اختُتِمت الندوة الإفتراضيّة "لن تتكرر مرة أخرى: مواجهة الارتفاع العالمي لمعاداة السامية"، التي عُقدت بعد ظهر الخميس، بكلمة لأمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين. وقد استضافت الحدث سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الكرسي الرسولي كاليستا غينغريتش. وفي كلمته، ذكّر الكاردينال بارولين بمساهمات البابا فرنسيس، مستشهدًا أيضًا برسالة - اكتشفت مؤخرًا - كتبها في عام ١۹١٦ أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان آنذاك الكاردينال غاسباري.
في كلمة الافتتاح، أشارت السفيرة غينغريتش إلى اعتداء عام ٢٠١٨ على بيتسبرغ، وآخر هجوم في جيرسي سيتي في بداية هذا العام، واعتداءات أخرى في نيويورك. وقالت كل مجتمع حر له مصلحة في عكس هذا الاتجاه. ثم ركزت في تصريحاتها على الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب لمعالجة هذه الظاهرة على الصعيدين الوطني والدولي. وفي النهاية، وجّهت السفيرة غينغريتش شكرًا خاصًا إلى البابا فرنسيس، ووصفته بالحليف المهم في مكافحة معاداة السامية وإنكار الهولوكوست، مستشهدة بما قاله البابا حول أهمية الحفاظ على ذكرى المحرقة حية. كذلك ذكّرت غينغريتش بأن العديد من المنظمات اليهودية تؤيد قرار البابا فرنسيس في استباق افتتاح أرشيف الفاتيكان المتعلّق بفترة الهولوكوست.
أما الحاخام "David Meyer"، أستاذ في مركز الكاردينال بيا للدراسات اليهودية في جامعة الغريغوريانا الحبريّة فقد أعلن في كلمته أن الدور التقليدي للحاخام هو تعزية الاشخاص في أوقات المعاناة. وفي التأمّل حول معاداة السامية، شارك آية من التوراة عزيزة عليه بشكل خاص وهي التي تتكرّر قبل الطوفان وبعده: "كُلَّ تَصَوُّرِ أَفكَارِ قَلبِ الإنسان إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَومٍ"، وأضاف متسائلاً، هل هناك شيء أكثر ظلامًا في العنف الذي عانت منه الجماعة اليهوديّة مرارًا وتكرارًا؟ كما سأل الحاخام "David Meyer"، عما إذا كان يمكن انارة هذا الظلام والتغلّب عليه، والجواب، كما يقول، هو نعم، لأن هذا ما تمَّ بالفعل. انطلاقًا من البيان المجمعي "في عصرنا"، تحول تعاليم ازدراء الكنيسة الكاثوليكية إلى تعليم احترام، مُظهرًا هكذا أنّه بإمكان معاداة السامية أن تتحول داخل مجتمع يعززها. وأضاف الحاخام "David Meyer" يقول إنها معركة ناجحة يمكننا أن نستخلص منها رؤى عملية لمكافحة معاداة السامية حيث تتجلى حاليًا، والأدوات الثلاث الضرورية هي: الشغف، الأهداف السامية، والجرأة.
أما أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين فقد قدّم الملاحظات الختامية للندوة. وردد صدى كلمات البابا فرنسيس، إذ ذكّر أن أي شكل من أشكال معاداة السامية هو رفض لأصولنا المسيحية، وبالتالي فهو تناقض. وقال إن الرسالة العامة "Fratelli tutti" تقدّم تأمّلاً حول تشوهات المفاهيم الأساسية مثل الديمقراطية والحرية واللامبالاة وفقدان معنى التاريخ والعنصرية، جميع هذه المفاهيم التي تنعكس أيضًا في معاداة السامية.
ثم استشهد الكاردينال بارولين بوثيقة تم اكتشافها مؤخرًا كتبها سلفه، الكاردينال غاسباري. وكان قد كتبها ردًا على رسالة من اللجنة اليهودية الأمريكية تدعو إلى الرد على العنف ضد اليهود في سياق الحرب العالمية الأولى. وإذ كتب الكاردينال غاسباري نيابة عن البابا بندكتس الخامس عشر، أكّد أنّه ينبغي مراعاة واحترام الحقوق الطبيعية للإنسان أيضًا حتى فيما يتعلق بأبناء إسرائيل كما يجب أن يكون لجميع البشر، وإلا فلن تتوافق مع العدالة والدين إذا انحرفت فقط بسبب الاختلاف في العقيدة. ثم أشار أيضًا إلى رد الفعل على هذه الرسالة من قبل اللجنة اليهودية الأمريكية التي وصفتها بأنها "رسالة عامة تعليميّة"، مسلّطة الضوء على أنه من بين جميع المراسيم البابوية التي صدرت إزاء اليهود على مدار تاريخ الفاتيكان، لا يوجد تصريح يرقى إلى مستوى هذا المطلب المباشر القاطع بالمساواة لليهود وضد التحيز على أسس دينية.
بعدها شدد أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين على مكان الذاكرة التاريخية، مؤكِّدًا أنّه لكي نتغلب على العديد من أشكال الكراهية المؤسفة، نحتاج إلى القدرة على إشراك أنفسنا معًا في الذاكرة. فالذاكرة - كما قال - هي مفتاح الوصول إلى المستقبل ومن مسؤوليتنا أن ننقلها بطريقة كريمة للأجيال الشابة. وختم الكاردينال بارولين حديثه مؤكدًا على أن الحوار بين الأديان هو أداة لا غنى عنها لمكافحة معاداة السامية، وقال إن الأخوة مبنية على الحقيقة التي تؤمن بها مختلف الأديان وهي بأن كل شخص بشري مدعو ليكون ابن الله.