أنت هنا
القائمة:
البابا فرنسيس: لنصلِّ من أجل السلطات ولا ننسينَّ الفقراء أيضًا
الفاتيكان نيوز
في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان يدعو قداسة البابا فرنسيس للصلاة على نيةّ جميع المسؤولين عن اتخاذ قرارات إزاء وباء الكورونا، وحث المؤمنين لكي لا ينسوا خلال هذه الفترة أيضًا المعوزين والأطفال الجياع والهاربين من الحروب.
لا زال قداسة البابا فرنسيس يرافقنا خلال هذه المرحلة الصعبة من خلال الاحتفال اليومي بالقداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والذي كرّسه اليوم للروح القدس، وقد دعا الحبر الأعظم خلاله للصلاة بشكل خاص من أجل السلطات.
وفي تأمله الصباحي قال البابا فرنسيس نتابع الصلاة معًا في مرحلة هذا الوباء من أجل المرضى وعائلاتهم والأهالي مع أبنائهم في المنازل ولكنني أريد أن أطلب منكم بشكل خاص أن تصلّوا من أجل السلطات لأنه عليها أن تتخذ غالبًا قرارات حول بعض المعايير التي لا تعجب الشعب، ولكن هذا الأمر هو لصالحنا. وغالبًا ما تشعر السلطات بأنّها وحدها ولا يتمُّ فهمها. لنصلِّ من أجل حكامنا الذين يجب عليهم اتخاذ القرارات حول هذه المعايير لكي يشعروا بمرافقة صلاة الشعب لهم.
وإذ توقّف عند الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجية اليوم من الإنجيلي لوقا والذي يخبرنا مثل الرجل الغني ولعازر الفقير حث الأب الأقدس المؤمنين لكي لا يقفوا غير مبالين إزاء مأساة الذين يتألّمون بسبب الجوع ويهربون من الحروب ويجدون أمامهم جدرانًا فقط. قال البابا فرنسيس إن هذه الرواية واضحة جدًّا حتى وإن كان من الممكن أن تبدو كرواية للأطفال لأنها بسيطة جدًا. لكن يسوع يريد أن يشير من خلالها لا إلى قصة وحسب وإنما أيضًا إلى إمكانية بأن تعيش البشرية بأسرها على هذا النحو، وبأنّه بإمكاننا نحن أيضًا أن نعيش هكذا. رجلان واحدهما مكتفٍ يرتدي ملابس فاخرة وربما كان يقصد أكبر مصمّمي الأزياء في ذلك الزمن، وبالتالي كان يَلبَسُ الأُرجُوانَ والكَتَّانَ النَّاعِم. ومن ثمَّ كان يعيش حياة رفاهية لأنّه كان يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَومٍ بِمَأدُبَةٍ فاخِرة. لقد كان سعيدًا هكذا. لم يكن لديه ما يقلق بسببه وكانت حياته تسير بشكل جيّد.
تابع البابا فرنسيس يقول كانَ رَجُلٌ مسكين اسمُه لَعازَر مُلقىً عِندَ بابِه، وكان هذا الغني يعرف أن الفقير موجود هناك لكن الأمر كان يبدو له طبيعيًّا، كمن يقول في ذاته: "أنا أعيش حياة هانئة وهو يعيش بهذه الطريقة... ولكن هكذا هي الحياة فليدبِّر نفسه". ربما – وهذا لا يقوله الإنجيل – كان يرسل له في بعض الأحيان بعض الفضلات من موائده. وهكذا كانت تمرُّ حياة هذين الاثنين، وماتا كليهما ويقول الإنجيل: "ماتَ المسكين فحَمَلَتهُ المَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنيُّ ودُفِن".
أضاف الأب الاقدس يقول هناك أمران يؤثران فينا: واقع أنَّ الغني كان يعرف بوجود هذا الفقير وكان يعرف أيضًا اسمه، ولكنّ هذا الأمر لم يكن يهمّه وكان يبدو له طبيعيًّا. وربما كان هذا الغني يقوم بأعماله التي كانت أيضًا تسير ضدّ الفقراء. لقد كان يعرف كل شيء بوضوح ويملك جميع المعلومات حول هذا الواقع. أما الكلمة الثانية التي تؤثّر فيَّ هي كلمة "هُوَّةٌ عَميقة" التي يستعملها إبراهيم في حديثه مع الغني إذ يقول له: "لقد أُقيمَت بَيننا وبَينَكم هُوَّةٌ عَميقة، لِكَيلا يَستَطيعَ الَّذينَ يُريدونَ الاجتِيازَ مِن هُنا إِلَيكُم أَن يَفعَلوا ولِكَيلا يُعبَرَ مِن هُناك إِلَينا". إنها الهوّة عينها التي كانت في الحياة بين الغني ولعازر، لأن هذه الهوّة لم تبدأ في الحياة الأبديّة وإنما هنا على الأرض.
