أنت هنا

تاريخ النشر:
الاثنين, سبتمبر 14, 2020 - 12:55
القائمة:
"ما من حُبّ أَعْظَم مِنْ أَنْ يَبْذُلَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ في سَبِيلِ أَحِبَّائِه"ِ
كلمة الأب مكاريوس جريس راعي كنيسة الرّوم الملكيين الكاثوليك في جديدة المكر بمناسبة عيد رفع الصليب المحيي
الصليب علامة العشق الإلهي
إخوتي وأخواتي الأحبّاء في جديدة المكر وفي كلّ رعايا الأبرشيّة العكاويّة المحبوبة
سلام المسيح يسوع مخلصنا
ها إنّ عيد رفع الصّليب الكريم المحيي، يأتينا في أيامٍ عصيبةٍ مليئة بالصلبان التي يجب أن نحملها؛ فالقلق والخوف يسود المسكونة كلّها بسبب جائحة الكرونا. العالم يُعاني من الفقر والعوَز. أمّهاتٌ ثكالى يُشبِهنَ مريم المُنتحِبة عند أقدام الصّليب. عائلات مشرّدة بأكملها لا تجدُ مأوًى لها، حروبٌ وكوارث في كلّ مكان.. ولكنّ هذا كلّه لن يُفقدنا سلامنا! لأنّنا نؤمن أنّ وراء الصّليب تأتي القيامة. لهذا أدعوكم أحبّائي أن نَنظُرَ في هذه الأيّام المباركة إلى مشهد الصّليب الذي تُصوّره لنا الأناجيل المُقدَّسة بعيونِ أذهانِنا، لنُبصر الحقيقة ونتحرّر من شقائنا وتعاستِنا.
قد تسألون أنفسكم: لماذا كلّ هذا الإكرام للصّليب؟!
فعلًا إخوتي إنّ الصليب، بحدّ ذاته، شرّ، وكذلك الألم والظلم والموت. هو خشبةٌ مقطوعةٌ غادرتها الحياة. ولكن إن نظرنا الى الذي عُلّق عليها، حينئذٍ يُصبح الصّليب حامل الحياة. فليس عبثًا أصرّ آباؤنا ألاّ يصوّروا الصّليب إلاّ والمسيح مصلوب عليه، لأنَّ المسيح هو الذي يُعطيه حياةً جديدة. ويصوّرونه أحيانًا مكلّلًا بالغار والريحان رمزًا للغلبة والانتصار. وطالما كنّا نحن الشجرة المقطوعة والعقيمة منفصلة عن مبدأ الحياة أعني (يسوع)، فلا قيامة لنا ولا خلاص، أمّا إذا نظرنا إلى المصلوب، وتأمّلنا عينيه الشاخصتين إلينا في كلّ أيقونة، وتعلّمنا منه أن نتبعه، نحن المُتعبين والمُثقلين، حينئذ يتبدّل كلّ شيء، وندرك ما قاله لنا يسوع: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي." (لو 9: 23)
بهذه الرّوح علينا أن ننظر إلى الصّليب لا كأداة لعنةٍ وكراهيّة كما كانت قديمًا، بل كعلامة خلاصٍ وقصّة عشقٍ إلهيّ فيها تجلّت محبّة الله للإنسانيّة. ولكن أيضًا لنتعلّم من مُعلّمنا الإلهي كيف نُحب الآخر ونُضحّي من أجله بمجانيّة مُطلقة، وهذا يتطلّب منّ كلّ مؤمنٍ أن يختبر محبّة المسيح له أوّلًا، ليعرف كيفَ يُحب وكيف يغفر ليكونَ شاهدًا لقيامة الربّ في حياته، وسفيرًا يحمل فكر سيّده إلى كل إنسانٍ يلتقيه.
وأخيرًا أتمنّى للجميع عيدًا مُباركًا ببركة الصليب، وأسأل المرفوع عليه، وأضرع إلى الله عزّ جلالُه أن يشفي كلّ مريض، ويُعزّي كلّ حزين ويردّ المفقودين، ويسكب روحه القدّوس في قلوب الحكام، وأن يمنح سلامه لشرقنا الجريح وللعالم أجمع بشفاعة السيّدة العذراء الطاهرة. آمين.




