أنت هنا
القائمة:
ترأس سيادة المطران يوسف متى الجزيل الاحترام القداس الإلهي في كنيسة القديس جوارجيوس للملكيين الكاثوليك في عبلين، وعاونه الإيكونيموس سهيل خوري كاهن الرعية، والأبوان عوني خميس وبولس أرملي وبحضور الأب سابا الحاج كاهن رعية الروم الأرثوذكس في عبلين. وذلك احتفالا بعيد القديسة الذي يصادف يوم 17 أيار من كل عام، وهو يوم إعلان قداسة مريم ليسوع المصلوب بواردي، والأم الراهبة ماري ألفونسين دانييل غطّاس.
وقد احتفلت كنيسة عبلين قبل يومين بزيارة ذخائر القديسة إلى الكنيسة بعد أن أحضرت من دير الكرمل في بيت لحم. هذا الدير الذي بادرت إلى بنائه القديسة، وتوفيت إثر إصابتها أثناء العمل في بنائه.
وقال سيادة راعي الأبرشية بهذه المناسبة: " إن نعمة القداسة أعطيت لمريم يسوع المصلوب لأنها آمنت بيسوع إيمانا غير متزعزع.. 17 أيار 2015 تاريخ إعلان قداستها يتم تكريمها على مذابح الكنيسة الأم في كل العالم، وذلك لأنها عاشت كلمة الإنجيل التي هي كلمة حياة حتى أنها ضحت بحياتها لكي تعطيها للآخرين. وكل إنسان يريد أن يعرف المسيح يعطي للآخر. هكذا كانت مريم ليسوع المصلوب. سكنت فيها روح الله، وعريسها يسوع المسيح والروح القدس بإلهاماته. فهي العدم الصغير كما أسمت نفسها دون أن تعرف شيئا. وعندما أحبّت الله فقد دخلت فيها كلمة الله. حتى وإن فني الجسد لكن روح الله تبقى حية فاعلة وتعطي شهادة ليسوع".
وأضاف: "لأنها لم تكفر بالمسيح العريس فقد أطاعت وأصبحت شهيدة حب الله. وكانت مسيرتها غنية بالأعمال حتى دون معرفة وعلم، واتبعت الطاعة والمحبة وتأسيس أماكن لعبادة الله ويسوع المسيح. ورغم معاناتها أصبحت شهيدة، وكانت تنظر إلى المسيح المصلوب.
واليوم كثيرون يطلبون شفاعتها كقديسة وشفي مريضان لأجل شفاعتها.. وينبغي أن نطلب شفاعتها نحن أيضا. وأصبحت مثالا للعلاقة مع يسوع. ونحن لا نصلي للقديسين إلا لأن الله حاضر فيهم. ولنكثف صلواتنا لكي نصبح نحن أيضا قديسين".
جدير بالذكر أن القديسة مريم ليسوع المصلوب عاشت حياتها المسيحية الفاضلة، والنعم التي حصل عليها بعض المعمدين بشفاعتهما بعد وفاتهما. فقد وُلدت مريم بواردي، في 5 كانون الثاني 1846، في قرية عبلين، إحدى قُرى الجليل، الواقعة في منتصف الطريق بين الناصرة وحيفا، من عائلة تنتمي إلى كنيسة الروم الكاثوليك. ابتُليَ أبواها بمصيبة فقدانِ أولادهما في سن صغيرة، ففُجِعا باثني عشر ولدًا على التوالي. في عمق حزنهما وثقتهما بالله، قرّرا القيام برحلة حج إلى بيت لحم للصلاة في مغارة الميلاد وطَلب النعمة بأن يُرزقا بنتًا. هكذا رأت مريم النور، وفي السنة التالية وُلِدَ أخوها بولس.
لم تكن مريم قد أكمَلت الثالثة من عمرها عندما توفيَ أبوها بعد أن أوكلها إلى عناية القديس يوسف، وبعد بضعة أيامٍ توفّيت أمها. تبنّت بولسَ عمّتُه وتبنّى مريمَ عمٌّ لها ميسور الحال.
احتفلت بمناولتها الأولى في الثامنة من عمرها. بعدها سافر عمها إلى الإسكندرية مع كل الأسرة. وعندما بلغت 12 سنة علمت أنّ عمّها يريد أن يُزوِّجها، فرفضت لأنها قرّرت أن تعطي نفسها بالكامل للرب. فلا محاولات الإقناع، ولا التهديد، ولا الإذلال ولا سوء المعاملة استطاعت إثناءها عن عزمها. بعد ثلاثة أشهر، ذهبت إلى خادم قديم كان يعمل في البيت لترسل معه رسالة إلى أخيها بولس، الذي بَقيَ في الجليل، كي يأتي لنجدتها. لكنّ الخادم الذي كان مُسلمًا، بعد أن سمع قصة معاناتها، حثّها على ترك المسيحية واعتناق الإسلام، لكنها رفضت. فغضب الرجل، واستلَّ خنجره وقطع به عنقها ثم تركها في زقاقٍ مُظلم. وكان ذلك 8 أيلول. فاستفاقت ووجدت نفسها في مغارة وبجانبها سيدة تشبه الراهبات. اعتنت بها هذه السيدة مدة 4 أسابيع، فكانت تُطعمها وتُعلّمها حتى شُفيت فقادتها السيدة إلى كنيسة وتركتها هناك. قالت مريم لاحقًا إن هذه السيدة هي العذراء مريم نفسها.
منذ ذلك اليوم، بدأت مريم تنتقل من مدينة إلى أُخرى (الإسكندرية، أورشليم، بيروت، مرسيليا…)، حيث كانت تعمل كخادمة، مُفضِّلةً العائلات الفقيرة، ومُساعدتها.
