"من أجل الحوار بين الأديان، والتعايش السلمي بين المؤمنين"
افتتح في المنامة عاصمة البحرين المؤتمر الدولي "من أجل الحوار بين الأديان، والتعايش السلمي بين المؤمنين"، بمشاركة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. وعدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين واليهود، وغيرهم من أبناء الديانات.
وكان قداسة البابا قد وصل يوم أمس الخميس إلى المنامة، واستقبله الملك حمد بن عيسى، في قصر الصخير، ثم جرت لقداسة البابا مراسم الاستقبال الرسمية، حيث عزفت الفرقة الموسيقية النشيد الوطني للكرسي الرسولي والسلام الملكي البحريني، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة تحية لمقدم ضيف البلاد الكريم.
ورحب الملك بقداسة البابا قائلا: باسمنا وباسم جميع أهل البحرين الكرام، يسعدنا أن نرحب بقداستكم في مملكة البحرين ضيفاً كريماً عزيزاً، وأن نعرب لكم عن اعتزازنا بزيارتكم المباركة والتاريخية لأرض الحضارات العريقة الممتدة عبر التاريخ، في بلد التسامح والتعايش والسلام، متمنين لكم وللوفد المرافق طيب الإقامة.
وأضاف: يطيب لنا بهذه المناسبة أن نسجل تقديرنا الكبير لدوركم المؤثر والمشهود له على صعيد تقريب الشعوب لإحياء حضارتنا الإنسانية التي نتحمل جميعاً مسئولية حمايتها وتنميتها، عبر ترسيخ قيم العدالة والمحبة والسماحة والاحترام المتبادل من أجل هدف نشر السلام في أرجاء العالم. ونضم صوتنا إلى صوت قداستكم، بأن "السلام" هو طريقنا الوحيد نحو الأمل بمستقبل آمن يسوده الوئام والاستقرار.
ورد قداسة الحبر الأعظم بكلمة شكر فيها جلالة الملك على دعوته الكريمة لزيارة مملكة البحرين، وعلى ترحيبه الحار، وكلمات المودة التي وجهها إليه. وقال: هنا، حيث تُحيط مياه البحر برمال الصحراء، وحيث ناطحات السحاب المدهشة ترتفع إلى جانب الأسواق الشرقية التقليدية، تلتقي حقائق متباعدة: يلتقي القديم والحداثة، ويندمج التاريخ والتقدم. وهنا، أناس من أصول مختلفة تشكل فسيفساء حياة فريدة. عندما كنت أستعد لهذه الزيارة، تعرفت على "شعار الحيوية الذي يميز البلد. أشير إلى ما يسمى بـ "شجرة الحياة، التي أستلهمها لأشارككم بعض الأفكار. إنها شجرة الأكاسيا الرائعة التي بقيت على قيد الحياة منذ قرون في منطقة صحراوية، حيث تندر الأمطار، وحيث يبدو أنه المستحيل أن تقاوم هذه الشجرة المعمرة وتزدهر في مثل هذه الظروف. وفقا للكثيرين، يكمن السر في الجذور التي تمتد عشرات الأمتار في باطن الأرض، وترتوي من مستودعات مياه جوفية.
وكان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب قد وصل المنامة على رأس وفد من مجلس علماء المسلمين. وعقد بعد ظهر اليوم الجمعة المؤتمر الدولي "من أجل الحوار بين الأديان، والتعايش السلمي بين المؤمنين" وألقى كلمة طرح فيها نظرية جديدة بقوله:
لدينا اليوم نظريَّةٌ شرقيَّة إسلاميَّة، بديلةٌ لنظريَّة «صِراع الحضارات» تُسَمَّى بنظريَّةِ: «التَّعارُف الحضاري»، حَظِيَتْ في الآونةِ الأخيرة باهتمامِ فريقٍ من المفكِّرينَ والباحثينَ المتميِّزين، وقَدَّمُوها كردِّ فعلٍ مُناقضٍ لنظريَّةِ «الصِّراع الحضاري»، وهي تَعني الانفتاح على الآخَر، وتعرُّفَ كُلٍّ من الطَّرفين على الطَّرفِ الآخَر في إطارٍ من التَّعاونِ وتبادل المنافع، وتمكين الإنسان من أداء الأمانة التي ائتمنَهُ الله عليها، وهي: إعمارُ الأرضِ ومسؤوليته عن إصلاحِها وعدم الإفساد فيها بأيَّةِ صُورةٍ من صورِ الفساد.
وأضاف: تستندُ هذه النَّظَريَّة إلى كلمةِ «التَّعارُف» الواردةُ في القرآنِ الكريم، كما تستندُ في إطارِها الكُلِّي إلى أُصُولٍ قُرآنيةٍ ثلاثة: الأصلُ الأوَّل: هو: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ عبادَه مُختلِفينَ في العِرْقِ واللَّونِ واللُّغةِ والدِّين، وخصائص أخرى غيرها، وأنَّهم سيبقون مختلفينَ في هذه الخصائص إلى آخرِ لحظةٍ في عُمْرِ هذا الكون "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" [هود: 118].
الأصْلُ الثاني هو: أنَّه تعالى كما خَلَــقَ الناس مختلفين؛ فلا مَفرَّ من أن يخلقهم أحرارًا فيما يعتقدون، وإلَّا لما تحقَّق الاختلاف الذي جعله سُنَّته في خَلْقِه.. وفي حَقِّ حُريَّةِ الاعتقاد نقرأُ قوله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [البقرة: 256]..
