أنت هنا
القائمة:
الإثنين الأول بعد العنصرة – "إثنين الروح القدس"
ترتبط الأعياد السيّديّة (من الدرجة الأولى والثانية) إرتباطاً وثيقاً بشخص الربّ يسوع وب"الحدث المسيحانيّ"، أكان ذلك بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة. فالمسيح الذي هو الإله المُتجسّد، هو محور الأعياد كلّها، وذلك بفعل هذا التجسّد الفائق الإدراك تحديداً، والذي منه تنبع كل المفاعيل الأخرى...
في هذا الإطار، إعتادت الكنيسة على تخصيص اليوم التالي للأعياد السيّديّة، لإكرام الشخصيّة الأكثر إرتباطاً بالعيد، بعد الربّ يسوع بالطبع. ففي عيد "الميلاد" مثلاً، تُقيم الكنيسة محفلاً مقدّساً لإكرام مريم والدة الإله على أمومتها العجيبة في 26 كانون الأول.
وفي عيد "الظهور"، تُقيم محفلاً تكريميّاً ليوحنا المعمدان النبيّ السابق في 7 كانون الثاني، نظراً إلى دوره في هذا الحدث الإلهيّ الفريد. وفي عيد "بشارة السيّدة"، تُكرّم الكنيسة الملاك جبرائيل في 26 آذار للدور الذي قام به في نقل بُشرى الحبل البتوليّ...
و"إثنين العنصرة" ليس إستثناءً البتّة، لا بل إنه أكثر من محفل تكريميّ... إنه عيد بكل معنى الكلمة، لأن المُحتفى به اليوم ليس شخصاً عاديّاً وليس مخلوقاً على غرار الأمثلة أعلاه...
إنه "الروح القدس"...
هو الأقنوم الإلهيّ الثالث، الواحد في الجوهر مع الآب والإبن...
هو المُساوي لهما في الأزليّة والكينونة، والمُساوي لهما في الجلال والكرامة الإلهيّين...
هو المُنبثق أزليّاً من الآب، والحاضر منذ البدء في "التكوين" (الخلق) وفي الوعد الإلهيّ بالخلاص وفي إكمال عمل الإبن الخلاصيّ...
هو الناطق بالأنبياء ومُعطي النبوءات (كلام الله)، وصولاً إلى "ملء الزمان" حيث تمّم الإبن "الممسوح بالروح" هذه النبوءات...
هو مُكوِّن جسد الإبن في حشا مريم البتوليّ، ومُحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم السيّد المُمجّدَين، غذاءً ملكوتيّاً لغفران الخطايا وللحياة الأبديّة...
هو "المُعزّي الآخر" (لأن الإبن هو "المُعزّي الأول")، "البارقليط" (المُحامي والمُدافع)...
هو مانح المواهب الإلهيّة الغزيرة لأجل خلاصنا وجعلِنا أبناءً للملكوت...
هو المُرشِد إلى الحقّ لأنه روح الحقّ، وهو الساكن فينا نحن هياكله الحيّة...
هو رفيق درب الكنيسة (جسد المسيح السرّيّ)، وبذلك يكون هو أيضاً "العمّانوئيل" (الله معنا)، كما كان الإبن في كرازته الأرضيّة...
"إن هذا السرّ لعظيم"...
بالفعل، عظيم هو سرّ الله، إذ إنه العطاء الدائم... فقد أعطانا الحياة بفيض من حبّه، نافخاً فينا نسمةً حيّة من حياته، وخالقاً إيانا "على صورته الثالوثيّة كمثاله". وبعد أن ضللنا، وعدنا بالخلاص لإعادتنا إلى "بهاء الصورة" الأول. فلم يبخل بإبنه الوحيد الذي حقّق هذا الخلاص بثمن دمه الخاص، ومنحنا الحياة الأبديّة "التي هي أن نعرف الله". كما جاد علينا ب"العطيّة القُصوى" التي هي روحه القدّوس، "الحاضر في كل مكان والمالىء الكل"، ليسكن فينا وبيننا ويكون مصدر الفرح الحقيقيّ، الذي لا ينزعه منّا أحد...
في "إثنين الروح القدس"، نتوجّه إلى الربّ الإله ببساطة الأبناء، لكي نشكره على عطاياه الكثيرة، وأهمّها "عطاء الذات" الذي من خلاله رأينا مدى حبّه الفائق الإدراك لنا.
بقلم الاخ توفيق ناصر (خريستوفيلوس)