أنت هنا
القائمة:
إعداد: ناصر شقور
وردني سؤال: في أي يوم نبدأ الاحتفال بقداس الأقداس السابق تقديسها، يوم الاثنين أم يوم الأربعاء من الأسبوع الأول للصوم؟ فرأيت أن أوضح أولًا باختصار المعنى الروحي للأقداس الساق تقديسها. ثم اتطرق للمسار التاريخي للاحتفال بالقداس
تعريف الأقداس السابق تقديسها:
إنها الأقداس، أي القرابين، التي تم تقديسها في القداس الإلهي يوم الأحد، وتُحفظ للتناول منها خلال أيام الأسبوع في زمن الصوم. وتعرَف بالبرجيزمينا أي الأقداس السابق تقديسها. لأن الخبز متى قُدِّم وقُدِّس لا يجوز أن يُقدَّس ثانية في يوم آخر، فهو تقدمه جديدة مما قُدِّس سابقًا. إنّ خدمة الأقُداس السابق تقديسها تنسب القديس غريغوريوس اللاهوتي (329-389م). إلا أنها سابقة بكثير عن زمنه. لكنه هو الذي جمعها ونظمها كما هي في ترتيبها الآن.
بداية الاحتفال بالأقداس السابق تقديسها:
إن تناول القرابين، التي قُدِّست في قداس يوم الأحد، في أيام الاسبوع ليست بجديدة على الكنيسة، إذ يوضح الأب شميمن في كتابه الصوم الكبير أنه: "في الكنيسة الأولى، حيث كان المسيحيون قلة ومختبرين جدًا، قامت عادة توزيع القداسات (اي جسد المسيح ودمه) على المؤمنين في نهاية افخارستيا الأحد ليتناول منها كل فرد يوميًّا في بيته. وهكذا كانت الافخارستيا المشتركة والفرحة ليوم الرب تمتد للزمن كله وللحياة كلها. وعندما تكاثر اعضاء الكنيسة وتحولت المسيحية إلى ديانة جماهيرية. وهذا جعل بالضرورة الحماس الروحي الأول فاترًا مما جعل السلطات الكنسية تأخذ الاحتياطات ضد سوء استعمال القداسات، فتوقفت المناولة اليومية في البيت."
بالاضافة لذلك، كانت وما تزال تتم مناولة المسنين والمرضى في بيوتهم من القرابين المقدسة في القداس الإلهي. أي إنهم يتناولون أقداسًا سابق تقديسها
انتقال الاحتفال بالأقداس السابق تقديسها للصيام
في المناولة نذوق ما أطيب الرب، وننظر النور السماوي. ونعيش في فرح لقاء الثالوث وفرح القيامة، ونحيا في الملكوت حيث لا حزن ولا تنهد، ونتوق إلى شركة أعمق مع الله في نهاره الذي لا يغرب. لذا امتنعت الكنيسة خلال الصوم والتوبة من المناولة، لأن الصوم امتناع عن الأكل وحزن على الخطيئة ومسيرة رجوع الى الآب الرحيم. أما المناولة فهي الوصول والفرح وتناول جسد الرب. لذا لا يتفق فرح الاحتفال بالافخارستيا مع حزن الصوم، فلا تقام الافخارستيا في أيام الصوم الاسبوعية. فأعطيت شكلا جديدًا: مع انتهاء الانقطاع عن الطعام في نهاية يوم الصيام، يتم تناول القداسات التي جرى تقديسها يوم الأحد، يقول الأب شميمن: " ومن الممكن جدُا أنه في البداية لم تكن خدمة القداسات السابق تقديسها ( البروجيزمينا) محددة فقط بالصوم الكبير، بل كانت معروفة أيضًا في جميع مواسم الصيام الكنسية. ولكن فيما بعد عندما كثرت الأعياد- كبيرة وصغيرة - وتكاثر فيها اقامة الافخارستيا، أصبح للبروجيزمينا طابعًا ليتورجيًّا للصوم الكبير. وتحت تأثیر روحانيّة الطقس الصياميّ، تأثير ذلك الحزن البهيّ، أخذت البروجزمينا رويدًا رويدًا تلك الأبهة وذلك الجمال الفريد اللذين جعلاها القمة الروحية للعبادة الصيامية".