الأصْلُ الثَّالث: إذا كان القرآن الكريم يُقرِّرُ الحقيقتَين السَّابقتَين، وهما: اختلاف الناس، وضمان حُرِّيَّاتهم فيما يعتقدون، فما هو نوع العلاقة بينهم فيما تُقرِّرُه فلسفة القرآن؟! ليس من سبيلٍ لهذه العلاقةِ إلَّا أنْ تكونَ «التعارُف»، الذي رَسَمَهُ الله تعالى إطارًا للمُعامَلات والعلاقات بين النَّاس..
كما ألقى قداسة البابا كلمة قال فيها :
يتخذ هذا البلد اسمه من المياه المحيطة به: في الواقع، كلمة "البحرين" تذكر بـ "بحرين" اثنين. لنفكر في مياه البحر، التي تربط بين الأراضي وتوصل الناس بعضهم ببعض، وتربط بين الشعوب البعيدة. يقول المثل القديم "ما تقسمه الأرض، يوحده البحر". وكوكبنا الأرض، إذا نظرنا إليه من علٍ، يبدو وكأنه بحر أزرق واسع، يربط بين شواطئ مختلفة. من السماء، يبدو أنها تذكرنا بأننا عائلة واحدة: لسنا جزرًا، بل نحن مجموعة واحدة كبيرة من الجزر. هكذا يريدنا الإله العلي. وهذا البلد، مجموعة جزر مكونة من أكثر من ثلاثين جزيرة، يمكن أن يكون رمزا لهذه الإرادة الإلهية.
ومع ذلك، فنحن نعيش في أوقات فيها البشرية، المرتبطة بعضها مع بعض كما لم تكن من قبل، تبدو أكثر انقساما، وغير متحدة. يمكن أن يساعدنا اسم "البحرين في متابعة تفكيرنا: "البحران" اللذان يشير إليهما هما المياه العذبة في ينابيعها الجوفية، ومياه الخليج المالحة. كذلك، نجد أنفسنا اليوم أمام بحرين متعارضين في مذاقهما: من ناحية، العيش المشترك، بحر هادئ وعذب، ومن ناحية أخرى، البحر المرير من اللامبالاة، وتشوبه العلاقات، التي تثيرها رياح الحرب، وأمواجه المدمرة والمضطربة بشكل متزايد، والتي تهدد بهلاك الجميع.
وللأسف، قال قداسته، الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين. لكن، نحن هنا معا لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه، واختيارنا هو طريق اللقاء، بدلا من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى: "الشرق والغرب من أجل العيش الإنساني معا".
ومضى يقول: في بحر الصراعات العاصف، لنضع أمام أعيننا "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، ففيه أمل للقاء مثمر بين الغرب والشرق، مفيد لشفاء الأمراض فيهما. نحن هنا، مؤمنون بالله وبالإخوة، لنرفض "الفكر العازل"، وطريقة النظر إلى الواقع التي تتجاهل بحر البشرية الواحد، لتركز فقط على التيارات الخاصة فيه. نريد تسوية الخلافات بين الشرق والغرب من أجل خير الجميع، من دون أن نغفل الانتباه إلى فجوة أخرى آخذة في النمو بثبات وبصورة مأساوية، وهي الفجوة بين الشمال والجنوب في العالم.
لذلك أود، مضى قداسته قائلا، أن أحدد ثلاثة تحديات نابعة من وثيقة الأخوة الإنسانية وإعلان مملكة البحرين، الذي كان موضوع تفكيرنا في هذه الأيام. إنها الصلاة والتربية والعمل. أولا، الصلاة التي تلمس قلب الإنسان. في الواقع، الماسي التي نعانيها والتمزقات الخطيرة التي نختبرها، "وعدم التوازنات التي يعاني منها العالم المعاصر مرتبط بعدم التوازن العميق المتأصل في قلب الإنسان". ثانيا، "حماية حقوق الأطفال الأساسية"، حتى يكبروا وقد تعلموا، ووجدوا المساعدة اللازمة، والمرافقة، ولا يكون مصيرهم في أنياب الجوع ولسعات العنف والابتعاد عن الصلاة التي تلمس قلب الإنسان.
وهكذا نأتي إلى آخر تحدٍ من التحديات الثلاثة، وهو العمل، ويمكننا أن نقول قوى الإنسان. يقول إعلان مملكة البحرين إن "الدعوة إلى الكراهية والعنف والفتنة، هي تدنيس لاسم الله". يرفض المتدين هذا الكلام، دون أي تبرير. يقول بقوة "لا" للحرب التي هي تجديف على الله، واستخدام العنف.
وأعلن ملك البحرين عن إنشاء جائزة الملك حمد الدولية للحوار والتعايش السلمي تأكيدا على أهمية الحوار والتفاهم والتعاون المشترك بين الدول، ودعمًا من جلالته لكافة جهود الخير والسلام والتقارب بين كل البشـر دون تمييز.
وتستغرق زيارة قداسة البابا فرنسيس بزيارة إلى البحرين ثلاثة أيام، هي التاســعة والثلاثون التي يقوم بها قداسته، إلى الخارج، والثانية من نوعها إلى شــبه الجزيرة العربية، بعد زيارته التاريخية إلى الإمارات عام 2019. ومن المقــرر أن يلقي البابا سبع خطابات خلال زيارته إلى البحرين، البالغ تعداد ســكانها 4.1 مليون نسمة.