أنت هنا

تاريخ النشر: 
الاثنين, مارس 22, 2021 - 09:19

بقلم سيادة المطران د. يوسف متى 

الاستعداد للأسبوع  العظيم..
 
مَع أُسْبُوع الْآلَام نَدْخُل إلَى قَلْبِ السِّرّ الْمَسِيحِيّ الَّذِي يَكْشِفُ مَعْنَى الْحَيَاة وَالْأَلَم وَالْمَوْت.
 
نَسِير عَلى خُطى يَسُوع، محاطين بِمَحَبَّة لا متناهية حَتَّى النِّهَايَة.
نَدْخل الأسبوع مُدْركين أَنَّ مَوْتَ الْمَسِيح وقيامته وَخلَاصَه  وَسَلَامه هبة لِلْجَمِيع - حَتَّى فِي الْأَوْقَاتِ الصَّعْبَة كأَيَّامِنَا هَذِهِ.
 
 إنّ التَّدَابِير التَّقْيِيدِيَّة، الْمَوْضُوعَة لِحِمَايَة الصِّحَّة الْعَامَّة، تَحِدّ ربّما مِنْ مُشَارَكَةِ النَّاسِ، لَكِنَّ هَذَا الْوَضْع، مَهْمَا كَانَ ثقيلًا وصعبًا، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَنا نتخلّى عَن عَيْش عيد الفِصْح.
 
أعتقد أَنَّهُ مِن الْمُهِمِّ إيجاد توازن بَيْنَ الرَّغْبَةِ فِي أَن نَكُونَ قَرِيبين مِن النَّاسِ وَما بين الْقُدْرَة عَلَى قَبُولِ الْفَرَاغ، وَالضَّعْف، فَقَطْ إذَا كَانَ لَدَيْنا الْإِيمَان لِلدُّخُولِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُعَلَّق، فِي هَذَا النَّقْص، فَرُبَّمَا نكون قادرين عَلَى إعْطَاءِ الْكَلِمَات الَّتِي تَنْشَأ مِنْ الأعْمَاقِ، وَاَلَّتِي تَنْبُعُ مِنْ صَمت مليء بالإصغاء.
 
عَلَيْنَا يَا أَحِبَّائِي إعَادَة اِكْتِشاف عيد الفِصْحِ بِعُيون الْكَنِيسَة، والتَّأَمُّل فِي كَلِمَة الله وتعميق بَعض مَوْضُوعَات الْحَيَاة الْمَسِيحِيَّة: كالخدمة، وَالشَّرِكَة، وَالْعَطاء وَالِانْتِظَار، وَالْفَرَح، وَكُلّ هَذَا يَنْبُعُ مِن رغبتنا بعيش هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُقَدَّسَة وإدراك قدسيّتها، خَاصَّةً فِي الشَّرِكَةِ مَعَ أُولَئِك الْأَكْثَر تعرّضًا لِلْمَرَض وَالْمُعَانَاة وَالْحداد.
 
 
"أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟"
أُسْبُوع عَظِيمٌ مِثْل هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِعْدَادِ. سَأَل التَّلاَمِيذ يَسُوع: "أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟" (متّى 26 ، 17)، وَذَات السُّؤَال نطرحه بأنفسنا عَلَى الرَّبِّ، ألسنا نحن أيضًا تلاميذه؟
 
 لاَ يحْتَفِل بَعِيد الفِصْح إذَا لَمْ نعدّهُ! لَا يَحْضرُ عيد الفِصْح، بَلْ يتِمّ الِاحْتِفَال والمشاركة بِهِ ثُمَّ إعْداده. 
 
رُبَّمَا تَكُونُ هَذِهِ مُنَاسَبَة "لظهور" اللّيتورجيّا كتجسيد وُجُودِي وَلَيْسَ مُجَرَّد طقوس سرّية لأنّ شعْب الله هو مَوْضُوع حَيّ لِلْإِيمَان. لَيْس بصفتهم شَخْصِيَّة حياديّة يُشَاهِدُون طقوسًا يَحْتَفِل بِهَا الآخَرُونَ مِنْ أَجَلهِمْ، لَكِنَّهُم يكتشفون أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ "شعب كهنوتيّ"، قَادِرٌ حقًّا عَلَى الِاحتِفَال والمشاركة بِطَرِيقِة "واعية ونشطة وكاملة" وفقًا لِحكم معموديّتهم، وعليه فلنؤدّ نحن كمؤمنين تجسيد هذا السّرّ العظيم برغبة واعية وإدراك عميق. 
 
