بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للقاء التاريخي بين البابا فرنسيس والبطريرك كيريل في مطار هافانا في كوبا في الثاني عشر من شباط فبراير ٢٠١٦ نظّم المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين وقطاع العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو مؤتمرًا افتراضيًّا تحت عنوان "الكنيسة والوباء: تحديات وآفاق" شارك فيه الكاردينال كورت كوخ رئيس المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين والمتروبوليت هيلاريون رئيس قطاع العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو والمطران رينو فيزيكيلا رئيس المجلس البابوي لتعزيز البشارة الجديدة، وللمناسبة ألقى الكاردينال كورت كوخ مداخلة استهلّها مستعيدًا المبادرات السنوية التي تمَّ القيام بها خلال السنوات الماضية وصولاً إلى يومنا وقال في الذكرى الخامسة، وبسبب الوضع العالمي الحالي المطبوع بأزمة فيروس الكورونا، لم نضطر للبحث عن موضوع لهذا اللقاء؛ من المؤكد أن جائحة فيروس الكورونا لا تظهر في الإعلان المشترك لهافانا لأنه لم يكن من الممكن لأحد أن يتوقع مثل هذا التحدي العالمي، لكن ومع ذلك، هناك العديد من القضايا والمشاكل المرتبطة بالوباء والتي تم تناولها أيضًا في البيان المشترك.
تابع رئيس المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين يقول أولاً، تظهر المشاكل المتعلقة بالتماسك الاجتماعي. في الواقع، لقد وضع الوباء موضع الشك العديد من العناصر التي تم اعتبارها كأمر مسلم به في الحياة اليومية وفي التعايش الاجتماعي للناس. نحن نواجه تحديًا متناقضًا: ففي الوقت الذي نُجبر فيه على الابتعاد عن بعضنا البعض، نشعر أكثر بمدى ارتباطنا ببعضنا البعض ونفهم أننا مدعوون إلى مزيد من التضامن تجاه بعضنا البعض. يولد الوباء العديد من المشاكل النفسية مثل العزلة كنتيجة للقيود التي فرضتها الحكومات، أو التوترات الخطيرة داخل العائلات والمعاناة النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، الذي يتزايد. يشكل الوباء أيضًا تحديًا كبيرًا للمؤسسات الصحية في المستشفيات وفي دور المسنين ويظهر حالة النظم الصحية المختلفة في العديد من البلدان. لا ننسى كذلك المشاكل الاقتصادية الناجمة عن أزمة فيروس الكورونا، إذ فقد الكثير من الناس وظائفهم، واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء مرة أخرى بشكل واضح، فيما تواجه الدول السؤال الملح حول كيفية تسديدها في المستقبل لمليارات الديون المتكبدة من أجل تخفيف حالة الطوارئ الاجتماعية. يؤثر الوباء أيضًا على حياة الكنيسة بشكل أساسي. في مختلف البلدان، كانت إمكانية إقامة الاحتفالات الليتورجية محدودة للغاية أو تم إلغاؤها أثناء الإغلاق. هذا الأمر لا يطرح قضايا سياسية فقط، مثل الحرية الدينية للمؤمنين، وإنما أيضًا قضايا رعوية: يتعلّق الأمر بإن كان المؤمنون سيعتادون على الامتناع عن الاحتفالات الليتورجية أو إذا كانوا سيجدون مجدّدًا الطريق إلى الكنيسة والحياة الليتورجية بعد الجائحة.
أضاف الكاردينال كورت كوخ يقول في رأيي، يكمن الدليل الأول في حقيقة أن أزمة فيروس الكورونا، قد ازدادت العام الماضي بعد وقت قصير من بداية الصوم الكبير، وهي لا تزال تؤثر على العديد من الناس والعديد من المسيحيين كما لو كانت زمن صوم مطوّل. يبدو أن هذا الأمر يشير أيضًا إلى التشابه اللغوي بين المصطلح المستخدم على المستوى العام ضد فيروس كورونا، أي "quarantena" أو "الحجر الصحي"، وزمن الأربعين يومًا الذي هو فترة الصوم الكبير، والذي يُطلق عليه في اللغة الليتورجية للكنيسة اسم quadragesima. يمكن لتفكير موجز في هذه العلاقة اللغوية أن يقدم لنا مؤشراً على كيفية تعاملنا مع حالة الوباء من وجهة نظر دينية.
