. وبالتالي يمكن للبابا فرنسيس أن يلعب دورًا مهمًا في الوقت الحالي. وأنا أطلب منه أن يلعب هذا الدور بحزم.
تابع محمد يونس مجيبًا على سؤال حول المبادرة التي أطلقها من أجل لقاح مجاني ضدّ فيروس الكورونا وفي متناول الجميع وقال يجب أن نتعمق في الأمر. كما ترى، من الخطأ أن نقول إن الشركات تنفق الأموال على تطوير اللقاح. لأنّه في معظم الحالات، تساهم الجامعات بمعرفتها وإبداعها، وتدفع الحكومات مبالغ كبيرة للبحث، ولاسيما لأبحاث اللقاحات. فلماذا إذًا يجب أن تتنازل الجامعات عن حقها؟ لماذا يجب أن تتخلى الحكومة عن حقها؟ أنا لا أنكر على الشركات عائدها العادل على استثماراتها. يمكننا مناقشة مدى ضخامة الاستثمار وما يجب أن يكون عليه الربح الصحيح. كذلك يمكن الدفع للشركات لجعل اللقاح خيرًا عالميًا مشتركًا ولكن يجب أن تكون الملكية للشعب، وليس لشركة. يجب أن يكون خيرًا مفتوح المصدر، بحيث يتمُّ إنتاجه في أي مكان، ومن قبل أي شخص، مع احترام جميع المتطلبات التنظيمية. لأنّنا إن أردنا أن نجعله في متناول الناس في جميع أنحاء العالم في الوقت عينه، فيجب إنتاجه في جميع أنحاء العالم. ليس فقط في مكان واحد أو مكانين، كما يتم ذلك الآن. ذكرت إحدى الشركات سابقًا أن أول اللقاحات المنتجة سيتم تسليمها إلى الولايات المتحدة، وأخرى أن اللقاحات الأولى ستُسلَّم إلى أوروبا. وماذا عن باقي العالم؟ إن لم يُعطى اللقاح لباقي العالم، فستُطرح مشكلة أخرى. سيتم إنشاء نشاط ضخم جديد لإنتاج وبيع اللقاحات المزيفة على الفور. وسيستغرق اللقاح الحقيقي وقتًا للوصول إلى بلايين الأشخاص، وبالتالي فإن صعوبة الحصول على اللقاح ستؤدي إلى هذا الوضع. سيقع الناس في البلدان الفقيرة ضحية لهذه التجارة، إذ لن يتمكنوا من التنافس مع مقدمي العروض الرئيسيين في سوق اللقاح الأصيل. لذلك وقبل ظهور هذا الوضع، يجب على العالم أن يعلن أن اللقاح هو خير مشترك عالمي. بالأمس وجهتُ نداء لقادة العالم، وتم توقيعه أيضا من قبل شخصيات مهمة من جميع أنحاء العالم. وأكرر هذا النداء من خلالكم، من أجل الضغط على الحكومات لكي تلتزم بهذا الإعلان في أقرب وقت ممكن: اجعلوا لقاح فيروس الكورونا خيرًا عالميًّا مشتركًا. وأطلب من البابا فرنسيس أن يدعم هذه المبادرة بصوته القوي.
أضاف محمد يونس مجيبًا على سؤال حول تخيّله للمستقبل بعد وباء فيروس الذي وكما قال البابا فرنسيس بالإضافة إلى كونه مأساة كونيّة قد شكّل فرصة لتطوير مستقبل مختلف وقال أتفق تمامًا مع ما قاله البابا، فقد أدلى ببيان واضح: يجب ألا نعود إلى الوراء. وبالتالي على البابا فرنسيس أن يستمرَّ في تكرار ذلك بطريقة جريئة لكي يسمعه الجميع. إن البابا هو الآن الصوت الأخلاقي للعالم كله. لذلك من المهم للغاية أن يستمر في الإصرار على هذه المسألة. لأنّه من الممكن تغيير هذا العالم. يمكن للبشر أن يفعلوا ما يريدونه. وقوة إرادتهم هي التي ستجعل ذلك ممكنًا. وبالتالي عندما نقرر عدم العودة إلى الوراء، يجب علينا أن نطوِّر السياسات والمؤسسات والهيكليات للتأكد من أننا نسير في الاتجاه الصحيح ونصل إلى هناك بسرعة. علينا أن نطلب من الحكومات توجيه أموال الإنقاذ من أجل دعم المبادرات الهادفة لعدم العودة إلى الوراء بدلاً من توجيهها لتسريع العملية العكسية. إنَّ الموارد ليست مشكلة، لكنَّ الالتزام هو تخصيصها للقضية الصحيحة. نحن بحاجة لعالم جديد يُبنى لنا. فأي نوع من العالم يجب أن يكون؟ من الواضح أنه يجب أن يكون عالمًا مختلفًا تمامًا عن العالم الذي أتينا منه. في العالم الجديد لن يكون هناك احترار عالمي. والبابا فرنسيس قد عبّر عن رأيه حول هذا الأمر. لكن يجب علينا الآن أن نترجمه إلى حقيقة. فالأمر لا يتعلّق بمجرد إعلان قام به الأب الأقدس وإنما يجب علينا جميعًا أن نتحد ونترجمه إلى حقيقة. إن العالم الجديد سيكون عالماً نتشارك فيه الثروة بدلاً من احتكارها كما يتمُّ اليوم. سيكون عالماً بلا بطالة. سيكون العالم الجديد تمامًا عكس العالم الحالي. وبالتالي للانتقال إلى العالم الجديد، نحتاج إلى التحقق من النشاطات التي تساهم في الاحتراز العالمي، وتركيز الثروة أو البطالة. علينا إنشاء نقاط تفتيش لمنع النشاطات الخاطئة من دخول هذا العالم الجديد. لا يمكننا جلب اقتصاد الوقود الأحفوري إلى العالم الجديد. ولذلك يجب أن نقول: عودوا إلى الطاقة المتجددة إذا كنتم تريدون أن تكونوا في قطاع الطاقة. وإن كانت شركة ما تسبب التلوث، لنقل لها أن تعود بنشاطات تخلق اقتصادًا دائريًّا. إن قرّرنا ذلك فبإمكانه أن يتحقق. إنها مسألة قرار. نحن نواجه أكبر تحد وجودي. وعندما تكون الأزمة في أعمق مراحلها، علينا أن نقترح الحلول الأكثر جرأة.