أنت هنا
القائمة:
اعلام المطرانية
بقلم د فؤاد كنعاني
انتقل يوم الأحد 3.4.2022 إلى الأخدار السماوية قدس الأب الإيكونوموس إبراهيم طنوس داود، خادم رعية قرية المكر.
عاش الأب إبراهيم حياة مليئة بالعطاء والاحترام والتقدير لكل فرد عرفه من بعيد أو من قريب، فكان "أبونا إبراهيم"؛ الأب، الراعي، الكاهن، المستشار، المعلّم، المربّي، الصوت الجميل، الدمث، الصديق الوفي، المهجّر، الحامل صليبه بإيمان..
رحل عنا بعد حياة عريضة مليئة بالتضحيات والعطاء، فقد كان كاهنًا محبوبًا في كل بلدة خدم رعيتها، إذ تميّز بشخصية مؤمنة تقيّة ورعة ملتزمة برسالة الكنيسة. وعُرف بين أبناء بلدته برجاحة عقله وبحكمته وبأخلاقه الحسنة التي استمدّها من رسالته الكهنوتية المسيحية.
فكان يترك أثرًا أو وميضًا اجتماعيا أو حكاية أو قصة أو حادثة جميلة مع كل شخص تعامل معه ويكون هو أحد أطرافها، ويرويها وسيرويها تكرارًا بكل افتخار وأسى بعد غيابه. فالجميع كانوا ينادونه "بأبونا إبراهيم"، من أهل قريته أو خارجها إن كانوا مسيحيين أو مسلمين، لأنهم عرفوا فيه ذلك الانسان المنفتح على الدنيا، الذي لا يقيس الأمور من منظار واحد أو يتعامل معها من جهة واحدة، فالصغير أحبه قبل الكبير ولمس فيه الدعوة للتآخي والتسامح ورفض كل مظاهر التعصّب بين الفئات المجتمعية، إن كان على صعيد المسلمين والمسيحيين، وبين المسيحيين أنفسهم من الأرثوذكس والكاثوليك، حيث تعامل مع الجميع بمكيال واحد وهو مكيال المحبة والاحترام، ورفض أي نوع من التطرّف والكراهية والتسلّط في الرأي.
حمل رسالته الكهنوتية منذ شبابه بمحبّة وقد قَبِلَها تلبية وطاعة لصوت سماوي دعاه ليكرّس نفسه لخدمة المسيح وليس رغبة في المناصب، وكانت خدمته الكنسيّة في الصلوات تتميّز بالجو الهادئ المليء بالإيمان المغمور بالصوت الجميل العذب المرغوب فيه عند كل مستمع له، حاملا أفكار الانجيل في كلامه.
لم يتأخر في مشاركة أهل بلدته في مناسباتهم السعيدة والحزينة، فكان يشارك في جميعها دون تردّد. وحمل صليب التهجير من بلدة مسقط رأسه إقرث، وحمل صليب المرض في أيامه الأخيرة دون تذمر أو شكاية من متاعب الحياة بل كان مؤمنًا أن هذا اختبار من الله لإيمانه وصبره.
ولا ننسى الجانب المهني الإرشادي للطلاب في المدارس التي عمل فيها، فكان مستشارًا محبوبًا عند جميع الطلاب حيث كان يحتضنهم، يسمع شكواهم، يداوي جروحهم، يخفف من آلامهم النفسية التي يتسببها التعليم ومتطلباته في مرحلة جيل المراهقة، وهي مرحلة يصقل فيها الطلاب شخصيتهم، فكان حريصًا أن يعبروا هذه الفترة بسلام في السعي لتوفير كل ما يحتاجونه أو في مساندتهم والدفاع عنهم أمام المسؤولين من المدرسة أو خارجها، متحملا مسؤولية موقفه بكل جرأة ودون تردّد، فلم يدخل طالب مهموم غرفته إلا وخرج من عنده والابتسامة على محيّاه.
رحلت يا "أبونا" والأمر لم يكن باختيارك، وإنما كان الأمر بحسب مشيئة الله، "فلتكن" مشيئته، ونحن مهما كتبنا عنك لا نفيك حقك، ولكن الجميع، صغارًا وكبارًا، من طلاب وزملاء وأبناء شعب، وأبناء رعايا، جميهم يشهدون بأنك قد أكسبتهم حبًّا واحترامًا وتقديرًا لم يكسب مثلهم أحد، فطوبى لك.
ليرحمك الله ويجعلك بجوار القديسين.