إنّ أسبوع الآلام بِكَامِله مَوْضُوع اِحْتِفالِيّ، أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أنْ يَتَعَلَّمَ ألَّا "يشاهد"، بَلْ أنْ يَحْتَفِل ويشارك بِنَشَاط هذا الأسبوع المقدّس. 
 
الْآن يُمْكِنُكم الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْكم ذَلِكَ، وَإِلَّا فسيظلّ هُنَاك فرَاغٌ لَا يُمْكِنُ تَجَاوَزه. 
 
فِي الْوَاقِع، هَذَا صَحِيحٌ دائمًا؛ ففِي كُلِّ اِحْتِفال، حَتَّى فِي تِلْكَ الَّتي نُقِيمُها عادةً فِي كَنَائِسِنَا يَكُون مَوْضُوع الِاحتِفال شَرِكَة الْمُؤْمِنِين بأكملها، وَالْكَهَنَة يترأّسون هذه الاحتفالات بِشَكْل خَاصّ، ليحيوا خِدْمَة الأسبوع المقدّس، لا لِيحِلُّوا مَحَلّ شعَب الله، بل لِمُساعَدَتِه عَلَى عَيْش الصَّلَوَات كَوْنه جزءًا نشطًا مِن الصَّلَوَاتِ، لذا عليك أن تكون هناك حاضرًا ومشاركًا فعّالًا.
وَإِذَا كَانَ هَذَا يَنْطَبِق عَلَى كُلِّ يَوْمٍ أحد، فَإِنَّه يَنْطَبِق أيضًا عَلَى عِيد الفِصْحِ بكلّ تأكيد.
 
 
يُمْكِننا يا أحبّتي إعَادَة قِرَاءَة نُصُوص الْكِتاب الْمَقْدّس الْمُخَصَّصَة لِأُسْبُوع الْآلَام [من سفر الْخُرُوج 12 . 1-14 ، مز 115 (116) ، مِن الرِّسَالَةِ الْأُولى لبولس إلى كورنثوس 11. 23-26، ومن الإنجيليّ يوحنّا 13 . 1-15 ومن الإنجيليّ مَتّى 26 : 17-29]. 
 
قد لا يُمَكننا الِاحتِفَال بالإفخارستيّا فِي الْمَنْزِل، لَكنّ كَسْر الْخُبْز وَمُشَارَكته يُمْكِنُ أَنْ يُشِيرَ إلى مَعْنَى مَا نعيشه مَعَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ كُلّ يَوْم أحدٍ، لتذكيرنا بأَنّ الإفخارستيّا يَتِمّ الِاحتِفَال بِهَا عِنْدَمَا نَضَع أَنْفُسَنَا فِي خِدْمَةِ بَعْضنا الْبَعْض.
 
فِي قَلْبِ يَوْم الْجُمُعَةِ الْعَظِيمَة صَلِيب يَسُوع هُو المحور، ولذلك يُصْبِح مِن الْمُهِمِّ اخْتِيَار صَلِيب لِوَضْعِه فِي الْمَرْكَز، وَهُوَ الَّذِي يَدْعُونَا لِلصَّلَاةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أمَام الصَّلِيب.
 
اقْرَأ قِصَّة آلَام الرَّبّ وَمَوْته (يو 18 . 1-19 . 42)، لأَنَّ الألم يجمعنا جميعًا، وفي هَذِه اللَّحَظَات صَلُّوا بِشَكْل خَاصّ إلى أُولَئِكَ الَّذِينَ يُعَانُون مِنَ العَدْوَى وَالْأَمْرَاض المستعصية وَمِنْ أَجْلِ الْأَطِبَّاء الّذِينَ يَقُومُونَ بِرِعَايَة المرضى.
 
السَّبْت الْمقدّس يَوْم خَاصٌّ يَسُود فِيه الصَّمْت. لَقَد عِشْنَا جَمِيع أَيَّامِ الصَّوْمِ الْكَبِير تقريبًا كَسَبت طَوِيلٍ مِن الصَّمْتِ. فلنكْرّس هَذَا الْيَوْم لِلصَّمْت وَالتَّأَمُّل لِأَنّ الصَّمْت كَمَا يَقُولُ الْآبَاء هُوَ لُغَة الدَّهْر الْآتِي. آمين.