أنت هنا
القائمة:
احتفل نيافة الكاردينال بيير باتيستا بيتسابالا بالقداس الأول بعد تسلمه شارات الكاردينالية من قداس البابا فرنسيس. وأقام القداس الإلهي في الكنيسة البابوية سانتا ماريا ماجوري في روما، حضره أعضاء مجلس رؤساء الأساقفة الكاثوليك في الشرق الأوسط، من بينهم سيادة المطران يوسف متى رئيس أساقفة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل.
وقال نيافة الكاردينال بيتسابالا في عظته في هذا القداس: إن الإفخارستيا التي نحتفل بها اليوم هي ذات "لون" خاص وجديد لنا جميعًا.
وأضاف: لا أشير فقط إلى اللون الأحمر الأرجواني الروماني الذي منحني إياه الأب الأقدس، وبه يكرّم كنيسة القدس التي أرأسها والحاضرة اليوم معي في هذه اللحظة بالذات. وأشير إلى الرسالة "الجديدة" التي يعنيها هذا اللون بالنسبة لي ولكل من تربطهم بي روابط إنسانية ومسيحية وكنسية.
ومضى يقول: أني على يقين بأن كل رسالة جديدة هي خدمة، وكل "لقب" في الكنيسة له دوره ومسؤولياته، فهي ليست خطوة جديدة نحو الأعلى، بل للسير نحو العمق، أو بالأحرى "إلى القاع". فالكاردينالية بالنسبة لمن ينالها، لو لمن يرتبطون بها، تشكل اتحادًا أوثق مع كنيسة روما وأسقفها، وهي دعوة لنا جميعًا للنظر إلى الكنيسة، الى مشاركة جديدة، كل بحسب العطية التي ينالها، في "الأسقفية"، والتي تعني "النظرة من فوق" والتي يحملها أسقف روما نحو الكنيسة الجامعة، وهي "نظرة بطرس الرسول".
وأشار إلى أن نظرة بطرس هي قبل كل شيء نظرة خبير لضعفه، ولكنها مليئة برحمة الله، فقد جعل من "نعم الله" قبل "لا الإنسان"، وهو ينتظرنا بصبر وأمانة في ظل ترددنا، يرافقنا في ذهابنا وايابنا في محبة أمينة ومسؤولة. إن حماسة بطرس المتهورة ومخاوفه، وإنكاره ودموعه، وحبه الصادق والخائن، تتحدث عن نظرة استطاعت أن تكتشف الحب في الفشل، والانتصار في الهزيمة، والثقة في التناقضات والإنكار.
وتابع نيافته يقول: ولذلك، فإن رتبة الكاردينال، كما أفسره، هي دعوة لوضع أنفسنا من وجهة النظر هذه، للنظر إلى ضعف الإخوة بحب صادق، للتأمل بتعقيدات التاريخ بذكاء. نشترك جميعا في ثقافة تمجد النجاح والأداء، وتهون كل شيء من خلال شعارات رنانة وأحكام مرتجلة. نحن نبحث عن الكلمة ذات التأثير، والبحث عن الحقيقة يفسح المجال لرأي الجميع أو لمن يهمهم الأمر.
واستطرد قائلا: إن نظرة بطرس، والتي هي نظرة البابا، نظرة لا تعرف الاستسلام. وفي نهاية المطاف، وكما نعلم جميعًا، فإن هذه تجربة يومية بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في القدس. في تلك المدينة المقدسة والمتعبة، حيث بدأ بطرس خدمته كمبشر للإيمان، نتعرض كل يوم لإغراء الاستسلام للضعف، والتعب من آلاف الترددات السياسية والوطنية والدولية، وترك الكلمة الأخيرة للإنكار وخيبات الأمل، أو السعي نحو الحل السهل أو إصدار أحكام متسرعة؛ ومع ذلك، لا يوجد نقص في كل يوم من علامات الأمل الصغيرة، والتحديات الجديدة للحوار والمصالحة التي تشعل فينا الحماس من جديد، وتشجع فينا الثقة، وتجدد فينا الأمل، فتجعلنا غاضبون مثل بطرس: "لم نصطد شيئًا، ولكن بحسب كلمتك سألقي الشباك!" (أنظر لوقا 5: 5).
وأكد نيافة الكردينال، على أن نظرة بطرس قادرة على ذلك، لأنها نظرة مملؤة من نظرات يسوع، نقرأ في الأناجيل: "فنظر يسوع إلى بطرس" (لو 22، 61). أنا بالتأكيد لست رومانسيًا، وأي شخص يعرفني يعرف ذلك جيدًا! - ولكن بالنسبة لي أيضًا، من الصعب الهروب من تأمل جمال نظرة المسيح التي أشعلت العديد من القصص الرائعة عن الحياة والقداسة في كنيسة الأمس واليوم.
