أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء تعليمه الأسبوعي، وتحدث إلى المؤمنين عبر الشبكة من مكتبة القصر الرسولي بدلا من اللقاء التقليدي معهم في ساحة القديس بطرس، ويأتي هذا التغيير في إطار إجراءات وقائية أمام انتشار فيروس الكورونا، واستهل الأب الأقدس تعليمه بالقول يُخصص تعليم اليوم للتطويب السابع، أي للطوبى لفاعلي السلام الذين يتم إعلانهم أبناء لله. يسعدني أن هذا التعليم جاء بعد عيد الفصح لأنّ سلام المسيح هو ثمرة موته وقيامته كما سمعنا في رسالة القديس بولس. ولكي نفهم هذا التطويب يجب أن نشرح معنى كلمة "سلام" الذي من الممكن أن يُساء فهمها أو أن تُجعَل أحيانًا تافهة.
تابع الأب الاقدس يقول علينا أن نوجّه أنفسنا بين فكرتين للسلام: الأولى وهي الفكرة البيبليّة حيث تظهر كلمة "shalòm" الجميلة والتي تعبّر عن الوفرة والازدهار والرفاهية. وبالتالي عندما يتمنى المرء باللغة العبرية لشخص آخر الـ "shalòm" فهو يتمنّى له حياة جميلة وكاملة ومزدهرة وإنما أيضًا بحسب الحقيقة والبرّ اللذين يتحققان في المسيح، أمير السلام. من ثمَّ هناك المعنى الآخر والأكثر انتشارًا، والذي بحسبه تشير كلمة "سلام" إلى نوع من الهدوء الداخلي؛ إنها فكرة حديثة ونفسيّة وأكثر خصوصيّة. نفكّر عادة أنَّ السلام هو سكينة وتناغم واتزان داخلي. وهذا الاستحسان الثاني ليس كاملاً ولا يمكن اعتباره مُثبتًا لأنَّ القلق في الحياة يمكنه أن يشكّل لحظة نموٍّ مهمّة، وغالبًا ما يزرع فينا الرب هذا القلق لكي نذهب للقائه ونجده، وبهذا المعنى يمكنه أن يكون لحظة نموٍّ مهمّة؛ فيما قد ينسجم الهدوء الداخلي مع ضمير متمرّس وليس مع افتداء روحيّ حقيقيّ. غالبًا ما ينبغي على الرب أن يكون "آيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفض" (راجع لوقا ٢، ٣٤- ٣٥)، وأن يهزَّ ضماناتنا الخاطئة لكي يقودنا إلى الخلاص.
لذلك، أضاف الحبر الأعظم يقول، علينا أن نتذكّر أنّ الرب يعني بسلامه سلامًا مختلفًا عن السلام البشري وعن سلام العالم عندما يقول: "السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم". لنسأل أنفسنا: كيف يعطي العالم السلام؟ إذا فكّرنا بالنزاعات، تُختتم الحروب عادة بأسلوبين: إما بانهزام أحد الطرفين وأما بمعاهدات سلام. لا يمكننا إلا أن نتمنّى ونصلّي أن تأخُذ هذه الدرب الثانية؛ ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التاريخ هو سلسلة لا متناهية من معاهدات السلام التي نقضتها حروب متتالية أو تحوّل تلك الحروب إلى أساليب أو أماكن أخرى. حتى في زمننا، هناك حرب تُشنُّ "على أجزاء" على جبهات عديدة وبأساليب مختلفة. علينا أقلّه أن نشكَّ أنّه، وفي إطار عولمة تقوم بشكل خاص على مصالح إقتصادية وماليّة، يمكن لـ "سلام" البعض أن يتناسب مع "حرب" الآخرين، ولكن هذا ليس سلام المسيح!
تابع الأب الاقدس متسائلاً: كيف يعطي الرب يسوع سلامه؟ لقد سمعنا القديس بولس يقول إنَّ سلام المسيح هو أن "يجَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة"(راجع أفسس ٢، ١٤)، ويزيل العداوة ويقيم المصالحة. والدرب للقيام بعمل السلام هذا هو جسده. في الواقع هو يصالح جميع الأمور ويحلَّ السلام بدم صليبه كما يقول القديس بولس الرسول في مكان آخر. فمن هم إذًا صانعو السلام؟ إن التطويب السابع هو الأكثر فاعليّة وهي عاملة بشكل واضح، والفعل المستعمل يشبه الفعل الذي استُعمل في الآية الأولى من الكتاب المقدّس للتعبير عن الخلق ويشير إلى مبادرة وعمل. إن الحب مُبدع بطبيعته ويبحث عن المصالحة مهما كان الثمن وبالتالي يُدعَونَ أبناء الله جميع الذين تعلّموا فنَّ السلام ويمارسونه، لأنهم يعرفون أنَّه لا وجود للمصالحة بدون بذل الحياة وأنّه ينبغي علينا أن نبحث عن السلام دائمًا وأبدًا. إنَّ السلام ليس عملاً فرديًّا ثمرة دراتنا الشخصيّة بل هو ظهور النعمة التي نلناها من المسيح الذي جعلنا أبناء لله.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إن السلام الحقيقي والاتزان الداخلي الحقيقي ينبعان من سلام المسيح الذي يأتي من صليبه ويخلق بشريّة جديدة تتجسّد في جوق لا ينتهي من القديسين والقديسات المبدعين والخلاقين الذين ابتكروا على الدوام دروبًا جديدة لعيش الحب. إن هذه الحياة لأبناء الله الذين وبفضل دم المسيح يبحثون عن إخوتهم ويلتقون بهم هي السعادة الحقيقية. وطوبى للذين يسيرون في هذه الدرب! أتمنى لكم مجدّدًا فصحًا مجيدًا لكم جميعًا في سلام المسيح!