أنت هنا
القائمة:
ترأس سيادة المطران يوسف متى السامي الاحترام، رئيس أساقفة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل، القداس الإلهي بمناسبة عيد العنصرة المجيدة حيث يصادف السنة الثالثة لسيامته الأسقفية. وتم بث هذا القداس الإلهي على قناة نور سات/ تيلي لوميير.
وقال سيادة المطران متى في عظته: إن العنصرة هي الاجتماع، هي الوقفة الجماعية، نواة الجماعة المؤمنة أي الكنيسة التي ولدت من رحم الثالوث الأقدس، لأن الله معنا. فالآب خلقها، والابن فداها، والروح القدس يرافقها. ولدت الكنيسة لمّا كان الجميع معًا بنفس واحدة حول المسيح، رأس الزاوية وأساس البناء كله.
وأضاف: وَعَت الكنيسةُ منذ عصرِ الرسلِ دورَ الروحِ القدسِ الأساسي في نشأتها، كما وَعَت المحافظةَ على وحدتِها كجسدٍ للمسيح. و "أمّ الكنائس، كان لها سلامٌ في داخلِها، وكانت تبني ذاتَها بمحبةٍ وتسيرُ في خوفِ الربِّ، وبتعزيةِ الروحِ القدسِ كانت تتكاثر". ولأن التلاميذَ أتُمِنوا على إدارةِ وتدبيرِ شؤونِ الكنيسة، فكانوا يمتلئونَ كلَّ يومٍ من الروحِ القدس. ونحن على مثالهم اليوم، كأسقف وكهنة ومؤمنين، علينا أن نتبع بوصلة المسيح.
وأشار إلى أن خدمة عيد العنصرة وترانيمها الغنيّة باللاهوت تتضمّن العديد من المعاني المكرّسة لتمجيد الثالوث القدوس. وتشكّل العنصرة محطّة تقييم سنوية للمسيرة الكنسية، حيث تنتهز الكنيسة الفرصة للتقييم والتأمّل حيال المتغيرات والمستجدات التي تقتحم حياة الإنسان، وعليها أن تقرأ بتأنٍّ وهدوء علامات الأزمنة على ضوء عصف الروح القدس، وتوجيه الكنيسة إلى مسارات آمنة.
ومضى سيادته يقول: نرى في أيامنا الحاضرة، قداسة البابا فرنسيس، أطال الله بعمره، يدعو إلى تنشيط عمل الكنيسة وإنتاجها في جميع الأصعدة اللاهوتية والرعائية والتقديسية في جميع الشعوب، ناشدًا الاستقرار والسلام للشعوب المفتداة، محذرًا من قوى الشرّ التي تضرب النفوس الضعيفة لتقاوم، وتهمل وتبتعد وترفض حضور المسيح في حياتها. ولكن نهج الكنيسة لا يتغير، فهي تصلّي وتصبر وتحتوي وتنتظر عودة تلك النفوس إلى حضن الإيمان والجماعة المؤمنة، لأنها تريد خلاص جميع أبنائها.
وعنصرة كنيستنا المحلية في الجليل، تضعنا أمام تحدّيات جديدة لأننا خضعنا لتجربة قاسية شلّت مسيرتنا في زمن كورونا، حتى إننا مع زمن الانفراج هذا تنكشف لنا مواقف وأحداث جديدة تلزم كنيستنا التروي والهدوء في استدراك ما فات، واستباق الانزلاقات الخطرة في المستقبل. ذلك أن الهوية الكنسية هي اليوم على المحك. وجلّ ما نفعله اليوم هو إعادة الثقة بين المؤمنين فيما بينهم ومع الكنيسة ومع الأسقف ومع كل شرائح مجتمعنا الكنسي.