تابع الحبر الأعظم يقول لقد فكّرت فيما يمكن لمأساة هذا الإنسان أن تكون: إنها مأساة من يعرف جيّدًا كلَّ شيء ولكنَّ قلبه مغلق. إنَّ معلومات هذا الرجل الغني لم تكن تصل إلى قلبه، لم يكن يعرف كيف يتأثّر إزاء مأساة الآخرين، وبالتالي لم يكن يطلب حتى من الذين يخدمون المائدة بأن يحملوا للعازر بعض الطعام وهذا الأمر يحصل معنا نحن أيضًا. جميعنا نعرف لأننا سمعنا عبر الأخبار وقرأنا في الصحف حول الأطفال الذين يعانون بسبب الجوع اليوم في العالم وكم من الأطفال لا يملكون الأدوية الضرورية، وكم منهم لا يمكنهم أن يذهبوا إلى المدرسة. قارات تعيش هذه المأساة ونحن نعرف هذا الأمر ولكننا نستمر في حياتنا لأنَّ هذه المعلومات لا تصل إلى قلوبنا وقلوب العديد من مجموعات الرجال والنساء الذين يعيشون هذا الفصل بين ما يفكرون به وما يعرفونه وما يشعرون به لأنَّ قلوبهم منفصلة عن أذهانهم وهم غير مبالين. تمامًا كما كان الغني غير مباليًا إزاء ألم لعازر: إنها هوّة اللامبالاة.
أضاف البابا فرنسيس يقول عندما ذهبت إلى لامبيدوزا للمرّة الأولى جاءت إلى ذهني هذه الكلمة: عولمة اللامبالاة. ربما نحن اليوم في روما نقلق لأنّه يبدو أن المحلات مغلقة وعليَّ أن أذهب لأشتري كذا وكذا ولا يمكنني أن أخرج لأتمشّى... نحن نقلق فقط لأمورنا الخاصة وننسى الأطفال الجياع وننسى أولئك الأشخاص البؤساء على حدود تلك البلدان فيما يبحثون عن الحريّة، وأولئك المهاجرين القسريين الذين يهربون من الجوع والحرب ويجدون فقط جدرانًا من الحديد والأسلاك الشائكة لا تسمح لهم بالعبور. نعرف جيدًا بوجود هذه الأمور ولكنّها لا تصل إلى قلوبنا... نحن نعيش في اللامبالاة، واللامبالاة هي هذه المأساة بأن نكون على معرفة من جميع الأمور بدون أن نشعر بواقع الآخرين. هذه هي الهاوية، هاوية اللامبالاة.
تابع الأب الأقدس يقول من ثمَّ هناك أمر آخر يؤثر بنا. نعرف هنا اسم الفقير: اسمه لعازر، وكذلك الغني كان يعرفه لأنّه عندما كان في الجحيم طلب من إبراهيم أن يرسل لعازر، لقد عرفه هناك إذ قال: "يا أبتِ إِبراهيمُ ارحَمنْي فأَرسِلْ لَعاَزر لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِه في الماءِ ويُبَرِّدَ لِساني". لكنّنا لا نعرف اسم الغنيَّ إنَّ الإنجيل لا يقول لنا اسمه، لأنه كان قد فقد اسمه ولم يعد يملك إلا صفات حياته: غني، قوي، مقتدر... العديد من الصفات وهذا ما تفعله الأنانيّة فينا: تُفقدنا هويتنا الحقيقية واسمنا وتجعلنا نقيّم الصفات فقط، وروح العالم يساعدنا في ذلك أيضًا... لقد سقطنا في ثقافة الصفات حيث تصبح قيمة الإنسان مرتبطة بما يملك ولا باسمه. هذا ما تحمل إليه اللامبالاة، تقودنا إلى فقدان أسمائنا. وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لنطلب اليوم من الرب نعمة ألا نقع في اللامبالاة، ونعمة أن تبلغ إلى قلوبنا جميع المعلومات التي نملكها حول الآلام البشرية وتحرّكنا لكي نفعل شيئًا من أجل الآخرين.