أنت هنا

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, نوفمبر 3, 2020 - 12:14
 
السَّاعة في الكتاب المقدَّس
 
مقدمة
 جولة في رحاب الكتاب المقدَّس نتعرف على موضوع "السَّاعة" وما تنطوي عليه من معانٍ بيبليَّة في العهدين القديم والجديد، متوقِّفين عند موضوع السَّاعة الإسكاتولوجيَّة، وساعة المسيح المنتظر، والكثير من المعاني العميقة لمفهوم الساعة

أوَّلاً:"السَّاعة" في العهدين القديم والجديد

في العهد القديم، دلّت لفظة "ش ع هـ" على الوقت أو اللحظة، وقد جاءت في وقت متأخّر وفي اللغة الاراميّة لا العبريّة[1]، وفي العهد الجديد احتفظت اللفظة اليونانيّة "هورا" بمعنى عام ليدلّ على الزَّمن والوقت[2]. وقد دلّت أيضًا على وقت محدّد في النَّهار: السَّاعة الثَّالثة[3]. السَّاعة الخامسة[4]. السَّاعة السَّادسة[5]. السَّاعة السَّابعة[6] السَّاعة التَّاسعة[7]. السَّاعة العاشرة[8]؛. السَّاعة الحادية عشرة[9 

قد تدلّ "هورا" على مدى من الوقت محدّد؛ ساعة واحدة[10]، ساعتان[11] ثلاث ساعات[12]. وكما يقول الرب يسوع: "أَلَيسَ النَّهارُ اثنَتَي عَشْرَةَ ساعَة؟ فمَن سارَ في النَّهار لا يَعثُر، لأَنَّه يَرى نورَ هذا العالَم" [13]، إن اليوم يُقسم إلى اثنتي عشرة ساعة من شروق الشَّمس إلى غروبها. وهذه القسمة قد تنطبق أيضًا على الليل[14]. الاّ أن الليل كان يُقسم عادة إلى هجعات. كانت تُعرف السَّاعة بدقّة بواسطة ساعة شمسيّة أو ساعة مائيّة، وهاتان الآلتان قد عرفهما المصريون وبلاد الرَّافدين منذ الألف الثَّاني ق.م 

بجانب هذا الاستعمال اليوميّ والدَّقيق للسَّاعة، ذكر العهد الجديد السَّاعة مرَّات عديدة في معنى عام ومرمى لاهوتيّ، وهكذا دلّ على ساعة الدَّينونة والخلاص. على السَّاعة الاسكاتولوجيّة، على منعطف في تاريخ الخلاص يدلّ عليه موت يسوع وقيامته. على ساعة ابن الانسان[15]. وقد توسّع إنجيل يوحنَّا بشكل خاص بعبارات مبنيّة على السَّاعة : "جاءت السَّاعة"[16

ثانيًا: السَّاعة الإسكاتولوجيَّة (النُّهيويَّة

كان اليهود في كتبهم الرؤيوية مقتنعين بقرب الأزمنة الأخيرة، أزمنة الاكتمال، فكانوا يقسّمون الزَّمن المتوخَّى للتَّدخُّل الإلهيّ إلى أيّام وساعات، فتتَّخذ كل لحظة قيمتها عند اقتراب النِّهاية. يقول دانيال أنّ الرؤيا تخصّ "الوقت المحدود" وأنّ السُّخط سيتم في "الميعاد المحدود"[17]. "لأنَّهُ يبقى زمان إلى الميقات"[18]. في الواقع، سوف تكون ساعة حاسمة ساعة الانقضاء، الَّتي ستشهد دمار العدوّ[19]. كذلك بحسب كتاب أخنوخ الدَّخيل السَّاعات الَّتي يتعاقب فيها رعاة يهوذا

في مثل هذا الجو، قد أعلن يسوع ساعة الانتصار النِّهائيّ لابن الإنسان. إنّها السَّاعة الخفيَّة على البشر تمامًا، وهي ساعة الدَّينونة[20] أي ساعة الحصاد[21]. وكذلك تظلّ غير معروفة ساعة الافتفادات المختلفة الَّتي سوف تؤذن بالسَّاعة الأخيرة، ممَّا يصحبها من محن عامَّة أو خاصّة، فعلى المؤمن أن يستعدّ لهذه السَّاعة الخطيرة وإن كانت غير معلومة. وهو على كلّ حال، يعلم أنّ السَّاعة قريبة، بل انّها بنوع ما، قد حضرت الآن[22]، وأنها آتية فهي "السَّاعة الأخيرة"، ساعة الاستيقاظ من النَّوم[23]، ولكنّها أيضًا ساعة العبادة الكاملة، في صداقة حميمة مع الآب بالرَّوح القدس[24