وتابع سيادة راعي الأبرشية قائلا: لكن يعزّيني السيّد له المجد، معلّمي ومعلّمكم، الذي من داخل الاثني عشر الذي اختارهم الرب خاب أمله بمن هرب منهم، ومن أنكره ومن خانه ومن أسلمه من بني قومه. إلا أن العنصرة جددت الروح وأعادت الانسجام في العمل الجماعي في شركة روحية وكهنوتية واحدة، لأن الروح القدس يعمل فيها، ويتألق في تجليات جديدة تتطلب منا العمل وفق إيقاع المتغيرات المحلية والعالمية في كنيستنا، ومع كل الشرائح العاملة فيها، وإلا سنبقى على الهامش.
ودعا سيادته أبناء الأبرشية إلى تجديد الثقة بالكنيسة وقال: أود في هذا المساء المتزامن مع الاحتفال بذكرى سيامتي الأسقفية مع هذا العيد المقدس أن أدعوكم إلى استعادة الثقة والحوار الكنسي، وتبنّي أسلوب السلام في تثبيت الاحترام المتبادل بين الجميع. فكل منا جدير بالاحترام بكرامة المسيح وكرامة المعمودية والاشتراك في كهنوت المسيح كل في موقعه، "فالمسيح قد لبستم هللويا".
وأكّد سيادته بأنه يود لهذه الجماعة المؤمنة، وهذه الكنيسة التي يقف على رأسها بنعمة الله، أن تخوض عنصرة جديدة، دون خوف من التغيير ولا تردد في قبول ما هو مناسب للكنيسة، فاختلافنا لا يشكّل خلافًا، بل الشقاق وزرع بذور الزوان في حقل الرب هو ما يفرق. لأننا كمسيحيين في العالم، وخصوصًا في أرضنا المقدسة، نعكس في سلوكنا عمل الروح القدس، حيث يُعرف عنا التسامح مقابل الإساءة، والهدوء مقابل الضجيج، والتروّي بدل العنف. لأن هذا ليس نقصانًا للكرامة الذاتية، بل هو قوة أعطانا إياها السيد المسيح وخاصة على الصليب.
وتحدث سيادة المطران متى في عظته عن كنيسة العنصرة وقال: كنيسة العنصرة واحدة بالروح القدس الواحد، لأن الكنيسة هي جسد المسيح الواحد رغم تعدّد أعضائه. لأجل ذلك لنا معمودية واحدة ومرجعية كنسية واحدة تقود الكنيسة بقوة الروح القدس. فلنطلب القوة الدائمة كي نعكس قوة الله فينا أولا كأبرشية، وكرعية مؤتمنين عليها، ونعكس بذلك رسالة السيد المسيح للعالم، فنستمرّ بخدمة من يحتاجون لحضور الله في حياتهم. فلنتمسك بما تربّينا عليه من قيم روحية، أخلاقية، إنسانية وكنسية تليق بنا وبتاريخ كنيستنا، في ماضيها وحاضرها، لنبن معًا مستقبلها الواحد، فالباب مفتوح لكل تعاون وحوار لخير الجماعة المؤمنة في جليلنا الغالي.
ووجّه سيادته كلمة إلى الكهنة وخاطب الحاضرين منهم والغائبين لأسباب صوابية، وقال: أشكركم أولا على خدماتكم الجليلة التي تقدمونها، رغم الظروف الصعبة التي نمرّ بها. أحترمكم وأشجعكم على أن تبقوا في هذه الروح، روح الخدمة الحقيقية لتكونوا شهودًا لمحبة ورحمة الله في رعاياكم.
كما وجّه كلمة إلى الخوريات الفاضلات وقال: أنتن حاضرات في صلاتي، لأنكن تحملن العبء مع الكهنة الأحباء، مضحيات بالكثير لأجل خدمة المسيح، وهذا أمر ليس مفهوما ضمنيا، فشكرا لكن.
