أنت هنا
القائمة:
تيلي لوميار/ نورسات
في الوقت الّذي أقفلت فيه المدارس في مختلف بلدان العالم حيث انتشر فيروس كورونا، ها هو البابا فرنسيس يصلّي اليوم من أجل المعلّمين والطّلّاب، خلال قدّاسه الصّباحيّ في كابيلا القدّيسة مرتا. وفي هذا السّياق، قال البابا: "نصلّي اليوم من أجل المعلّمين الّذين عليهم أن يعملوا كثيرًا لكي يؤمِّنوا الدّروس عبر الشّبكة أو عبر وسائل الاتّصالات الأخرى، ونصلّي أيضًا من أجل الطّلّاب الّذين ينبغي عليهم تقديم الامتحانات بأساليب لم يعتادوا عليها. لنرافقهم بصلاتنا". ثمّ تأمّل الأب الأقدس بإنجيل يوحنّا حول أعجوبة تكثير الخبز والسّمك، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "يمتحن يسوع الرّسل الّذين لا يعرفون كيف يطعمون الجمع الكبير الّذي يتبعهم لكي يجعلهم ينموا. فيسوع كان يحبّ أن يقيم وسط الجموع أمّا تلاميذه فلا وبالتّالي كان يشجّعهم على ذلك؛ كان يسوع يبحث عن قرب النّاس ويعلّم الرّعاة أن يكونوا قريبين من الأشخاص. إنّ شعب الله مُتعب لأنّه يطلب على الدّوام من رعاته أمورًا ملموسة وعلى الرّاعي أن يعتني بما يطلبه الشّعب. قال يسوع لتلاميذه: "أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون"، وهذا ما يقوله اليوم للرّعاة: أعطوا النّاس. من ثمَّ رفع يسوع الصّلاة إلى الآب. هذا هو قرب الرّاعي المزدوج: قرب من الآب وقرب من النّاس. بعد تكثير الخبز والسّمك همّت الجموع بِاختِطافِ يسوع لِيُقيموهُ مَلِكًا. ربّما كان بعض التّلاميذ سيفرحون بالاستفادة من هذه الفرصة ليحصلوا على السّلطة: وهذه تجربة. لكنَّ سلطة الرّاعي هي الخدمة، وعندما يخطئ عند هذه النّقطة يدمّر الرّاعي دعوته ويصبح مجرّد مدير شركة راعويّة وليس راعيًا. لنصلِّ من أجل الرّعاة لكي يعلّمهم الرّبّ ألّا يخافوا من أن يكونوا قريبين من النّاس. هذه الجملة من إنجيل اليوم تجعلنا نفكّر: "قالَ هذا لِيَمتَحِنَه، لِأَنَّهُ كانَ يَعلَم ما سَيَصنَع"، هذا ما كان يفكّر فيه يسوع عندما قال لفيليبُّس: "مِن أَينَ نَشتَري خُبزًا لِيأكُلَ هؤلاء؟" لقد قال ذلك ليمتحنه. وهنا يمكن أن نرى موقف يسوع من التّلاميذ، لقد كان يمتحنهم باستمرار لكي يعلّمهم، وعندما لم يكن بإمكانهم أن يفهموا كان يوقفهم ويعلّمهم. إنَّ الإنجيل مليء بتصرّفات يسوع هذه لكي ينمّي تلاميذه ليصبحوا رعاة لشعب الله. إنَّ أحد الأمور الأحبّ على قلب يسوع كانت الإقامة مع الجمع لأنّ هذه علامة شموليّة الفداء. وإحدى الأمور الّتي لم تكن تعجب التّلاميذ كانت النّاس والحشود لأنّهم كانوا يحبّون أن يكونوا بقرب الرّبّ ويسمعوا كلّ ما يقوله لهم. وفي ذلك اليوم كانوا قد ذهبوا ليرتاحوا، كما نقرأ حول حدث تكثير الخبز في روايات الإنجيليّين الآخرين: اجتَمَعَ الرُّسُلُ عِندَ يسوع، وأَخبَروه بِجَميعِ ما عَمِلوا وعلَّموا. فقالَ لهم: "تَعالَوا أَنتم إِلى مَكانٍ قَفرٍ تَعتَزِلونَ فيه، واستَريحوا قَليلاً". فمَضَوا في السَّفينَةِ إِلى مَكانٍ قَفرٍ يَعتَزِلونَ فيه. فرآهُمُ النَّاسُ ذاهبين، وعَرَفَهُم كثيرٌ مِنهُم، فأَسرَعوا سَيرًا على الأَقدامِ مِن جَميعِ المُدُن وسبَقوهم إِلى ذلك المَكان". وبالتّالي لم يكن التّلاميذ سعداء لرؤيتهم للنّاس أمّا يسوع فراح يعلّم الجموع أشياء كثيرة وكانوا يصغون إليه لساعات طويلة، كان النّاس فرحين أمّا التّلاميذ فلا لأنّهم لم يستريحوا. كان الرّبّ يبحث عن قرب النّاس وكان يسعى إلى تنشئة قلوب الرّعاة على القرب من شعب الله ليخدموه، ولكنّ التّلاميذ كانوا مُختارين وكانوا يشعرون بأنّهم المجموعة المميّزة لكونهم قريبين من الرّبّ، لكنّ الرّبّ كان يقوم على الدّوام بتصرّفات ليعلّمهم ويصلحهم. كما مع الأطفال على سبيل المثال