أنت هنا
تاريخ النشر:
الثلاثاء, أبريل 20, 2021 - 21:28
القائمة:
أين أنا من القيامة
نايف خوري – إعلام الأبرشية
تأكّد حدث القيامة بكافة المجالات، التاريخية، الكتابية، الروحية، الشهود وشهاداتهم، الأناجيل المقدسة، رسائل القديسين، التطور الإيماني، المعتقد الثابت، الشعوب والأمم حتى بات كل مسيحي يؤمن بحدث القيامة كواقع تاريخي جرى بكل تأكيد قبل قرون وعقود.
وقامت المسيحية على هذا الإيمان على مرّ العصور، وواجهت وجابهت من العقبات والاضطهادات والمقاومة، والمحاربة ما يعجز اللسان عن وصفه. ولكن، مفاعيل الإيمان تزيد المسيحيين ثباتا، وإيمانا ورسوخا.
ونحن اليوم كمسيحيين، قد بلغنا أكبر عدد من المؤمنين بحدث القيامة بين شعوب الأرض ودياناتها، كيف يجدر أن ننظر إلى هذا الحدث الأعظم على مرّ التاريخ؟ كيف ينبغي أن نتعامل مع أساسنا المسيحي؟ ماذا تعني القيامة للمسيحيين عمومًا، ولي خصوصًا؟ ماذا أفعل إزاء هذا الحدث الذي نعيد ذكراه كل سنة، وترتبط صلواتنا به؟ أين أنا من حدث القيامة؟
هذه التساؤلات تدعوني لكي أقف متأمّلا أحوالي وواقعي، ومحيطي، ومجتمعي.. وأدخل في عمق النفس الذاتية مفكرًا وبصدق وثبات، وليس كالمرائين كما وصفهم الإنجيل المقدس، فأقول للنفس: إنك لا تعيشين عبثا، ولا عبئا، ولا على هامش أحداث الحياة، بل أنت موجودة، كائنة، حيّة، حاضرة. لست مستعبدة، ولا مقيّدة، ولا تابعة تبعيّة عمياء. بل لك القرار والاختيار، لك الحضور والكيان. أنا المسؤول عن أفكاري ومعتقداتي، عن سلوكي وتصرّفاتي، عن قناعاتي عن ميولي وأهوائي.
لذلك كله، يجب أن أُحيي القيامة في نفسي، وروحي وجسدي، كما أحيا يسوع ألعازر، وكما أحيا ابن الأرملة، وكما أحيا ابن قائد المئة.. لأن يسوع دخل في نفسي وتوغّل في روحي عن طريق تناول جسده ودمه الكريمين المحيين، فأصبح جزءا لا يتجزّأ مني، بل مرشدُا لي، موجّها، معلّما، لي أنا التلميذ، وجعلني مماثلا للتلاميذ، ومشابها لهم وفي منزلة قداستهم.
لقد غرس يسوع كلمته في روحي، وأظهر لي دربه التي أسير فيها، وقال لي تقدّم، امضِ، سرّ. لا تغمض عينيك، ولا تتجاهل أني معك، ولا تنسَ أني قد غلبت العالم. هكذا تصبح روحي معتمدة عليك يا يسوع، بقرارٍ إرادي، ومتّكلة عليك برأيٍ نافذ، ومسترشدة بك بسلوكٍ فعلي، فيتحقق الإيمان في نفسي، ولا يقتصر على المعتقد فقط، بل يترافق ذلك بالعمل، بالفعل، بالسلوك. وهكذا أعيش حياتي في كل مناسبة مقدسة انطلاقا من هذه المناسبة، وشخوصها، وخاصة يسوع الذي أجراها وأحدثها.
ما أجمل أن أحيا اللحظة التي أحبّها، وما أجلّ أن أعيش المناسبة التي أقدّسها.. فتبتسم شفتيّ ابتهاجا، ويتراقص قلبي فرحا، ويكتنفني شعور الاغتباط، ويغمرني إحساس أكيد بأن يسوع ها هو أمامي، إنه يقوم ويخرج من القبر، إنه يتراءى لي كما تراءى لهم ولهنّ. إنه موجود معي وبداخلي، تحيا قيامته في نفسي، كما يحيا دخوله إلى أورشليم في روحي، وحوّل ذاتي، كما حوّل الماء خمرا في قانا الجليل، وغفر ذنوبي وزلاتي كما غفر للخطأة خطاياهم، وكما رأى محبّة أمه له، ويوحنا الذي يحبّه، والمجدلية وسائر المحبّين، فإنه يضمّني بمحبّته إليه، ويصحبني مع الخراف، ويرشدني كوديع إلى الحق، وأنا بكامل وعيي وقراري وإرادتي، أقول بإقرار وأعترف بصدق، وأسلك بقناعة تامّة وبإيمان كامل لأنه معي، يوجّهني ويرشدني، فلا أتردد عن سؤاله، ولا أتوانَ عن العمل برأيه، فهذه هي صلاتي.
وبالصلاة، أستطيع تحقيق هذا التواصل، وإجراء هذه الصلة معه، لأن الصلاة هي اجتماع به، واطمئنان إليه، فأبادله الرأي وأستمع إلى مشورته، وأعمل بها. وما أحلى الاجتماع بيسوع في الصباح، وفي الظهيرة وفي المساء، في كل آن وأوان، في كل موعد وزمان، في كل مكان، وفي كل مناسبة سانحة أو غير سانحة، بل أفرح بهذا اللقاء، وأبتهج بإلحاحي في الطلب منه، وأسعد بتلبيته لطلباتي الكثيرة، وإرشاده المتواصل والمكثّف لي.
فأنت يا يسوع الحاضر فيّ، اجعلني أحيا قيامتك، وأعيش ميلادك، وأمضي في طريقي بإرشادك، وأعمل بهَديكَ، واحسبني مع تلاميذك، وأظهر ذاتك الإلهية في حياتي، وامنحني بركتك على الدوام.. واجعلني مشروع قداسة.. آمين.