ترأس الكاردينال جوفاني باتيستا ريه عصر الخميس صلاة الغروب في بازيليك القديس بطرس، عشية عيد القديسة مريم والدة الله وللمناسبة ألقى الكاردينال ريه عظة استهلها بالقول: هذا الاحتفال المسائي يحمل على الدوام جانبًا مزدوجًا: مع الليتورجية ندخل في عيد العذراء مريم أم الله الكليّة القداسة؛ وفي الوقت عينه نختتم السنة الشمسيّة بنشيد التسبيح العظيم. غدًا سنتوقّف عند الجانب الأول، أما في هذه الليلة فسنعطي بشكل وجيز فسحة للشكر على السنة التي تصل إلى نهايتها.
تابع الكاردينال جوفاني باتيستا ريه يقول "نحمدك يا الله ونعلنك ربًّا..." قد يبدو الأمر قسريًّا، ومثيرًا للانزعاج، أن نشكر الله في نهاية عام مثل هذا، قد طُبع بالوباء. لنفكر في العائلات التي فقدت فردًا أو أكثر، لنفكّر في المرضى، والذين عانوا من الوحدة، والذين فقدوا وظائفهم ... أحيانًا قد يسأل أحدهم: ما الهدف من مأساة كهذه؟ لا يجب أن نتسرّع للإجابة على هذا السؤال. حتى الله لا يجيب على أكثر "أسئلتنا" المحزنة باللجوء إلى "دوافع عُليا". إن جواب الله يتبع درب التجسد، كما سننشد في الأنتيفونة قبل تسبحة مريم: "من أجل الحب العظيم الذي أحبنا به، أرسل الله ابنه في جسد الخطيئة".
أضاف الكاردينال جوفاني باتيستا ريه يقول إن إلهًا يُضحّي بالبشر من أجل مخطّط عظيم، حتى لو كان أفضل إله على الإطلاق، هو بالتأكيد ليس الإله الذي أظهره لنا يسوع المسيح. الله أب، "أب أبدي"، وإذا أصبح ابنه إنسانًا، فذلك بسبب شفقة قلب الآب العظيمة. الله راعٍ، وأي راعٍ سيتخلى حتى عن نعجة واحدة، معتبرًا أنه لا يزال لديه العديد من النعاج الأخرى؟ لا، هذا الإله الساخر الذي لا يرحم ليس موجودًا. ليس هذا هو الله الذي "نحمده" و"نعلنه ربًّا".
تابع الكاردينال جوفاني باتيستا ريه يقول إن السامري الصالح، عندما التقى بهذا الرجل المسكين نصف ميت عند قارعة الطريق، لم يلقي له خطابًا ليشرح له معنى ما حدث له، ربما لكي يقنعه بأن ذلك في العمق كان لمصلحته. إن السامري، إذ حرّكته الرحمة، انحنى على ذلك الغريب، معاملاً إياه كأخ واعتنى به وفعل كل ما كان في وسعه أن يفعله. هنا، نعم، ربما يمكننا أن نجد "معنى" لهذه المأساة التي هي الجائحة، فضلاً عن الآفات الأخرى التي تؤثر على البشرية: وهو أن يثير فينا الشفقة ويولّد مواقف وتصرفات قرب وعناية وتضامن.
أضاف الكاردينال جوفاني باتيستا ريه يقول هذا ما حدث ويحدث أيضًا في روما خلال هذه الأشهر؛ وفوق هذا كلّه، نرفع الليلة الشكر لله: على الأشياء الجيدة التي حدثت في مدينتنا أثناء الإغلاق، وبشكل عام، في زمن الوباء، الذي للأسف لم ينتهِ بعد. هناك العديد من الأشخاص الذين، وبدون إحداث أي ضجيج، حاولوا أن يجعلوا ثقل المحنة أكثر احتمالًا. بالتزامهم اليومي، الذي يحركه حب القريب، حققوا كلمات ترنيمة نشيد الشكر "Te Deum": " تباركْتَ، يا ربُّ في كلّ يوم وسُبِّحَ اسمُك إلى الدَّهرِ وإلى دَهرِ الداهرين". لأن البركة والتسبيح اللذان يرضيان الله هما المحبة الأخوية. إنَّ العاملين الصحيين - الأطباء، والممرضين، والممرضات، والمتطوعين - يقفون على خط المواجهة، ولهذا هم على الدوام في صلواتنا ويستحقون امتناننا؛ وكذلك العديد من الكهنة والرهبان والراهبات. ولكنَّ شكرنا يمتدُّ الليلة إلى جميع الذين يجتهدون يوميًّا لكي يسيروا قدمًا بعائلاتهم وخدمتهم للخير العام بأفضل طريقة ممكنة. نفكر بشكل خاص في مدراء المدارس والمعلمين، الذين يلعبون دورًا أساسيًا في الحياة الاجتماعية والذين يتعين عليهم مواجهة أوضاعٍ معقدة. نفكر أيضًا بامتنان بمدراء المصالح العامة الذين يعرفون كيف يقيّمون جميع الموارد الجيدة الموجودة في المدينة وفي الإقليم، والذين يبتعدون عن المصالح الخاصة وعن مصالح أحزابهم أيضًا، ويبحثون عن خير الجميع بدءًا من الأشدَّ عوزًا.
وختم الكاردينال جوفاني باتيستا ريه عظته بالقول لا يمكن لهذا كلّه أن يحدث بدون نعمة الله ورحمته. نحن – ونعرف ذلك جيدًا بفضل الخبرة – في اللحظات الصعبة غالبًا ما نقوم بالدفاع عن أنفسنا – وهذا أمر طبيعي – ونحمي أنفسنا وأحباءنا، ونحمي مصالحنا ... كيف يُعقل أنَّ هناك العديد من الأشخاص الذين، وبدون مكافأة أخرى غير فعل الخير، يجدون القوة لكي يعتنوا الآخرين؟ ما الذي يدفعهم لكي يتخلّوا عن أشياء خاصة بهم، عن راحتهم ووقتهم، وعن ممتلكاتهم، لكي يعطوها للآخرين؟ في العمق، حتى لو كانوا هم أنفسهم لا يفكرون في الأمر، لكنَّ قوة الله هي التي تدفعهم، وهي أقوى من أنانيتنا. لهذا نحمده، لأننا نؤمن ونعرف أن كل الخير الذي يتحقّق يومًا بعد يوم على الأرض يأتي في النهاية منه. وبالنظر إلى المستقبل الذي ينتظرنا نتوسّل إليه مجدّدًا: "لتَكُنْ رَحمَتُكَ علينا، يا رَبُّ بِقَدْرِ ما عَليكَ اتِّكالُنا".