سافرت مريم إلى فرنسا في العام 1865، إلى مدينة مرسيليا، حيث تعرّفت على راهبات مار يوسف الظهور. كانت تبلغ من العمر 19 سنة ولكنها كانت تبدو كمن له 12 سنة، كانت تتكلّم الفرنسية بركاكة علاوةً على صحتها الضعيفة، لكنها قُبِلت في الابتداء وكانت سعادتها كبيرة لأنها استطاعت أن تُعطي ذاتها للرب. كانت مستعدة دائمًا للقيام بالأعمال الأكثر إرهاقًا، وتمضي معظم وقتها في الغسيل أو في المطبخ. كانت تعيش يومين في الأسبوع آلام المسيح، وتظهر عليها جراحاته، لكنها لبساطتها كانت تظن أنه مرض. بدأت تظهر عليها أيضًا أنواع عديدة من النِعم الفائقة للطبيعة. أربكت هذه الأمور بعض الراهبات، وفي نهاية سنتي الابتداء لم تُقبَل لإبراز النذور في الجمعية. حينئذٍ تضافرت ظروف عديدة وقادتها إلى كرمل “بو” (Pau).
استُقبلت مريم في كرمل “بو” في حزيران 1867 وألحّت في أن تكون من ضمن الراهبات العاملات، ذلك لأنها كانت ترتاح في خدمة الآخرين، وكانت تجد صعوبة في قراءة صلوات الفرض الإلهي. اكتسبت القلوب ببساطتها وسخائها. من بين كل النِعم الإلهية التي ملأتها موهبة الإنخطافات، كانت نعمة اعتبار ذاتها عدمًا أمام وجه الله هي النعمة الأقوى، والتعبير الأعمق عن كيانها حتى أنّها كانت تدعو ذاتها “بالعدم الصغير”.
بعد ثلاث سنوات، في العام 1870، أبحرت مريم مع مجموعة صغيرة من الراهبات بُغية تأسيس أول دير للكرمليات في الهند، في منغلور. كان السفر في البحر، في تلك الأيام، مغامرة كبيرة، فماتت ثلاث راهبات قبل وصولهنَّ إلى الهند. وتمّ إرسال عدد آخر من الراهبات وافتُتح الدير في نهاية العام 1870. توالت اختبارات مريم الروحية الفائقة للطبيعة من دون أن تمنعها من مواجهة كل الأعمال الثقيلة والاضطرابات المرتبطة بالتأسيس الجديد. في انخطافاتها، كانت تارة تُشاهَد مشعّة الوجه في المطبخ أو في مكان آخر؛ لكن التوتر الحاصل في محيطها أدّى إلى إرجاعها إلى كرمل بو في العام 1872.
بعد فترة قليلة من عودتها من منغلور، بدأت مريم في التحدث عن تأسيس كرمل في بيت لحم. كانت العوائق كثيرة، لكنها أُزيحت تدريجيًا وأحيانًا على غير ما كان يُتوقّع. أخيرًا أتت الموافقة من روما، أبحرت مجموعة صغيرة من الكرمليات من أجل هذه المغامرة. أرشد الربُ نفسُه مريمَ إلى مكان البناء. ولما كانت الوحيدة التي تتكلّم اللغة العربية، كانت مكلّفة بشكلٍ خاص متابعة الأعمال، “غائصة في الرمل والكلس”. أصبح بمقدور الجماعة السكن في الدير ابتداءً من 21.11.1876 في حين كانت تُتابَع بعض الأعمال.
كانت مريم منشغلة أيضًا بتأسيس كرمل في الناصرة، وذهبت للحصول على قطعة أرض في آب 1878. خلال هذا السفر كشف لها الرب المكان المدعو عمّاوس فاشترته لهم المُحسنة برت دارتيجو.
بعد عودتها إلى بيت لحم، تابعت مراقبة الأعمال تحت حرّ خانق. وبينما كانت تُحضِر ماءً للعمال سقطت عن الدرج وكسرت ذراعًا. تفشّت الغرغرينا بسرعة في جسمها مما أدّى إلى وفاتها بعد بضعة أيام، في 26.8.1878 عن عمر يناهز ٣٢ سنة. أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية في 13.11.1983. الإثبات الثاني على قداسة الأخت مريم ليسوع المصلوب: معجزتان – على الأقل – تحققتا بعد وفاتها.
المعجزة التي تمت بشفاعة الأخت مريم ليسوع المصلوب واستحقت على اثرها أن ترفع إلى مصاف الطوباويين كانت في قرية شفاعمرو الفلسطينية عام 1929 عاشت في هذه القرية (التي تبعد بضعة كيلومترات فقط عن قرية عبلين، مسقط رأس القديسة) عائلة جبران يوسف عبود. رزق جبران ودبلة بسبعة أبناء، أحدهم “خزنة” وهي التي أجرت معها الأخت مريم ليسوع المصلوب أعجوبتها الأولى.
المعجزة الثانية جرت مع طفلٍ ولد في جنوب ايطاليا، في مقاطعة سيراكوزا، من جزيرة صقلية. ولد الطفل إمانويلي لو زيتو في 17.4.2009، بعملية قيصرية. وتيقن الطبيب من أن الطفل سيموت حتمًا، إلا أن المفاجئة كانت نجاح العملية الجراحية. كما لاحظ الأطباء بعد ذلك تحسنًا سريعًا بدأ يطرأ على صحة ايمانويلي خلال الأيام، بل الساعات القليلة اللاحقة لفضل أعجوبة مريم ليسوع المصلوب.