ثالثًا: ساعة المسيح المنتظر

في الواقع، وبطريقة لا تلفت الأنظار، قد أتت السَّاعة بمجيء يسوع، ساعة إعلان الملكوت[25]، وخاصّة ساعة آلامه ومجده الَّتي فيها تحقّق تمامًا تدبير الله الخلاصيّ. تشير إليها الأناجيل الإزائية بأسلوب بسيط: "قد اقتربت السَّاعة، الخ..."[26]. وهذه السَّاعة لا تحدّد وقتًا معينًا من الزَّمن، بقدر ما تتوِّج مجمل المرحلة العظمى من عمل المسيح، على نحو ما تكون عليه ساعة المرأة الَّتي تشير أوجاعها إلى ظهور حياة جديدة[27]. إنها ساعة آلام يبدأ معها كفاح باطني قاسٍ[28]. وهي أيضًا ساعة العَدو والانتصار الظَّاهري للظَّلام[29]. ولكن أكثر من ذلك، هي ساعة الله، التي حدّدها بنفسه وعاشها يسوع طبقًا لمشيئة الآب. وإذ جاء ليتمّم هذه المشيئة، فهو يقبل هذه الساعة، برغم الاضطراب الذي يستحوز عليه من جرّائها[30] ولا ننسى أنَّها أيضًا ساعة مجده[31] وكمال رسالته الخلاصية[32]. وعند يوحنّا، نرى يسوع نفسه يسمي هذه الساعة "ساعتي"، لشدّة مطابقة إرادته مع إرادة الله. ما من أحد يمكنه، ولا أمّ يسوع ذاتها، مخالفة التَّخطيط الإلهيّ والتماس معجزة دون أن يشير يسوع إلى حلول ساعته، (سواء لتأكيدها أو لنفيها، طبقًا للآراء المتعارضة لمختلف النقّاد). وتبعًا لساعته هذه، يترتَّب كل نشاطه سواء كان في صنع المعجزات أو في ممارسة وظيفته النبويّة

يستعمل الإنجيليّ الرَّابع أسلوب التَّعميم عندما يتحدّث عن "ساعته" (ساعة المسيح). فكل محاولة لإلقاء القبض على يسوع أو لرجمه تظلُّ بدون جدوى طالما لم تأتِ ساعته[33]: وتتحطَّم مخططات البشر في مواجهة هذا التَّحديد الإلهيّ. ولكن، عندما تأتي "ساعة انتقاله عن هذه الدّنيا إلى أبيه"[34]، أي عند ساعة الحب الذي يبلغ ذروته، نرى الربّ يذهب إلى الموت بملء حريته، مسيطرًا على جميع الأحداث

خاتمة

هكذا، وراء الأحداث التي تتعاقب دون ترابط ظاهريّ، يتّجه كلّ شيء نحو هدف سوف يتمّ بلوغه في زمنه وفي يومه وفي ساعته. إن ساعات هذه المسيرة موقوتة، على نحو الجداول الزمنيَّة التي نضعها في أيّامنا الحاضرة، لكلّ مشروع اقتصاديّ أو سياسيّ. وهناك بعض ساعات قاسية يمرّ بها يسوع، مثل السَّاعة الَّتي يتركه فيها تلاميذه[35]، إلا أنها تنزع في جملتها نحو المجد، أي نحو رجوع الربّ في مجده. وكلّها تشهد بذات دقتها لقصد الله الذي يقود التاريخ[36

[1]  (دا 4 :16؛ رج 3 :6، 15؛ 4 :30؛ 5 :5)

[2]   (رج مت 8 :13؛ 9 :22؛ 10 :19)

[3]   (مت 20 :3؛ مر 15 :25؛ أع 2 :15)

[4]  (رج أع 19 :9 حسب الكودكس البازي)

[5]  (مت20: 5؛ 27 :45؛ مر 15 :33؛ يو 4 :6؛ 19 :14؛ أع 10 :9)

[6]  (يو4: 52)

[7]  (مت 20 :5؛ 27 :45؛ أع 3 :1؛ 10 :3)

[8]  (يو1 :39؛ أع 19 :9 حسب الكودكس البازي)

[9]  (مت 20 :6؛9)

[10]  (مت 20 :12؛ 26: 40؛ مر 14: 37؛ لو 22 :59؛ رؤ 17 :12؛ 18 :10، 17، 19)

[11]  (أع 19: 34)

[12]  (أع 5 :7)

[13]   (يو11: 9)

[14]  (أع 23 :23)

[15]   (مت 24 :44؛ رج مت 24 :36، 50؛ 25 :13؛ مر 13 :32؛ لو 12: 39، 40، 46؛ 1 يو 2 :18؛ رؤ 3 :3، 10؛ 9 :15؛ 14 :7، 15)

[16]   (رج 2 :4؛ 4: 21، 23؛ 5 :25، 28؛ 7 :30؛ 8 :20؛ 12 :23، 27؛ 13 :1؛ 16 :2، 4، 21، 25، 32؛ 17 :1؛ 19 :27)

[17]  (دانيال8: 17و19)

[18]  (دانيال11: 35)

[19]   (11: 40 و45، راجع رؤيا 18: 10و17 و19)

[20]  (متّى 24: 36 و44 و50، يوحنّا 5: 25 و28)

[21]  (رؤيا 14: 15- 17)

[22]  (يوحنّا 4: 23)

[23]  (رومة 13: 11)

[24]  (يوحنا 4: 23)

[25]  (يوحنا 2: 4)

[26]  (متّى 26: 45)

[27]  (يوحنا 16: 21)

[28]  (مرقس 14: 35)

[29]  (لوقا 22: 53)

[30]  (يوحنا12: 27)

[31]  (يوحنا 12: 23)

[32]  (يوحنا 12: 24)

[33]   (يوحنا 7: 30، 8: 20)

[34]   (يوحنا13: 1)

[35]  (يوحنّا 16: 32)

[36]  (أعمال 1: 7)

 
 
بقلم الاب ميشيل حداد المخلصي