وخلص نيافته إلى القول: أصدقائي الأعزاء، في كل مرة نحتفل بالإفخارستيا، نكون تحت نظر المسيح ونعانقه. إن احتفال اليوم يعني قبولنا بجعل أنفسنا تلاميذًا للنظر إلى كل شيء، مع بطرس، بدءًا من المسيح. نحن مدعوون، مع بطرس، إلى النظر دائمًا إلى المسيح من جديد، وعلى الرغم من الصعوبات الحتمية التي تميز الطريق المسيحي اليوم أكثر من الأمس، نشعر أننا مدعوون لاختيار المسيح وإنجيله ليكونا الطريق والحق والحياة لتفكيرنا وأفعالنا. في أوقات الارتباك والشدة الكبيرين، الكنيسة مدعوة للبدء من جديد، من المسيح المعلم والرب. إن إنجيله ليس مجرد مدونة أخلاقية، أو ما هو أسوأ من ذلك، مجرد مرجع يعتمد عليه في الآداب الدينية والمدنية. إن إنجيل المسيح، هو المسيح نفسه، هو الكلمة التي تعد بالحياة والتي تتطلب الإيمان الذي يقود للتوبة والتغيير الاجتماعي.
نحن مدعوون مع بطرس إلى الخروج من ضيق الأنا أو الآراء المشتركة والانفتاح على المسيح الذي يجمعنا مع الكنيسة بأسرها. من خلال الإعلان بأنك بيننا في الكنيسة، ستعود الينا هويتنا الحقيقية: أنت بطرس! (متى 16، 18). لن تكون هوية جامدة ومنغلقة ومستبعدة ومعارضة لهويات الآخرين، بل نتلقاها كهبة، تطهرها المحبة المصلوبة، تسعى للخدمة كي يصبح الجميع إخوة.
وهنا أيضًا لا يسعني إلا أن أفكر في القدس والأرض المقدسة، في أبرشيتي التي أتوجه إليها في هذه اللحظة بمودة وشكر على محبتهم ودعمهم وتشجيعهم في الفترة الأخيرة. تلك الأرض الرائعة والمثيرة، ملتقى مختلف الثقافات والأديان والشعوب، وفي هذا السياق، نحن المسيحيون عددنا قليل جدًا، ووفقًا للحسابات البشرية، لا علاقة لنا بالموضوع. إن تجربة النظر إلى هذا التنوع بنظرة بطرس قبل أن تلتقي بنظرة المسيح، أي بنظرة مخيفة، وهي نظرة عدوانية وعنيفة، هي تجربة قوية. يمكن للسياسة والمؤسسات الثقافية والاجتماعية، وأحيانا حتى الكنائس، أن تختار طريق المطالبات والصراع والمصالح الحزبية، وحتى العنف. يبدو أن احتلال المساحات عن طريق إقصاء الآخرين، الذين يُنظر إليهم على أنهم منافسون وأعداء، هو الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.
واختتم قائلا: ولكننا كمسيحيين مختلفون، ويجب أن نكون مختلفين، لأننا مدعوون لأن نختار كل يوم أن نكون تلاميذ للمسيح، الآن وللنهاية. يجب علينا أن نسير خلف الرب، مستعدين للذهاب حتى إلى حيث لا نرغب، ولو ارغمنا على ذلك. إن الاختلاف المسيحي لا يكمن في نقاط قوتنا أو في هيبتنا بل في اختيارنا للمصالحة والحوار والخدمة والسلام. فالآخر بالنسبة لنا ليس منافسًا، بل هو أخ. بالنسبة لنا، الهوية المسيحية ليست حصنًا ندافع عنها، بل بيتًا مضيافًا وبابًا مفتوحًا لسر الله والإنسان حيث نرحب بالجميع. نحن مع المسيح للجميع.
أيها الإخوة والأخوات، هكذا أود أن أعيش وأن "أكون" كاردينالا. هكذا أود أن تكون البطريركية اللاتينية، التي أصبحت بشكل مفاجئ مقر الكرادلة، بدعوتها ورسالتها. هذه هي الطريقة التي أود منكم جميعًا أن تختاروا بها أن تكونوا مسيحيين، تلاميذ للمسيح، مشددا إياكم بصلاتي كما وأطلب صلاتكم من أجلي.
فلتشفع فينا مريم العذراء، التي نكرمها كوالدة الإله في هذه البازيليك، لنا ولكنيسة القدس وتعضدنا في مسيرتنا الجديدة هذه.