أجرى أندريا تورنييلي مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية مقابلة مع بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول، وذلك في إطار مشاركته في لقاء الصلاة من أجل السلام الذي عُقد في روما الثلاثاء 20 تشرين الأول أكتوبر بمبادرة من جماعة سانت ايجيديو. وتوقفت المقابلة بشكل خاص عند الرسالة العامة الجديدة لقداسة البابا فرنسيس "Fratelli tutti" حيث أكد البطريرك المسكوني في بداية حديثه أنه وحتى قبل قراءة الرسالة العامة الجديدة كان على يقين بأنها ستكون مثلا جديدا على اهتمام البابا فرنسيس بالإنسان الذي يحبه الله، وذلك من خلال التعبير عن التضامن إزاء الجميع. كان على يقين أيضا بأن هذه الوثيقة الجديدة ستتضمن مقترحات محددة من أجل تحديات اللحظة الكبيرة وذلك انطلاقا من ينبوع التراث المسيحي الذي لا ينضب أبدا، مقترحات تنبع من قلب الأب الأقدس المفعم بالمحبة. وتابع برتلماوس الأول أن هذا ما تأكد له عقب تحليل الرسالة العامة الجديدة والتي لا تشكل مجرد اختصار أو جمع للرسائل العامة السابقة أو وثائق أخرى للبابا فرنسيس، بل هي تتويج للعقيدة الاجتماعية. وأكد في هذا السياق اتفاقه التام مع ما وجه الأب الأقدس من دعوة، وصفها البطريرك المسكوني أيضا بتحدٍ، وذلك من أجل الابتعاد عن اللامبالاة المهيمنة على حياتنا الإيكولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل الحلم بعالم هو عائلة بشرية متحدة، جميعنا فيها أخوة بدون أي استثناء. وأعرب برتلماوس الأول عن الرجاء في أن تكون الرسالة العامة "Fratelli tutti" مصدر إلهام وحوار مثمر عبر مبادرات وأفعال على الصعيد المسيحي وبين الأديان وبين البشر.
وفي إجابته على سؤال حول أكثر ما يخيفه من "ظلال" العالم الحديث التي يتحدث عنها البابا فرنسيس في الرسالة العامة ذكَّر البطريرك المسكوني بحديث الاب الأقدس عن خطايا حديثة، وتابع مؤكدا الانزعاج أمام تعزيز التطورات التقنية والعلمية الحديثة لغطرسة الإنسان، كما وأن مكاسب العلوم لا تجيب على تطلعاتنا الوجودية الأساسية، ولا تتغلغل المعارف العلمية إلى أعماق النفس البشرية.
تطرقت المقابلة أيضا إلى حديث البابا فرنسيس عن الفجوة بين مَن يملكون الكثير ومن ليس لديهم إلا القليل أو حتى لا شيء، وقال البطريرك برتلماوس الأول في هذا السياق إن النمو الاقتصادي لم يقلص من الفجوة بين الأغنياء والفقراء بل ثبَّت أولوية الربح على حساب حماية الضعفاء، كما ويساهم في تفاقم حدة المشاكل البيئية، وقد أصبحت السياسة عبدا للمال ويتم التعامل مع حقوق الإنسان والقانون الدولي انطلاقا من أهداف بعيدة عن العدالة والحرية والسلام. وأكد برتلماوس الأول أن مشاكل اللاجئين والإرهاب وعنف الدولة، إهانة الكرامة البشرية وأشكال العبودية الجديدة ووباء كوفيد 19 تضع السياسة اليوم أمام مسؤوليات جديدة وتلغي منطقها البراغماتي.
ثم أجاب يطريرك القسطنطينية المسكوني على سؤال حول الرد المسيحي على مثل هذا الواقع، فقال إن اقتراح الحياة الذي تقدمه الكنيسة هو التحول إلى الضروري، المحبة، الانفتاح على الآخر وثقافة التضامن. وأضاف إننا وأمام الإنسان الإله نقدم الله الإنسان، وأمام هيمنة الاقتصاد نفسح المجال لاقتصاد إيكولوجي ونشاط اقنصادي يقوم على العدالة الاجتماعية، ومقابل سياسة الحق للأقوي نضع مبدأ احترام حقوق المواطنين والقانون الدولي. وتابع أننا وفي مواجهة أزمة إيكولوجية مدعوون إلى احترام الخليقة وإلى البساطة والوعي بمسؤوليتنا عن أن نسلِّم للأجيال القادمة بيئة طبيعية غير متضررة. وتحدث البطريرك المسكوني من جهة أخرى عن المحبة كوصية من الله وعن مثل السامري الصالح.
وفي ختام المقابلة التي أجراها معه مدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي تحدث بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول عن الأخوّة، مذكرا بأن الأخوّة الروحية هي أكثر عمقا من تلك الجسدية. وتابع أن الأخوّة بالنسبة للمسيحيين لا تعني فقط أعضاء الكنيسة بل جميع الشعوب وليست شعورا مجردا، وشدد على أن محبة الشخص المؤمن لا تعرف الحدود وتعانق الخليقة بأسرها.