ترأس قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان عن راحة نفس الكرادلة والأساقفة المتوفين خلال هذه السنة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: في المقطع الإنجيلي الذي سمعناه، أعلن يسوع عن نفسه قائلاً: "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحيا؛ وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً". يسود النور العظيم لهذه الكلمات على ظلام حداد القبر الذي سببه موت لعازر. وتقبله مرتا باعتراف إيمان راسخ وتعلن: " نَعَم، يا ربّ، إِنِّي أَومِنُ بِأَنَّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إِلى العالَم". تجعل كلمات يسوع رجاء مرتا ينتقل من المستقبل البعيد إلى الحاضر: القيامة قريبة منها بالفعل، وهي حاضرة في شخص المسيح.
تابع الأب الاقدس يقول إن إعلان يسوع اليوم يسائلنا جميعًا: نحن مدعوون للإيمان بالقيامة ليس كنوع من السراب في الأفق، وإنما كحدث حاضر، يشركنا منذ الآن بشكل سرّي. ومع ذلك، فإن هذا الإيمان بالقيامة لا يتجاهل ولا يخفي الحيرة التي نختبرها بشريًا أمام الموت. إن الرب يسوع نفسه، وإذ رأى أختي ومن كانوا معهما يبكون، لم يخفِ عواطفه، لا بل - يضيف الإنجيلي يوحنا - "دَمعَت عَيْناه". وبالتالي فهو متضامن معنا في كلِّ شيء ما خلا الخطيئة: لقد اختبر أيضًا مأساة الحداد، ومرارة الدموع التي تذرف لموت أحد الأحباء. لكن هذا الأمر لا يقلل من نور الحقيقة المنبثقة من وحيه، الذي كانت قيامة لعازر علامة عظيمة له.
اليوم إذًا أضاف البابا فرنسيس يقول يكرّر الرب لنا: "أَنا القِيامةُ والحَياة". ويدعونا إلى تجديد قفزة الإيمان العظيمة، والدخول منذ الآن في نور القيامة: "كُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً. أَتُؤمِنينَ بِهذا؟". عندما تحدث هذه القفزة، تتغير طريقتنا في التفكير وفي رؤية الأشياء. إن عين الإيمان، التي تتخطّى المرئي، ترى غير المرئي بطريقة معينة. فيتم عندها تقييم كل حدث في ضوء بُعدٍ آخر، وهو الأبدية. في الصلاة من أجل الكرادلة والأساقفة الذين وافتهم المنية خلال هذا العام، نطلب من الرب أن يساعدنا في التفكير في مثلهم الوجودي بشكل صحيح. نطلب منه أن يبدِّد ذلك الحزن السلبي الذي يتسلل إلينا أحيانًا وكأن كل شيء ينتهي بالموت. إنه شعور بعيد عن الإيمان، يضاف إلى خوف الإنسان من الموت، ولا يمكن لأحد أن يقول بأنه مُستثنًى منه. لهذا السبب، وإزاء لغز الموت، على المؤمن أيضًا أن يرتدَّ باستمرار. نحن مدعوون يوميًّا لكي نتخطّى الصورة التي نملكها غريزيًا عن الموت وكأنه الإبادة الكاملة لشخص ما؛ ولكي نتخطّى المرئي الواضحة، والأفكار المصنّفة والبديهيّة، الآراء المشتركة، لنسلم أنفسنا بالكامل للرب الذي يعلن: "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحيا؛ وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً".
تابع الأب الأقدس يقول هذه الكلمات، إذا قُبلت بإيمان، تجعل الصلاة من أجل إخوتنا الموتى مسيحية حقًا. كما أنها تسمح لنا بالحصول على رؤية واقعية حقيقية لحياتهم: لكي نفهم معنى وقيمة الخير الذي حققوه، وقوتهم والتزامهم وحبهم المبذول بدون مقابل؛ ونفهم معنى أن نعيش متطلعين ليس إلى وطن أرضي، بل إلى وطن أفضل، أي الوطن السماوي. إن الصلاة عن راحة أنفس الموتى، التي تُقام على الثقة بأنهم يعيشون مع الله، تنشر فوائدها علينا نحن أيضًا، الحجاج هنا على الأرض. هي تربينا على رؤية حقيقية للحياة؛ وتكشف لنا معنى الضيقات التي يجب علينا أن نمر بها لكي ندخل ملكوت الله؛ إنها تفتحنا على الحرية الحقيقية، وتدفعنا إلى البحث المستمر عن الخيرات الأبدية.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إذ نتبنّى كلمات القديس بولس الرسول نشعر نحن أيضًا أننا واثِقون... ونَطمَحُ إِلى نَيلِ رِضاه، أَقَمْنا في هذا الجَسَدِ أَم هَجَرْناه". إن حياة خادم الإنجيل تقوم على الرغبة في إرضاء الرب في كل شيء: هذا هو معيار كل خيار من اختياراته، وكل خطوة عليه اتخاذها. لذلك نتذكر بامتنان شهادة الكرادلة والأساقفة المتوفين الذين عاشوا بأمانة للإرادة الإلهية؛ ونصلي من أجلهم محاولين الاقتداء بمثالهم. ليسكب الرب دائمًا روح حكمته علينا، ولاسيما في زمن التجربة هذ، وخاصة في الساعات التي تصبح فيها المسيرة أكثر صعوبة، فهو لا يتخلى عنا، ويبقى معنا، مخلصًا لوعده: "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم".