أنت هنا

تاريخ النشر: 
الخميس, يناير 21, 2021 - 20:06
 
خبرة الالم تولد التعزية
 
أبناء أبرشيتي المحبوبين في الربّ، أردت أن أكتب خبرتي كيف عشت هذه الفترةؤ مع أبناء مجتمعي ببضعة سطور. 
أحبّتي في الربّ، 
 
إذا أردنا أن ننمو في الحياة ، فيجب  ألّا نبقى أطفالًا إلى الأبد ، وإذا أردنا أن تجعلنا التجارب التي نعيشها أن ننضج ، فيجب ألّا ندع كلّ شيء ينزلق مثل الماء الذي يتدفّق تحت الجسور، بل علينا أن نفكر ونستوعب. 
 
أودّ أن أخبركم بما فعله الله من أجلي، إذ كنت قد دخلت المستشفى لمدّة أيّام مع فشل في التنفس بسبب الإصابة بـفيروس Covid-19. فمنذ الأيّام الأولى من شهر كانون الثاني بدأت أشعر بالضيق بسبب التهاب شديد في الحلق. وفي الأيّام التالية، ظهرت أعراض أخرى مثل الحمى والصداع والضيق في التنفّس، وعند دخولي غرفة الطوارئ، أدركت مقدار المعاناة والألم في وجوه المرضى ومدى الالتزام والتفاني لدى الأطبّاء والممرضين والممرّضات. فكانت مشاهد لم أرها حتى ذلك الحين إلّا في نشرات الأخبار وعلى الشبكة العنكبوتية. في تلك اللحظة اتّضحت لي خطورة الموقف وقلت لله: "يا رب اعتني بي وبالاخرين، إني أستودع نفسي بين يديك". 
 
ونظرت حولي وأدركت أنّ هناك "عالما" يهاجمه فيروس غير مرئي وفتّاك للغاية. كانت الغرفة مليئة بالناس، رجال ونساء من جميع الأعمار،، وكان هناك مَنْ يرتدون أقنعة لإعطاء الأكسجين. وكان بعضهم هناك لعدة أيام وكان آخرون يصلون باستمرار. لقد وصلت بالفعل العديد من الصلوات إلى عرش نعمة الله.
 
بعد التأكد من وضعي، تم نقلي إلى الجناح المعدّ خصيصًا لاستقبال المصابين بـفيروس Covid-19، وعلى الفور بدأوا في إعطائي العديد من الأدوية. وكانت الأيّام الأولى صعبة وحرجة للغاية. لا أستطيع أن أنسى الليالي الأولى من الأرق بسبب الحمى. فالحالة التي عشتها لن أستطيع نسيانها! أعلم أنّ الصلاة اشتدّت عند الكهنة الأحبّاء والأحباء  الذين كانوا يعلمون بإصابتي بالفيروس. وبفضل صلاتهم كان هناك تحسّن مستمرّ في حالتي السريرية. وفي كل خطوة لاحظ الأطباء هذا التحسّن فشجّعني هذا كثيرًا ، وأيضًا لأنّني كنت أعرف أنّ الكثير، من المؤمنين في أجزاء كثيرة من العالم، كانوا يصلّون من أجلي ومن اجل كل مريض في العالم ، وكانت الصلاة مرفوعة إلى عرش النعمة. 
 
بعد أيّام من العلاج في المستشفى، خرجت بمسحة سالبة مزدوجة. فخارج المستشفى، أدركت أنه لو لم أصب بـفيروس Covid-19 والاستشفاء منه، ما كان لأدرك بشكل شخصيّ ما يحدث بالفعل، ومقدار المعاناة والموت الذي كان موجودًا بالفعل في المستشفيات في هذه الفترة بسبب هذا الفيروس، وأنّني فقط بعون الله ورحمته استطعت أن أخرج معافى بعد حالة لا اتمناها لأي شخص. 
 
لقد تأثّرت بشدّة بالتزام وتفاني جميع الطاقم الطبّـيّ الذي، على الرغم من حجم العمل الكبير وظروفه القاسية ووسط الكثير من المعاناة، لم يتراجعوا أبدًا عن طمأنة المرضى. 
يرسلنا الله أحيانًا لمواجهة عاصفة خطيرة ، حتى نتمكن من رؤية "البشر" بأعيننا كيف يدير الله الأمواج والرياح ويعيدنا بأمان إلى الشاطئ، وكيف يخوض المعارك شخصيًّا من أجلنا. إنّه يطلب منّا فقط أن نرتاح بين يديه حتى في أحلك العواصف ويجب أن أخبركم أنه لهذا السبب بالذات لم أكن خائفًا على حياتي أبدًا. 
 
لقد تأثّرت بشّدة بالعاطفة المسيحيّة التي أظهرها لي العديد من الكهنة من الابرشية وخارجها، والمؤمنين الذين جعلوني أشعر بقربهم من الرسائل والمكالمات الهاتفيّة. هذه هي المحبّة التي توحّد أبناء الله، ولذلك أريد أن أعطي التسبيح والمجد للربّ يسوع ، مخلصي وربيّ الوحيد.
واشكرالله على هذه التجربة التي ارادني فيها لاكتشف عمي محبته الشخصية لي، واكتشف أيضا محبة الناس التي تبادلوها معي. فازرع المحبة أحصد المحبة. 
اصلي لاجلكم جميعا. كهنة، ومؤمنين، اقرباء واحباء، طواقم طيبة هنا في بلادنا المقدسة وفي العالم، فأنتم جميعا عائلتي التي وهبني ايها الله. احبكم لو كنتم تعلمون كم. 
 
+ المطران يوسف متى.