استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر السبت أساتذة وطلاب كليّة اللاهوت المريمي "Marianum" وللمناسبة ألقى الأب الاقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إن الـ "Marianum" ومنذ نشأتها قد أوكلت إلى عناية رهبنة "Servi di Maria". لذلك، أتمنى أن يعيش كل واحد منكم الخدمة على غرار مريم، "أمة الرب". أسلوب مريمي، أسلوب سيفيد كثيرًا اللاهوت والكنيسة وسيفيدكم.
تابع الأب الأقدس يقول يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل يفيد اللاهوت المريمي الكنيسة والعالم اليوم؟ الجواب هو نعم. إنَّ الذهاب إلى مدرسة العذراء مريم هو الذهاب إلى مدرسة الإيمان والحياة. هي معلمة لأنها تلميذة، وتعلم جيدًا أبجدية الحياة البشرية والمسيحية. لكن هناك أيضًا جانب آخر مرتبط بالحاضر. نحن نعيش في زمن المجمع الفاتيكاني الثاني. لم يمنح أي مجمع آخر في التاريخ اللاهوت المريمي مساحة كبيرة مثل تلك التي خصصها لها الفصل الثامن من نور الأمم، الذي يختتم ويلخص إلى حد ما الدستور العقائدي الكامل حول الكنيسة. يخبرنا هذا الأمر أن الأزمنة التي نعيشها هي أزمنة مريم العذراء. لكننا بحاجة إلى إعادة اكتشاف العذراء من منظور المجمع الفاتيكاني الثاني. مثلما ألقى المجمع الضوء على جمال الكنيسة من خلال العودة إلى المصادر وإزالة الغبار الذي ترسب عليها عبر القرون، كذلك يمكننا إعادة اكتشاف عظائم مريم بشكل أفضل من خلال الذهاب إلى قلب سرها. هناك يظهر عنصران، يظهرهما الكتاب المقدس: إنها أم وامرأة.
أضاف الحبر الأعظم يقول أم. لقد اعترفت بها أليصابات كـ "أم الرب"، إنَّ الـ " Theotokos" هي أيضًا أمنا جميعًا. في الواقع قال الرب على الصليب لتلميذه يوحنا، ومن خلالها لكلِّ فرد منا: "هذه أمُّك!". إن يسوع في تلك الساعة الخلاصيّة قد أعطانا حياته وروحه، ولم يدع عمله يُنجز من دون أن يعطينا مريم العذراء، لأنه يريدنا أن نسير في الحياة مع أم، لا بل مع أفضل الأمهات. لقد أحبها القديس فرنسيس الأسيزي على تحديدًا لأنها كانت أماً. إنَّ العذراء مريم قد جعلت الله أخًا لنا، وبصفتها أما يمكنها أن تجعل الكنيسة والعالم أكثر أخوّة.
تابع الأب الأقدس يقول على الكنيسة أن تعيد اكتشاف قلبها الوالدي الذي ينبض من أجل الوحدة؛ لكن أرضنا تحتاجها إلى ذلك أيضًا، لكي تصبح مجدّدًا بيت جميع أبنائها. وهذا ما تتمناه العذراء، فهي تريد أن تلد عالمًا جديدًا، نكون فيه جميعنا إخوة، ويكون فيه مكان لكل شخص مهمّش في مجتمعاتنا. نحن بحاجة إلى الأمومة، التي تولد الحياة وتجددها بحنان، لأنّ الهبة والعناية والمشاركة هي التي تجمع العائلة البشرية. إنّ العالم بدون أمهات لا يملك مستقبلاً: إن الفوائد والأرباح وحدها لا تعطي مستقبلاً، بل على العكس لأنها تزيد أحيانًا من عدم المساواة والظلم. أما الأمهات فيجعلنَ كل طفل يشعر وكأنه في منزله ويمنحنَه الرجاء.
أضاف الأب الأقدس يقول لذلك تُدعى "Marianum" لتكون مؤسسة أخويّة ليس فقط من خلال الجو العائلي الجميل الذي يميزها، وإنما أيضًا من خلال فتح إمكانيات جديدة للتعاون مع المعاهد الأخرى، ستساعد في توسيع الآفاق ومواكبة العصر. أحيانًا نخاف من الانفتاح ونعتقد بأننا سنفقد خصائصنا التي تميّزنا ولكن عندما نخاطر من أجل إعطاء الحياة وخلق المستقبل، فنحن لا نخطئ، لأننا نتصرّف كالأمهات. ومريم هي أم تعلم فن اللقاء والسير معًا. من الجميل إذن أن تلتقي في الـ "Marianum"، كما في عائلة كبيرة، تقاليد لاهوتية وروحية مختلفة تساهم أيضًا في الحوار المسكوني وبين الأديان.
تابع الحبر الأعظم يقول كما تجعل الأمُّ الكنيسةَ عائلة، كذلك تجعلنا المرأة شعبًا. وليس من باب الصدفة أن التقوى الشعبية تستقي بشكل طبيعي من العذراء مريم. ولذلك من المهم أن يتتبعها اللاهوت المريمي بعناية، ويعزّزها، وينقيها أحيانًا، ويبقى متنبِّهًا على الدوام لعلامات الأزمنة المريمية التي تعبر عصرنا. من بين هذه العلامات، نجد دور المرأة: أساسي لتاريخ الخلاص، وبالتالي أساسي أيضًا للكنيسة وللعالم. كم من النساء لا يلنَ الكرامة الواجبة لهنَّ! على المرأة التي حملت الله إلى العالم أن تحمل مواهبها وعطاياها مواهبه في التاريخ. نحن بحاجة إلى براعتها وأسلوبها، وكذلك اللاهوت، حتى لا يكون مجرّدًا ومليئًا بالمفاهيم، وإنما دقيقًا وروائيًّا وحيويًا. يمكن للاهوت المريمي أن يساهم بشكل خاص في أن يحمل للثقافة، من خلال الفن والشعر أيضًا، الجمال الذي يؤنسن ويبعث الرجاء؛ وهو مدعو لكي يخلق مجدّدًا مساحات أكثر استحقاقًا للنساء في الكنيسة، انطلاقًا من كرامة المعمودية المشتركة.