أَتَوه بِالأَطفالِ لِيَضَعَ يَدَيَهِ علَيهِم. فلمَّا رأَى التَّلاميذُ ذلِكَ انتَهَروهم. فدَعا يسوعُ الأَطفالَ إِليه وقال: "دَعوا الأَطفالَ يأتونَ إِليَّ، لا تَمنَعوهم، فلِأَمثالِ هؤلاءِ مَلَكوتُ الله الحَقَّ أَقولُ لكم: مَن لم يَقبَلْ مَلَكوتَ اللهِ مِثْلَ الطِّفْلِ لا يَدخُله". أفكّر أيضًا بالمسيرة نحو أَريحا، حيث كانَ رَجُلٌ أَعْمى جالِسًا على جانِبِ الطَّريقِ يَستَعطي، فلمّا عرف أنّ يسوع مارٌّ من هناك فأَخَذَ يَصيحُ فيَقول: "رُحماكَ يا يسوعَ ابنَ داود!" فانتَهَرَه الَّذينَ يَسيرونَ في المُقَدِّمَةِ لِيَسكُت. فصاحَ أَشَدَّ الصِّياحِ قال: "رُحماكَ يا ابنَ داود!"، فوقَفَ يسوع وأَمرَ بِأَن يُؤتى بِه. هكذا كان يسوع يعلّم التّلاميذ القرب من النّاس، من شعب الله. صحيح أنّ شعب الله يُتعب الرّاعي، عندما يكون هناك راعٍ صالح تتكاثر الأمور لأنّ النّاس تذهب دائمًا إلى الرّاعي الصّالح. كان هناك كاهن رعيّة متواضع يقيم في حيٍّ وضيع وكان النّاس يأتون ويقرعون بابه طيلة ساعات النّهار... وفي إحدى المرّات قال لي: "كم أتمنّى لو كان بإمكاني أن أسُدَّ الأبواب والشّبابيك لكي أرتاح!" لكنّه كان يعرف أنّه راع وعليه أن يكون مع النّاس. ويسوع يربّي وينشّئ تلاميذه على هذا الموقف الرّاعويّ الّذي هو القرب من شعب الله. إنَّ شعب الله متعب لأنّه يطلب على الدّوام أمورًا ملموسة وعلى الرّاعي أن يهتم بتلبية هذه الأمور. بحسب روايات الأناجيل الأخرى نقرأ: "وأخَذَ النَّهارُ يَميل، فدَنا إِلَيهِ الِاثنا عَشَر وقالوا لَه: "اِصرِفِ الجَمعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى والمَزارِعِ المُجاوِرَة، فيَبيتوا فيها ويَجِدوا لَهم طَعاماً، لِأَنَّنا هُنا في مَكانٍ قَفْر". لكن ماذا كان يمرُّ في ذهنهم ليقولوا ذلك؟ هل كانوا يريدون أن يبقوا وحدهم مع يسوع ليحتفلوا معًا؟ إنّه نوع من الأنانيّة ولكنّها ليست شرّيرة كانوا يريدون ربّما أن يبقوا وحدهم مع يسوع، لكنّ يسوع أجابهم ليمتحنهم: "أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون". وهذا ما يقوله يسوع اليوم لجميع الرّعاة: "أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون"؛ "إن كانوا حزينين، إمنحوهم التّعزية؛ إن كانوا ضائعين قدّموا لهم مخرجًا! إن كانوا قد أخطأوا ساعدوهم ليحلّوا مشاكلهم"، مسكين هذا التّلميذ عليه أن يعطي على الدّوام دائمًا وأبدًا، أمّا هو فمن يعطيه؟ يسوع هو الّذي يعلّمنا وهو الّذي يعطينا. بعد ذلك ترك يسوع التّلاميذ وانفرد للصّلاة. إنّ قرب الرّاعي المزدوج هو ما حاول يسوع أن يفهمه لتلاميذه لكي يصبحوا رعاة عظماء. ولكن يخطئ النّاس أحيانًا وهنا أخطأوا أيضًا: "فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي أَتى بِها يسوع، قالوا: "حَقًّا! هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم". وعَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكًا، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبل". ربّما– وهذا لا يقوله الإنجيل– كان أحد التّلاميذ سيقول: "لكن يا ربّ لنستفِد من هذه الفرصة ولنستلم السّلطة" وهذه تجربة أخرى، لكنَّ يسوع أراهم أنّ هذه ليست الدّرب. إنَّ سلطة الرّاعي هي الخدمة وهو لا يملك سلطة أخرى، وعندما يعتمد على سلطة أخرى يدمّر دعوته ويصبح مجرّد مدير شركة راعويّة وليس راعيًا. إنّ الهيكليّات لا تصنع العمل الرّاعويّ وإنّما قلب الرّاعي هو الّذي يصنعه. وقلب الرّاعي هو ما يعلّمنا إيّاه يسوع. لنرفع صلاتنا اليوم للرّبّ من أجل رعاة الكنيسة لكي يحدّثهم الرّبّ دائمًا ويحبّهم على الدّوام ويشرح لهم ويعلّمهم ألّا يخافوا من شعب الله وألّا يخافوا أبدًا من القرب."