تابع رئيس المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين يقول يشير الزمن الليتورجي بين أربعاء الرماد وعيد الفصح أولاً إلى أربعين يومًا من صيام يسوع في الصحراء، والتي تشير بدورها إلى الأربعين يومًا التي قضاها موسى صائمًا على جبل سيناء قبل استلامه لكلمة الله على ألواح العهد المقدسة، وللأربعين سنة التي عاشها شعب إسرائيل ضالاً في البرية. في هذه الأربعين سنة، اختبر الشعب الصحراء كزمن شديد الخطورة ومليء بإغراءات كبيرة. كان ذلك الوقت الذي كان فيه إسرائيل غير راضٍ عن إلهه وتذمر عليه، وبالتالي أراد أن يعود إلى وثنيته القديمة. كان هذا هو الوقت الذي تمزق فيه شعب إسرائيل، ودار حول نفسه ولم يعد قادرًا على إيجاد سبيل للخروج. يبدو لي أن فترة الأربعين عامًا في الصحراء التي عاشها شعب إسرائيل يمكن مقارنتها أيضًا بامتداد الصوم الكبير بسبب الوباء. لقد جعلنا الوباء جميعًا نعود، بطريقة جديدة، إلى زمن الصحراء، زمن نواجه فيه نفس ردود أفعال شعب إسرائيل. لكن علينا أن نتذكر أيضًا أن إسرائيل لاحقًا، وبالنظر إلى الوراء، فهم الأربعين عامًا من تجواله في الصحراء على أنها زمن حب الله الأول لإسرائيل وإسرائيل لله. وبطريقة مماثلة، يمكننا أن نرجو ونصلي لكي يصبح زمن أزمة الوباء أيضًا زمنًا للارتداد بالنسبة لنا جميعًا، نعود فيه مجدّدًا إلى الله كمحبين للحياة.
أضاف الكاردينال كورت كوخ يقول من الواضح أننا اعتدنا في حياتنا على الاعتماد على ما هو مرئي ومادي وملموس. أما الآن، فإن فيروسًا غير مرئي ولا يمكن رؤيته إلا باستخدام مجهر دقيق يُظهر العواقب المدمرة التي يمكن أن تنتشر حول العالم. ألن يكون من المستحسن إذًا أن نركِّز أكثر، حتى عندما يتعلق الأمر بالعناصر الإيجابية، على غير المرئي وغير المادي؟ في الواقع، في حياتنا وفي العالم، كثير من الخير هو غير مرئي ومع ذلك يريد أن يستمر في التأثير فينا. هذا الأمر ينطبق بشكل أساسي على الله نفسه، غير المرئي، والحاضر في حياتنا والذي يريدنا نحن البشر أن نفهمه، ويتحدث إلينا أيضًا من خلال الخليقة، وبالتالي فهو ليس صامتًا، كما قد نختبره إذا صمَمنا أذاننا عن حديثه. ثانيًا، نظرًا للتقدم الكبير الذي حققته العلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك تلك المتعلقة بالعالم الرقمي، فقد اعتدنا في العقود الأخيرة على حقيقة أن كل شيء يمكن تحقيقه، مقتنعين بأننا نملك بين يدينا حياتنا وهيكلة العالم. أما الآن، ينتشر فيروس صغير في جميع أنحاء العالم وينتزع من بين أيدينا العديد من الأشياء ولاسيما العديد من الأشياء الأساسية، لذلك يجب أن نعود إلى ذواتنا، ويجب أن نعود لمساءلة أنفسنا بطريقة جديدة حول حالتنا البشرية. لذلك يجب أن تكون هذه الأزمة سببًا وجيهًا لإعادة النظر في هشاشة حياتنا وبالتالي أيضًا في الحدود لما يمكننا القيام به.
وختم الكاردينال كورت كوخ رئيس المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين مداخلته بالقول إنّها فقط بعض الأسئلة التي يجب علينا نحن المسيحيين أن نطرحها على أنفسنا. في الواقع، فقط إذا سعينا ككنيسة، بدءًا من الإيمان، ووجدنا إجابات مفيدة للوباء، سنكون قادرين أيضًا على تقديم مساهمتنا للتغلب على التحديات الاجتماعية والنفسية والصحية والاقتصادية والسياسية العديدة التي ينطوي عليها الوباء.