أنت هنا
تاريخ النشر:
الأحد, أكتوبر 25, 2020 - 15:20
العنف ضد المرأة رؤية مسيحية بقلم سيادة المطران د.يوسف متى
العنف ضد المرأة رؤية مسيحية بقلم سيادة المطران د.يوسف متى
مقدّمة:
لقد دعيت عدة مرات من قبل "جمعية كفى للعنف" للقاءات مكثفة حول العنف ضد المرأة، ورأيت من باب المسؤولية والارشاد الروحي ان اكتب هذا المقال لابناء الابرشية حول موضوع العنف ضد المرأة محاولاً أن ابين اسبابه والعلاج الذي يجب أن نتخذه ككنيسة ضمن عملنا الرعوي لحماية الأسرة واظهار صورة المسيح فيها.
لا بد أن اشير هنا أن المسيحية حررت المرأة منذ الفي عام فالسيد المسيح له المجد أول من حرر المرأة بلقائه المجدلية والسامرية، وجعل من كرامتها مقدارا يعادل مقدار الرجل بعد أن سادت الأحكام المجحفة ضد المرأة وتهميش كرامتها واستضعافها، بسبب عادات وأفكار سابقة مأخوذة من ثقافات قديمة.
ويأتي العنف ضد المرأة بأشكالٍ مختلفة لا يسهل التعرفَ عليها دائمًا: فالمعاملة السيئة ليست جسدية فحسب ، بل هي نفسية واقتصادية أيضًا. ويتطور العنف تدريجيًا بشكل مستمر تقريبًا.
وتزداد حدة نوبات العنف في الحياة اليومية ، تليها فترة من الهدوء وبعدها يأتي التهديد ، ثم الاعتداء اللفظي ، ثم الاذلال، والضرب ، ومن الممكن ان يؤدي كل ذلك الى جريمة قتل.، كما حدث ويحدث حتى الآن في مجتمعنا، وللاسف جُعِلَت القضايا في طيّ الزمان، أو لنقلْ في جارور الكتمان.
ويبقى الأمل لدى المرأة أن زوجها سيتغير ، وهذا هو السبب رئيسي الذي يدفع بالنساء الى الصمت لسنوات عديدة على امل ان يحدث تغيير.
مقال حول العنف ضد النساء
لا يمرّ يوم لا نسمع فيه أخبارًا عن أعمال عنف إمّا في سوء معاملة أو اغتصاب أو غيرها من التصرفات غير الأخلاقية ضد المرأة.
وفي هذا الصدد لسنا مدعوين لأن نبرّر على ضوء كلمة الله، الذي أظهر نفسه في يسوع المسيح، الإدانة الحازمة لكلّ أشكال العنف التي تهين الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، والتي تُـميت كرامته، بل كمؤمنين بيسوع المسيح ، فمن المهمّ أن نتذكّر الدور الذي لعبته الكنائس والجماعات المسيحية والأفراد المؤمنين فيما سبق، والذي يمكن أن يلعبوه مجدّدا بشكل إيجابي فيما يتعلّق بهذا الواقع الرهيب؛ واقع العنف المستشري ضد النساء في مجتمعنا بشكل عام، فإذا غفلنا ككنيسة وأخذنا موقفا بعيدًا عن المساعدة في هذا المجال وخاصة في مساهمتها في تحرير المرأة من العنف، فبالتالي لا يمكن أن نكون شهودًا موثوقين لإرادة المسيح في تحرير المرأة من قيود الظلم.
يتساءل البعض على سبيل المثال ؛ كم ساهم المجتمع؟ وكم ما زال يساهم في تعزيز ثقافة الصمت التي يتم فيها تأجيج العنف ضد المرأة وبعض التفسيرات للمعاناة الإنسانية (وخاصة ضحايا النظم القمعية؛ الاجتماعية والعائلية)؟
أودّ، هنا أن أشير، على سبيل المثال، إلى فكرة المعاناة كعقاب على الاخطاء المرتكبة ونقص الإيمان أو كأداة يريدها الله لتحسين شخصنا ولتعليمنا شيئًا ما.
الفكرة الأولى مجردة من أي أساس. إنها تتناقض مع الواقع الواضح لمعاناة الأبرياء ، ومع حقيقة الإيمان الذي لا يشكل بأيّ حال من الأحوال ضمانًا للحصانة من المعاناة، (التي هي، بدلاً من ذلك، جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية). لم نتلقَ هذا الوعد من الله أبدًا! إذا كان هناك أيّ شيء ، فإن الإيمان يساعدنا على الاعتقاد بأنّ المعاناة لا يمكن أن تمارس السيطرة المطلقة على وجودنا ، وأن وجودنا لا يمكن أن يأخذ بالكامل من خلال هذا البعد ، الموجود أيضًا. لكنها أيضًا هي فكرة خطيرة جدًا ، لأنها تحوّل الانتباه من الظلم الذي يرتكبه أولئك الذين يمارسون العنف ، إلى سلوك الضحية الذي ينتهي باللوم .
من خلال الآلام التي يمرّ بها الانسان ، يحصل على شكل من أشكال السموّ الروحي والتطهير الذي يقربنا من الله ويجعلنا أكثر استحقاقًا للخلاص.
