أنت هنا
القائمة:
الترنيم في القداس - طقسنا البيزنطي -
سمو الترتيل: إن الترتيل في طقسنا، خصوصا في القداس، هو من الأمور الأساسية. فهو يساهم في جعل الكلمة المسموعة والمقروءة تتغلغل في أعماق المؤمن وبالتالي يعيش الحياة الليترجيا. عندما نرتل في الكنيسة، نكون نشارك الملائكة والقديسين والشهداء الملتفين حول عرش الحمل في السماء ويرنمون ويمجدون الله. ما أعظم هذه المشاركة، وأي تقدير منحتنا الكنيسة نحن غير المستحقين ان نكون مثل الملائكة والشهداء. لذا لا يمكن ان نتصور قداسًا بدون ترتيل. لذا في طقسنا البيزنطي لا يوجد قداس كبير احتفالي فيه ترتيل، وقداس صغير غير احتفالي. لأن الاحتفالية لا تأتي من عد الأشخاص المشاركين، ولا من هويتهم إن كان أسقف أو من المناسبة. لأنه حيث يحضر الثالوث هنالك الاحتفال بسر الملكوت، وما نحن البشر سوى خطأة وعمال بطالين.
يُذكر ان الأمير فلاديمير عندما أراد ان يدخل المسيحية مع روسيا أرسل مندوبين من قبله ليحضروا صلوات كنائس متنوعة. بعد حضورهم القداس البيزنطي في كنيسة أيا صوفيا في القسطنطينية، رجعوا وأوصوا ان يتبعوا الطقس البيزنطي لأنهم شعروا بالترتيل أنهم في السماء.
يقول القديس اغسطينوس: من يرتل يصلي مرتين مرة عن نفسه ومرة عن الشعب الذي يسمع الترتيل. لذا فما أعظم من يرتل ان كانت جوقة او مرتل انفرادي او كاهن فكلهم هدفهم هو أن نعيش الملكوت على الأرض. ويصلون مرتين.
سلَّم التحديات في الترتيل: إن التقدم في الترتيل هو كمن يرتقي سلم الفضائل، ولكن قد يقع المرنم من الدرجة الثانية او الرابعة او التاسعة في ارتقائه. هنالك امور يجب الانتباه اليها في الترتيل. الأول التركيز على الهدف. على المرنم ان يتذكر دائما ومع كل صوت يخرج من فيه، ان بقول إني أصلي عن نفسي وعن الشعب. فليعمل جاهدًا أن لا يتحوّل الترتيل الى غناء. إذا جرى ذلك يصبح فريسيا واقفا في أول الكنيسة ولسان حاله يقول "لست كباقي الناس". فيجيب الرب: إنكم لا تدخلون الملكوت ولا تدعون الآخرين يدخلون. بالتالي يقوم المرنم في تمجيد نفسه لا الله. على المرتل أن يرتل بأجمل صوت لديه، بصوت خارج من قلبه. أما ‘ذا كان من حنجرته فانه يتلاعب بالترتيل ليصير غناءً، الغناء جميل لكن ليس في الكنيسة لا الله يقبله ولا آذان المصلين. فليفحص المرنم نفسه. فإن كنا ندين أنفسنا، لا ندان من قبل الناس. الذين يشعرون ويميزون كل مقطع أصلاة هو لله أم غناء.
الموضوع الثاني الذي يجب الحذر منه هو لغة الترتيل، عربي ام يونانيّ. ان الترتيل في اليونانية قد ازداد في بعض الرعايا. التبرير للترتيل في اليونانية هي: أن كلمات القداس كتبت باليونانية واعدت التراتيل باليونانية فالترتيل باليونانية يكون أجمل من الترتيل في العربية حيث تفقد من شاعريتها. أو عند نرتل في اليونانية يسكت الجمهور فنتمكن من "السيطرة" وإظهار جماليات الترتيل. او للتنسيق الزمني عندما يشارك في القداس عدة كهنة. وأحيانا لنظهر اننا جوقة "قوية" لا تستطيع باقي الجوقات او المرنمين القيام بما نستطيعه. وأحيانا لنظهر للروم الأرثوذكس الذين يسمعوننا اننا نعرف اليونانية ومتمسكون بها ونرتل بها. لكن هنالك ثلاث اعتراضات أساسية للترتيل في اليونانية: الأول: انه كثيرا ما يكون من باب الفريسية نحن أفضل من الباقين، ولنا ما نعرضه. والثاني الوقوع في الغناء بدل الصلاة خاصة وأن الكثيرين من المرنمين لا يعرفون الموسيقى الكنسية لا يعرفون اليونانية، فيستعملون أوراقا مكتوبة بأحرف عربية او إنكليزية. والتالي وللأسف يحوّلون أنفسهم الى ببغوات. النقطة الثانية: نحن روم ملكيين لا روم ارثوذكس. وتاريخنا الكنسي منذ القرن الثامن عشر مبني على أننا عرب ولساننا عربي لذا فإننا كنسية ناطقة بالعربية، وقد قام أفضل الأدباء الى نقل الصلوات الكنسية الى العربية بلغة جميلة رائعة وموسيقية. وقد قامت الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية بحركة مشابهة لنا بعد قرن منا. في كتب الموسيقى الكنسية لكنيستنا، يحافظون على الخط العربي من اليمين الى الشمال ونُقلت النوتة الموسيقية لتكون من اليمين الى الشمال. في حين ان الكنائس الارثوذكسية فقد حافظت على النوتة لتكون من الشمال الى اليمين لذلك يقسمون مقاطع الكلمات في العربية من الشمال لليمين.
النقطة الثالثة والأهم هو ما ذكره القديس بولس بالنسبة للتكلم بلغات او بألسنة: "فالآن أيها الأخوة إن جئت إليكم متكلماً بألسنة فماذا أنفعكم . .. أنتم أيضاً إن لم تعطوا باللسان كلاماً يُفهم فكيف يعرف ما تُكلم به، فإنكم تكونون تتكلمون في الهواء" (1كو6:14ـ9). إن أهم عبارة تميز إصحاح الألسنة (1كو14)، هي كلمة (للبنيان) ذكرها الرسول مرات عديدة، وأصر عليها جدًا. وقال في صراحة: (فليكن كل شيء للبنيان) (1كو26:14). فنرتل لأنا هكذا نعيش في السماء.
فلنرتل من القلب بصوت جميل وبلغة مفهومة، حتى يكون الترتيل للبنيان.
بقلم الاخ ناصر شقور