أما المؤمنون يا خاتم رسالتي في المسيح، أصلّي لأجلكم لتكونوا دومًا في حضن الكنيسة، الأم والمعلمة، التي تعطي كل شيء لأجل خير أبنائها، وأدعو الجميع لمواكبة العنصرة الجديدة في كنيستنا الغالية ونأخذ دورنا كما يليق بكل احترام ومحبة.
وختم عظته بالصلاة قائلا: هلمّ أيها الروح القدس، وأرسل من السماء شعاع نورك. هلمّ يا معطي المواهب، أيها المعزي الجليل. أيها النور الطوباوي، لأنه من دون نعمتك لا شيء طاهر في الإنسان. أعط مؤمنيك المتّكلين عليك المواهب السبع، هب لهم ثواب الفضيلة، أعطهم الخلاص والفرح الدائم.. آمين.
وحضر الاحتفال عدد كبير من كهنة الأبرشية، والرهبان والراهبات والمؤسسات الرسمية والاجتماعية والمجالس الرعوية وجمهور غفير من المصلين.
واختتم القداس بكلمة ألقاها النائب الأسقفي، الإيكونموس إلياس العبد، فقال: يلملم عالمنا اليوم رواسب الفزع والتقوقع، وتعمل البشرية جاهدة في رسم خارطة طريق النجاة. فهي من ناحية تعيث التردد بين الخبرة الصعبة وعقدة نفسية تحاول اجتيازها جرّاء الوباء، ومن ناحية أخرى المجازفة في انطلاقة جديدة نحو المستقبل.
وتابع يقول: في خضمّ هذه المتناقضات نجد الفعل المضارع في حاضر البشرية يعاني الفوضى والارتباك، في الفكر، في الرؤيا، في القيم، في العلاقات الإنسانية والاجتماعية. وقد تعدّى ذلك إلى تهديد الثوابت من الاستقرار الروحي والإيماني، وهذا الأمر أدخل سلوك الناس في تباين ومتاهة تكشفّت لنا جليًا في عملية الانتقال من النظرية إلى التطبيق، فتفاجئنا بالإسقاطات والتداعيات المستجدة.
وأضاف: إن مجتمع كنيستنا جزء من هذا العالم وأسوة بغيرنا من المجتمعات فقد غشى البعض من تشويش الرؤيا حيث اكتنفتها الضبابية بغير وضوح، وأضحى البعض منا يعانون من غباش في السلوك الروحي والإيماني والاجتماعي والإنساني.
واستدرك الأب العبد قائلا: إلا أن ما يميّزنا ككنيسة، التي هي الأم والمربّية، بأننا نسير وفق بوصلة واحدة على مرّ العصور وتقلّب الدهر والزمن، ألا وهي بوصلة السيد المسيح له المجد، والذي أرسل لنا روحه القدوس ليقود الكنيسة إلى ميناء الخلاص.
ووجّه كلمته إلى صاحب السيادة المطران متى وقال: إن التزامن، يا صاحب السيادة بين العنصرة ومناسبة سيامتكم، في هذا آية بأن الروح ينير قلبكم، قلب الراعي، ويشجعك على السير قدمًا بضوء كلمة الله متحدّيًا الصعاب بحكمة وشجاعة، وغيرة رسولية في قرار يتناسب وخير الكنيسة. وإني أتمنّى لك يا صاحب السيادة في هذا اليوم المشهود والمبارك، الكمال والتألّق بغزارة المواهب. واسمح لي أن أدعو لك في خضم هذا البحر الهائج، ان يسكب الله فيك موهبة فضيلة القوة والشجاعة، وهي فضيلة تمييز بين الإقدام والإحجام، فضيلة تؤمّن في زمن المصاعب الثبات والصمود في السعي إلى الخير. إنها تثبّت العزم على مقاومة التجارب والسيطرة على العقبات وعراقيل الحياة. وهي فضيلة تدعم القائد والراعي لاتخاذ القرارات، وكنيستنا بحاجة إلى ديناميكية متواترة في اتخاذ القرارات.