أعتقد أن الكثير من الناس يمكنهم أن يشهدوا بحق بأنهم بلغوا وأصبحوا أكثر نضوجًا ، وخرجوا أقوى من تجربة الألم . فغالبًا ما يقودنا الألم والمعاناة إلى أن نسأل أنفسنا حول الأشياء المهمة حقًا في الحياة، وإعادة تحديد مقياس أولوياتنا ، ويمكنهما مساعدتنا لمعرفة أنفسنا ، ونقاط ضعفنا ، وحدودنا، وعلاقتنا مع الآخر. لذلك قد نعيش تجربة يمكننا القول إنها تعمل من أجل الخير باستخدام لغة بولس الرسول في الموازاة النهائية لحياتنا (رومية 8 ، 28).
لكن الفكرة القائلة بأن الألم يرسله الله ليجعل البشر يكتسبون الجدارةـ فهذا يعطينا صورة إله "ساديّ" يتناقض مع إله الحبّ الذي يشهد له الكتاب المقدس ويلغي تضحية يسوع الفريدة التي لا تتكرّر. المسيح الذي مات من أجل خطايانا وقام مرّة أخرى لكي نحصل على حياة كاملة ونسير أحرارًا.
يجب على النساء، من خلال التعاليم التي تلقينها من تعاليم الكنيسة ،عدم زرع هذه القناعات داخل أنفسهن ،وعليهن طردهنّ من أفقهنّ والنهوض مرة أخرى.
أود أن أؤكّد على الالتزام بـ "اليقظة" و "التنديد" ضدّ كلّ موقف يهدّد كرامة الإنسان ، والحرية والعدالة.
الكنيسة تقبل كل يوم التحدّي كي تكون ملح الأرض ونور العالم ، ("حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ."، إشعياء 58) ، وتسعى لبناء مجتمع لا تسود فيه المخاوف ، والانغلاق ، والأنانية ، والظلم ، ولا يستسلم المرء لترك الضعيف وراءه. فكل التهديدات الحقيقية ، لا يمكن للمسيحيين أن يظلّوا صامتين في وجهها.
ومن بين ألدّ الاعداء في مكافحة العنف ضد المرأة هو اللامبالاة ، وعدم القدرة على رؤية ما يحدث من حولنا ، والإدمان على ما ينبغي اعتباره غير محتمل. ولذلك وجب علينا أن نعبر الى ثقافة المعرفة والتوعية. وهذا يأتي من خلال ما يلي:
التضامن والاحتواء. أي توفير مساحات وفرص للمرأة وإتاحة الفرصة لها للحديث دون خوف عن العنف والإيذاء الذي تتعرض له ، وذلك لكسر ثقافة الصمت، والكنيسة هي المكان لاستماع معاناتهنّ حيث يمكن للضحايا أولاً، وقبل كل شيء، أن يشعرن بالتضامن وليس بإصدار الأحكام عليهنّ ، وتحريرهنّ من المخاوف والشعور بالذنب
الشفاء. ربما كانت أهم ثمار معجزات الشفاء التي قام بها السيد المسيح تتمثّل في إعادة إدخال الأشخاص الذين استُبعِدوا منها، بسبب الإعاقة أو المرض أو حتى الموت، إلى ملء العلاقات. حتى بالنسبة للنساء اللواتي هنّ ضحايا العنف، يمكن للمرء أن يفكر في شفائهنّ. لذلك، فإنّ تعزيز الشفاء يعني توفير فرص لإعادة تكوين حياة صحّيّة للعلاقة (مع الذات ومع الآخرين) ، وفي هذا السياق ، يجب أن يكون المجتمع المسيحي قادرًا على فعل الكثير.
فكر وتثقيف. من أهمّ الخطوات في هذا المجال هو توعية فكر الأجيال الصاعدة كي يرفضوا منطق القوة والسيطرة الذي يبدو سائدًا في كل مجال من مجالات الحياة والذي يتناقض بشكل علني مع مجال الخدمة الذي روج له يسوع ، والعمل على التثقيف في مجال الحوار بين النساء والرجال ، من أجل تعزيز النمو الفردي في الاحترام المتبادل والاعتراف بالكرامة المتساوية لجميع البشر، وإتاحة مساحات للرجال لطرح أسئلة على أنفسهم حول دور العنف في الهوية الذكورية. إذ اعترفت الأمم المتحدة بأنّ اعتداء الرجال على النساء هو السبب الرئيسي للوفاة والإعاقة الدائمة للنساء في جميع أنحاء العالم.
والسؤال: هل تعتبر الكنائس اليوم أماكن للمصالحة مع الله ومع الآخر، والتي ينبغي أن تشمل كُلًّا من الضحية والجلاد؟
ففي الحقيقة، إنّ المصالحة ليست ضربة للماضي وإنما على العكس، كي تكون أصيلة يجب أن تنتقل بالضرورة من إعادة بناء الحقيقة، دون خلط في المسؤولية، ودون إخفاء، ولا حتى أكثر الجوانب إيلامًا، وربما حتى دون فرض إعادة بناء الحياة العامة.