متى كانت تقام هذه الليترجيا في البداية:
يذكر المطران إدلبي في كتاب الصلاة: "كانت هذه الخدمة تقام قديمًا في كل يوم من أيام الصيام الأربعيني المقدس، ما عدا السبت والأحد، إذ يقام فيهما قداس... أم اليوم فتكتفي الكنائس عادة بإقامة خدمة "البروجيازمينا" يومي الأربعاء والجمعة من أسابيع الصيام. وفي بعض المحلات تقام أيضا في الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع الأول من الصيام"
متى نبدأ في تلاوة صلاة البروجيازمينا يوم الاثنين الأول من الصيام أم يوم الأربعاء؟
هنالك أراء مختلفة في هذا الموضوع. حتى في التبيكونات نجد أقوالًا قد تكون متناقضة، فمن جهة يتم الإعلان عادة أن الاحتفال بالأقداس السابق تقديسها يومي الأربعاء والجمعة، وقد يذكر ترتيب الاحتفال بالرتبة يوم الإثنين. لتوضيح الأمر لنرجع الى بعض المراجع القديمة والحديثة.
أ. الممارسة الرهبانية للأقداس السابق تقديسها:
إن التقليد الرهباني الفلسطيني، المحفوظ في تبيكون دير القديس سابا، قد تبنى نظامًا صارامًا. وسعى لإطالة الصوم الكامل بمنع تناول أي طعام من الإثنين حتى مساء يوم الأربعاء أو حتى الجمعة لمن استطاع. وبالتالي، لم تكن المناولة ممكنة قبل الأربعاء أو الجمعة. ومن هنا فرض تبيكون مار سابا الاحتفال بالأقداس السابق تقديسها فقط يومي الأربعاء والجمعة.
ب. الممارسة الرعائية للأقداس السابق تقديسها
أن المجمع المسكوني الخامس والمجمع المسكوني السادس، أصدرا قوانين خاصة بالعقيدة فقط، فانعقد ما يسمى “المجمع المسكوني الخامس–السادس”، في ترولو سنة 692. وأصدر مئة واثنين قانونًا بخصوص مسائل الكنيسة الإدارية والإرشاد الرعائي للمسيحيين. ويرد في قانون 52 من مجمع ترولو: "يُقام قداس القداسات السابق تقديسها في كل أيام الصوم الكبير ما عدا السبوت والآحاد، ويوم عيد البشارة المقدس"
بناء على هذا القانون تم اتباع هذه الممارسة في القسطنطينية، فتبيكون الكنيسة العظمى، تبيكون القسطنطينية، دعا إلى الاحتفال اليومي بالأقداس السابق تقديسها في كل أيام الأسبوع للصوم الكبير. وقد أشار تبيكون ألكسيوس العامودي في القسطنطينية إلى تناول وجبتين في قاعة الطعام بعد قداس الأقداس السابق تقديسها، يوم الاثنين الأول من الصوم الكبير.
ج. الوضع اليوم:
إن الوضع اليوم يجمع ما بين البعد الرهباني والبعد الرعائي
ففي نهاية رتبة الغروب ليوم الإثنين من الأسبوع الأول من الصوم، يرد في كتاب التريودي " تسلمنا ( من آباء الكنيسة) تقليد الاحتفال بالأقداس السابق تقديسها ابتداءُ من يوم الأربعاء، لأنه حسن أن يصوم الأخوة حسب التقليد، ومن يستطيع الصوم حتى الجمعة فليصم". هذا التعبير يرمز على ممارسة قداس الاقداس السابق تقديسها يوم الاثنين في بعض الرعايا ويطلب ايقافها بناءً على تقليد ما تسلمناه
أما كتاب التبيكون لكريلس رزق، فيذكر في نطام ليتورجيا البروجيزمياني " تختم القداس ذاكرًا قديس النهار الحاضر الذي للسبة أي الملائكة إن كان يوم الإثنين والباقي، وتذكر اسم القديس غريغوريوس صاحب الليترجيا". أما تبيكون عرمان فيذكر أيام الأربعاء والجمعة دون ذكر اثنين الصوم
أما في كتاب الصلوات الطقسية لكنيسة الروم الملكيين الجزء الثاني، وفي نهاية خدمة الغروب ليوم الاثنين من الأسبوع الأول للصوم لا يوجد ذكر للأقداس السابق تقديسها. في حين في نهاية غروب الأربعاء فيرد " ثم باقي ليترجية الأقداس السابق تقديسها" أي يطلب أن تقام الأقداس السابق تقديسها أيام الأربعاء والجمعة فقط
خلاصة
رأينا خلال التاريخ ممارسات مختلفة للاحتفال بالأقداس السابق تقديسها، وذلك بناء على الرؤيا اللاهوتية والبعد الرعوي والبعد الرهباني. كنيستنا تعتمد كثيرًا على تبيكون القديس سابا، لذا رأينا في كتبنا الطقسية اتباع الاحتفال في الأقداس السابق تقديسها يومي الأربعاء والجمعة فقط. المهم في الأمر ليس مجرد اليوم، إنما التعبير عن وحدة الأبرشية- حيث الأسقف هناك الكنيسة- من خلال التزامها بتقليد واضح ومشترك للجميع، لأن إلهنا هو إله نظام لا إله تشويش