الرجاء، لقد اعتدنا ارتباط بداية الأعوام الجديدة بالتعبير عن الرجاء في مستقبل أفضل. ومع بداية عام جديد نتذكر أن الرجاء هو أيضا ما تحدث عنه البابوات كثيرا وفي أطر متعددة ولكن بالزخم الروحي ذاته. فالبابا بندكتس السادس عشر على سبيل المثال تحدث في رسالته العامة "بالرجاء مخَلَّصون" عن الرجاء المسيحي، لا الفردي بل الرجاء الجماعي، الذي يثق دائما في معونة الله. وتوقف البابا الفخري عند الصلاة كمدرسة رجاء، وكتب: "المكان الأوّل والجوهريّ لفهم الرجاء هو الصلاة. حتى ولو أن الجميعَ رفضوا أن يُصغوا لي، يبقى الله يصغي لي. وإن لم أعُدْ قادرًا على التحدُّثِ مع أحد أو اللجوء لأحدٍ ما، أستطيعُ التحدُّثَ مع الله دائمًا. إن لَم يَعُدْ هناك مَن يُساعدني – حين احتاجُ أمرًا ما أو آملُ بما يفوقُ القدرات البشرية – هو يستطيعُ مساعدتي. إن كنتُ متروكًا في أقصى درجاتِ الوحدة...؛ لكن من يُصلّي لا يكون أبدًا وحيدًا". وكان البابا بندكتس السادس عشر قد تحدث عن الموضوع ذاته في عظته احتفالا بأربعاء الرماد سنة 2008 مشددا على أن الصلاة تنَمي الرجاء وتغذيه، وأننا حين نصلي فإننا نمارس الرجاء دائما.
حبر أعظم آخر، البابا يوحنا بولس الثاني، تحدث عن الرجاء على سبيل المثال قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي عشية عيد الميلاد سنة 1989 مانحا الرجاء معنى الفاعلية والمشاركة. وأشار إلى نهاية عقد من الزمن تمتلئ فيها قلوب المسيحيين والكنائس بالانتظار، انتظام مفعم بالرجاء. وقال إننا نستعد لاستقبال المسيح الذي يأتينا مخلصا للعالم، ونعلم أنه يأتي بقوة روحية تبدِّل الكون وتُجدده، ولهذا فلدينا اليقين بأن رجاءنا لن يخيَّب وأن المسيح نفسه هو مَن يضمن إتمام هذا الرجاء، لكنه يريدنا مشاركين فاعلين، يريد أن نتعاون نحن أيضا في فعل الفداء.
أما البابا بولس السادس فتحدث عن كون الرجاء الموجَّه إلى المسيح والمتكل عليه يمر عبر مُعلني الرجاء، رجال الله الذين يشهدون لهذا الرجاء، للمسيح نفسه. وتحدث البابا خلال سبعينات القرن الماضي العصيبة عن الرجاء إلى الأجيال الشابة المتعطشة إلى الرجاء في عالم أفضل. وذكَّر في أحد الشعانين سنة 1972 بحديث الإنجيل الذي يكشف تساؤل كثيرين إن كان يسوع هو بالفعل مخلص العالم الذي أرسله الله، وتابع أن هذا الرجاء هو تحديدا ما يتمحور حوله حل كل مشاكل الإنسان وقضاباه الحياتية. وذكَّر البابا بالتالي باستقبال الجموع القادمة من كل مكان ليسوع، للمخلص، للرجاء.
وفي عودة إلى ماضٍ أبعد وأكثر قسوة نسترجع ما ذكر البابا بيوس الثاني عشر في رسالته الإذاعية لمناسبة عيد الميلاد سنة 1944، وكان هذا الميلاد السادس خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تحدث عن الرب، فجر الرجاء الذي يبزغ وسط عويل الألم ويأس الأشخاص والجماعات، وعن رجاء ورغبة في أن تكون نهاية الحرب بداية لتجدد عميق وإعادة تنظيم للعالم.
ونعود إلى حبر أعظم آخر، البابا يوحنا الثالث والعشرون، والذي تحدث بدوره عن الرجاء خلال افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني في تشرين الأول أكتوبر 1962 مشيرا إلى الرجاء في مستقبل أكثر كرامة وبريقا للبشرية وللكنيسة. وتحدث حينها أيضا عن عن نور وحنان وسلام الرب والتي جمعت المشاركين في المجمع بالشكل الذي يجب أن تكون عليه الحياة.
الرجاء هو أيضا من الأمور التي تحددث عنها كثيرا قداسة البابا فرنسيس، فعلى سبيل المثال وفي مقابلته العامة مع المؤمنين الأربعاء 26 آب أغسطس 2020 قال مواصلا تعليمه الأسبوعي: "مُحدقين النظر إلى يسوع ومع اليقين بأن محبته تعمل من خلال جماعة تلاميذه، علينا جميعًا أن نعمل معًا، في الرجاء بأن نخلق شيئًا مختلفًا وأفضل". وتابع قداسته مشيرا إلى مشاعر كثيرين خلال فترة الوباء الأليمة: "يواجه الكثيرون خطر فقدان الرجاء. في زمن الشك والألم هذا، أدعو الجميع لكي يقبلوا هبة الرجاء التي تأتي من المسيح. فهو الذي يساعدنا لكي نبحر في المياه العاصفة للمرض والموت والظلم، التي لا تملك الكلمة الأخيرة على وجهتنا النهائية".